واضح ان الولاياتالمتحدة تريد الانفتاح على إيران وأن الكرة باتت الآن في الملعب الايراني بعد الكلام الأخير للرئيس كلينتون ولوزيرة الخارجية مادلين أولبرايت. والدليل على جدية الطرح الأميركي ان كلام أولبرايت تضمن اعتذاراً مبطناً من طهران اضافة الى ارسال واشنطن اشارات فحواها انها ستكون على استعداد لاشراك ايران في ترتيبات أمنية في شأن الخليج. المهم ان اميركا تعني ما تقوله لأن المسألة متعلقة بمصالحها أولاً اضافة الى انها لم تتخل يوماً عن الرغبة في أن تكون لها علاقات طيبة مع ايران لأسباب استراتيجية واضحة. وزادت هذه الرغبة مع تحول ايران لاعباً اساسياً في عملية استغلال الثروات النفطية لبحر قزوين. ولكن يبقى الأهم من ذلك كله، ان المبادرة الأميركية ستشكل امتحاناً حقيقياً لقدرة الرئيس سيد محمد خاتمي على الاستمرار في سياسته الهادفة الى الانتقال بايران من مرحلة الثورة الى مرحلة دولة المؤسسات والقانون. فهل ان مواقف واشنطن ستخدم خاتمي أم تصب في طاحونة اولئك الذين يسعون الى اطاحته عبر عزل الموالين له ومحاصرتهم ومن هؤلاء رئيس بلدية طهران غلام حسين كرباستشي مثلاً. حتى الآن، أظهر خاتمي رغم ان المحافظين يستخدمون كل الأسلحة المتاحة لهم لمنعه من تنفيذ سياساته، انه شخص لا يمكن الاستهانة به بعدما تحول رمزاً لتوق الشعب الايراني الى الخروج الى العالم والانتماء اليه مجدداً، ذلك ان شعب ايران بلد له خصوصياته وله حضارته. وفي المدى الطويل لا يمكن لهذا الشعب ان يتخلى عن هذه الخصوصية وعن هذا الإرث اللذين يشكلان سلاح خاتمي في نقل ايران الى وضع طبيعي. ان ايران تعيش حالياً في منطقة مضطربة بعد التجارب النووية الباكستانية والهندية وبعد الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها الدول الآسيوية وبعد هبوط أسعار النفط، وإذا كانت واشنطن اختارت هذه الفترة لفتح صفحة جديدة مع طهران، فإن ذلك لا يمكن عزله ايضاً عن الاقرار الضمني بأن السياسة الاميركية تجاه العراقوايران لا بد أن تتغير. وفي كل الأحوال تبدو ايران مقبلة على تحولات نجح مشروع خاتمي أم لم ينجح والتقارب المتوقع مع "الشيطان الأكبر" لا مفر منه أكان ذلك في عهده أو في عهد خلفه ما دام هناك تلاق في المصالح بين البلدين واكتشاف أن لا غنى لكل منهما عن الآخر