يتقدم الفلسطينيون بطلب العضوية في الأممالمتحدة والاعتراف بدولة فلسطين مستقلة، تزامناً مع إعلان نحو 124 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأممالمتحدة اعترافها بفلسطين الدولة، وتضم هذه الدول تسعة من أصل الدول العشر ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم. أي أن 75 في المئة من تعداد سكان العالم أصبحوا معترفين بالحق الفلسطيني في الأممالمتحدة كدولة كاملة السيادة. و في الوقت التي تؤكد مصادر الديبلوماسية الفلسطينية أنها تحقق تقدماً مستمراً في سعيها لتوسيع رقعة الاعتراف وطلب العضوية في الأممالمتحدة، وتصر على أنها ماضية في الخطوة، تزداد التحذيرات والضغوط الأميركية من أجل عدم الإقدام عليها والعودة الى المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي الذي لا يزال يبدي احتجاجه الشديد على الخطوة، وكلما اقترب موعد الاستحقاق يزيد من تهديداته، ويلوح بقطع أموال الضرائب المخصصة للسلطة، وأكثر من ذلك بكثير. ولعدم إهمالنا لما قد يترتب عن توجه القيادة الفلسطينية في شأن اتخاذها قرار الذهاب الى الأممالمتحدة بكل الأحوال، على اعتبار أنه لا مناص من ذلك لأسباب سياسية، إلا أن هناك سبلاً لتحويل الإحراج الى شبه إنجاز، ممكن، وذلك بالتوجه مباشرة الى الجمعية العامة، بمشروع قرار يضمن دعم كامل أعضاء الاتحاد الأوروبي ويخجل أميركا من أن تصوت ضده، وذلك بهدف بناء أرضية ثابتة لمشروع عضوية فلسطين في الأممالمتحدة ضمن إستراتيجية بعيدة المدى، خصوصاً أن الإدارة الأميركية أكدت أنها ستستخدم حق النقض لمنع مجلس الأمن من تبني قرار التوصية بعضوية لدولة فلسطين وإن حصل القرار على دعم 14 دولة، وقد لا يحصل على ذلك لسبب أو لآخر. ومن هنا يرى البعض أنه على عكس ما يتصوّر كثيرون، إن استحقاق سبتمبر لا يمثل جزءاً من الحل بالنسبة الى السلطة الفلسطينية، ولا يرى فيه سوى تعبير عن الأزمة وشكل من أشكال الهروب إلى الأمام، وطريق التفافي غير مأمون النتائج، بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وباتت عملية التسوية ميتة سريرياً، وبالنسبة لهم فهم لا يرون إلا أن على السلطة إعلان ذلك صراحة، ولكن من دون تقديم بدائل ولو نظرياً. وهم لم يفعلوا ذلك لأنهم يعلمون علم اليقين بأن البديل على أرض الواقع، إذا لم يكن بموقف ومساندة عربية وإسلامية حقيقية على الأرض فلن يكون هنالك خاسر أكثر من الإنسان الفلسطيني. وبالعودة الى المخاوف الكبيرة التي يعبِّر عنها الإسرائيليون من تداعيات الاعتراف الأممي بدولة فلسطين، فإنها تدلِّل على أنه من غير الحكمة أن يهون أي طرف فلسطيني من هذه الخطوة، بفعل الحسابات السياسيَّة والحزبيَّة، لأن إسرائيل ستخسر شرعيتها الدوليَّة، لأنه وفور الإعلان عن الدولة الفلسطينية من قِبل الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة يصبح أي سلوك إسرائيلي في المناطق الفلسطينية بما فيها القدسالشرقية، غير شرعي، يعاقب عليه القانون الدولي، كما أنه يمكن اعتبار الاستيطان في الضفة الغربيَّة والقدسالمحتلة عمل غير شرعي، ويسمح القانون الدولي بفرض عقوبات على إسرائيل من أجل إنهاء المظاهر الاستيطانيَّة، كما أنه يمكن أن يتمَّ تغيير مكانة إسرائيل حسب القانون الدولي من دولة محتلَّة إلى دولة غازية، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات قانونيَّة ضدّ قادة وجنود جيش الاحتلال العاملين في الضفة الغربيَّة وقطاع غزة. وفقط من أجل أن يتحقق جزء مما نعتقد أنه قد ينجز ضد دولة الاحتلال في حال نجاح الخطوة على رغم أخطارها، نتمنى ممن يقللون من شأنها ألا يعتبروها مجرد أوهام لن يتحقق منها شيء يخدم القضية الفلسطينية، فقد يكون موقفهم هذا نابعاً من كونهم ليسوا أصحاب المبادرة ولكن ليبعد الجميع المصالح الضيقة والتنافس على تحقيق مكاسب حزبية وسياسية ضيقة على حساب الآخر لأن الخاسر الأكبر سيكون الفلسطيني.