بدأ "جيش تحرير كوسوفو" يتحول الى القوة الممثلة من الناحية العملية لألبان الاقليم، حين اتخذ خطوة مهمة في تخلي قادته عن اسلوب الاسماء المستعارة وكشف عدداً من ممثليه بأزيائهم العسكرية، وعيّن عضو قيادته ياكوب كراسنيجي مسؤولاً لاعلامه وناطقاً رسمياً باسمه، ما جعل مواقفه واضحة، خصوصاً في رفضه تقديم اي تنازلات عن مطلبه الاساسي بالاستقلال الكامل عن صربيا، غير آبه بمحاولات الحلول الوسطية الاوروبية والاميركية. وشدد كراسنيجي في تصريحاته على ان جيش تحرير كوسوفو لا يقاتل من اجل الحصول على الحكم الذاتي "الذي لا يمثل خياراً واقعياً بعد التجربة الفاشلة السابقة معه". واضطر الزعيم الألباني ابراهيم روغوفا الى الاعتراف بأهمية جيش تحرير كوسوفو، بعد طول تردد، وأف؟اد 19/6/1998 "انه ينبغي وضع هذا الجيش تحت سيطرة قوة ألبانية سياسية في الاقليم، لانه يتألف في معظمه من مواطنين عاديين يحاولون الدفاع عن ديارهم". ويبدو ان القوى السياسية الألبانية في الاقليم شرعت في التسابق على كسب ودّ جيش تحرير كوسوفو وتمثيله، اذ عبّر رئيس الحزب البرلماني الألباني آدم ديماتشي، وهو من السياسيين البارزين، عن "استعداد حزبه ليكون الممثل السياسي لجيش تحرير كوسوفو". واوضح انه "يوجد ما لا يقل عن عشرة احزاب ألبانية تود ان تكون جناحاً سياسياً لهذا الجيش لكن القرار في هذا الشأن يخص قياديه وحدهم". جيش ألباني يفنّد مسؤولو جيش تحرير كوسوفو ما تردده اوساط صربية وبعض وسائل الاعلام الاوروبية حول وجود مقاتلين مسلمين متبرعين ايرانيين وأتراك وكروات وبوشناق وشيشان في كوسوفو، او مدربين مرتزقة في كوسوفو ينتمون الى الشعب الألباني. ويؤكد هؤلاء المسؤولون على ترحيبهم بمناورات الحلف الاطلسي الاخيرة في ألبانيا ومقدونيا ويتمنون انتشار قوات الحلف داخل كوسوفو، ويلحّون على "الدول الصديقة والافراد المتعاطفين من انحاء العالم بتقديم المساعدات بالاموال والاسلحة "دعماً للكفاح المشروع ضد السلطة الصربية في كوسوفو". وتقدم قيادة جيش تحرير كوسوفو معلومات بأن لديها نحو 30 ألف مقاتل نظامي يتوزعون بين ثلاث وحدات محلية في مناطق حدود الاقليم ووسطه والعاصمة بريشتينا، وتمكنت هذه الوحدات حتى الآن من تحرير اكثر من 400 كيلومتر من اراضي الاقليم، ومهما تكن صحة هذه الارقام، تشير الدلائل الى ان هذا الجيش الذي تشكّل العام الماضي، تمكن من الحاق خسائر كبيرة بالقوات الصربية وان بمقدور عناصره التحرك والمناورة بحرية في مناطق واسعة من الاقليم وهو يحظى بدعم السكان المحليين وانضمامهم للقتال الى جانبه عند الضرورة. ولا يعترض الجيش على وقف النار واقامة حوار مع حكومة بلغراد، لكنه يريد ان يكون طرفاً في هذه المفاوضات وان تجري تحت اشراف دولي وأرض محايدة، ويشترط لذلك سحب قوات الشرطة الخاصة وعودة وحدات الجيش اليوغوسلافي الى الثكنات التي كانت فيها قبل المواجهات الاخيرة. هدف قومي ويتجنب قادة وجيش تحرير كوسوفو، كما هو شأن الزعامات السياسية، التسميات الدينية والطائفية، ويلحون على الاكتفاء بصفة الانتماء القومي الألباني وحده، ودعا أحد هؤلاء القياديين "الحياة" وكان درس في مصر ويتكلم العربية، الى التأكيد على وسائل الاعلام العربية التي تستخدم عبارة "المسلمين الألبان" الى الكفّ عن هذا الاسلوب الخطير على رغم النوايا الحسنة التي تتوخاها منه في كسب العواطف والتأييد، لأنه "ينسجم مع الاعلام الصربي الذي يسعى جهده الى تسمية المقاتلين الألبان بالمجاهدين المسلمين من اجل اثارة المشاعر المسيحية الاوروبية ضدهم". واوضح هذا القيادي ان الألبان يتكوّنون من مسلمين ومسيحيين كاثوليك وارثوذكس مع فارق بالعدد، وان الصورة الوحيدة في مكتب الزعيم السياسي ابراهيم روغوفا، هي التي تجمعه مع بابا الفاتيكان، في اشارة للرد على محاولات حكومة بلغراد لتحويل معركة البان كوسوفو من اجل الاستقلال الى صراع ديني، كما فعل الصرب في البوسنة. واشار هذا القيادي الألباني الى انه اخذ يسمع اخيراً من بعض الاذاعات والفضائيات العربية استخدام "كوسوفا" بدل "كوسوفو" واوضح بأنه صحيح ان تسمية الاقليم باللغة الألبانية هي "كوسوفا" وهو قاعدة نحوية لغوية، ولذلك عندما يتحدث الألبان باللغات الاجنبية يلفظون "كوسوفو" خصوصاً بعد ان اخذ الصرب يطلقون "كوسوفا" على الاقسام الجنوبية والغربية من الاقليم، و"ميتوخيا" التي تعني بالصربية "ميدان الكنائس" على المناطق الوسطى والشمالية، انطلاقاً من الهدف الصربي بتقسيم الاقليم وتنفيذ تطهير عرقي واسع بإجلاء الألبان الى قسم "كوسوفا" ولذلك فان الافضل تسمية "كوسوفو" كما كان متبعاً دائماً باللغات الاجنبية ومنها العربية، تخلصاً من الاساليب الصربية التقسيمية علماً بأن استخدام اللفظة الألبانية "كوسوفا" ليس ضرورة مطلوبة "لأن المرغوب آنياً هو الدعم لألبان الاقليم ومقاتليه". لاجئو كوسوفو وتظهر في شمال البانيا المعاناة الحقيقية لسكان كوسوفو، اذ يوجد اكثر من 40 ألف ألباني شردهم الصرب من ديارهم، ولا يعلمون مصيرهم بعد ان دمرت المدفعية الصربية منازلهم وأحرقت كل ما كانوا يملكونه فيها. ويقاسي هؤلاء اللاجئون من ظروف صعبة، اذ لم تقم منظمات الاغاثة الدولية حتى الآن بتقديم اي مساعدة انسانية لهم، وان دولة ألبانيا بفقرها الشديد ومصاعبها الداخلية وامكاناتها المحدودة، عاجزة عن اسعاف النازحين من كوسوفو، ما جعل بعضهم يؤوي عند اقاربه ومعارفه، بينما لم تجد الاكثرية منهم غير افتراش الساحات والطرقات، بعد ان عجزت عن ايجاد الخيام التي تلوذ بها. ويغلب على هؤلاء النازحين، انهم من النساء والاطفال والمسنين، لأن الرجال انضموا الى مقاتلي جيش تحرير كوسوفو، انتقاماً من العنف الصربي، وأملاً في تكوين مناطق محررة يمكن ان يعود اليها اللاجئون، وتكون قواعد للانطلاق نحو "تحرير كل كوسوفو". ولا يخفي الألبان ان تحقيق الاستقلال يتطلب تضحيات جسيمة منهم، لانهم في مواجهة عدو "صربي" شديد المراس وفتّاك، كما انهم لا يثقون بوعود الدول الغربية، خصوصاً وانها تخشى من موجة نازحين اكثر من تأييدها الصريح ل "الحق الألباني". ويؤكد الألبان مع محدّثيهم، انهم يعتمدون على قدراتهم الذاتية، المتوافرة للألبان أينما وجدوا، لأن المجتمع الدولي منقسم على نفسه، ويراعي مصالحه في الدرجة الرئيسية، وانه "لا يزال يتشبث بالحكم الذاتي المرفوض من ألبان كوسوفو الذين لا يقبلون عن الاستقلال بديلاً، مهما كانت نتائج الكفاح في هذا الصراع الدامي"