في كل مناسبة كروية كبيرة لا بد من ان يكون حاضراً البرازيلي بيليه "الجوهرة السوداء" افضل لاعب انجبته ملاعب كرة القدم من دون منازع والذي امتع الجمهور طوال 20 سنة قضاها لاعباً قبل ان يفتن الجميع بشخصيته الساحرة بعد اعتزاله اثر دخوله حقل الترويج والرعاية المتعلقة مباشرة باللعبة، وهو حالياً وزير الرياضة في بلاده ويحاول اصلاح الخلل والفساد المتفشيين في الكرة البرازيلية. عندما كان في السابعة عشرة وثمانية اشهر من العمر توّج بطلا للعالم في كرة القدم في العام 1958، وكرر الانجاز نفسه في العام 1962 واضاف لقباً ثالثاً في العام 1970 قبل ان يعتزل دولياً. وسجل أكثر من ألف هدف قبل اعتزاله، علماً انه لعب آخر سنواته مع نيويورك كوزموس في الدوري الاميركي المحترف سعياً لنشر اللعبة في بلاد "العم سام" بعدما بقي وفياً لفريقه البرازيلي سانتوس. ومنذ سنوات يعمل بيليه مع شركة "ماستركارد" لبطاقات الاعتماد ويعتبر سفيرها الأول وانزلت الشركة الى الاسواق بطاقة تحمل صورة بيليه قبل المونديال. وحلّ الاسطورة ضيفاً على المونديال واختير ضمن منتخب القرن، وتمكنت "الحياة" من استغلال وجوده في باريس لاجراء حوار موسّع معه، خصوصاً ان كرة القدم التي يحبها والتي اعطته كل شيء تمرّ في مرحلة انتقالية بعد انتخاب جوزف بلاتر رئيساً جديداً للاتحاد الدولي خلفاً للبرازيلي جواو هافيلانج. وعندما عرفته عن نفسي قلت له انه أحرز آخر ألقابه العالمية قبل تاريخ ولادتي بشهر وعندما زار بلدي لبنان كنت لا ازال في الرابعة من العمر وتمنيت ان يكرر الزيارة مرة ثانية. وتذكر بيليه الزيارة الى لبنان وأسف للحرب التي عصفت به. وهنا نصّ الحوار. ما رأيك في انتخاب بلاتر رئيساً للاتحاد الدولي لكرة القدم، وهل سيتمكن من تحقيق برنامجه؟ - أولاً أريد ان الفت النظر الى نقطة مهمة وهي ان بلاتر لا يملك برنامجاً معيناً والبرنامج الذي سينفذه هو برنامج يوهانسون رئيس الاتحاد الاوروبي الذي نافس بلاتر على منصب الرئيس. عندما طلب مني يوهانسون ان ادعمه اطلعني على البرنامج الذي ينوي تنفيذه في حال فاز بمنصب الرئيس وتشاورنا في الامر طويلاً. ثم تكلمت مع لاعبين سابقين كبار امثال الالماني فرانتس بكنباور والانكليزي بوبي تشارلتون وحتى الفرنسي ميشال بلاتيني دعم بلاتر في حملة الرئاسة، ووافقنا جميعاً على ان برنامج يوهانسون مفيد لكرة القدم، ولذلك دعمت ترشيح السويدي الذي كان في ذلك الوقت المرشح الوحيد لخلافة البرازيلي جواو هافيلانج قبل ان يدخل بلاتر السباق علماً انه لم يقدم اي برنامج وترشح بطلب من هافيلانج. ويخطئ كل من يظن ان بلاتر سيمشي على الطريق نفسه الذي سلكه البرازيلي وينفذ رغباته، لان بلاتر في نظري رجل ذكي ويريد ان يقدم الكثير لكرة القدم ولا اعارض انتخابه لكنني اعتقد انه سينفذ برنامج يوهانسون. ما هي النقاط التي تعجبك في برنامج يوهانسون؟ - أبرز نقطة في برنامج يوهانسون هي مناقشة كل الأمور مع اللاعبين المحترفين عبر لجنة تمثلهم قبل اتخاذ القرارات اللازمة. ما يجري حالياً غير عادل، لقد غير المسؤولون الكرات ولم يسأل احد رأي اللاعبين وهم المعنيون بالأمر في المقام الاول، والامر ينطبق أيضاً على مواعيد خوض المباريات وهي ازمة حصلت في مونديال اميركا عندما اقيمت مباريات ظهراً في درجة حرارة بلغت 35 درجة مئوية. كما بدلوا القوانين من دون استشارة اللاعبين. نحتاج الى ديموقراطية في تسيير امور اللعبة واللاعبون هم ابرز عناصرها وهم القاعدة. وهناك نقطة أخرى في البرنامج وهي جعل رئاسة فيفا مداورة بين الاتحادات القارية. هل تعمل مع بلاتر اذا طلب منك المساعدة؟ - بالطبع. يجب ان يفهم الجميع امراً مهماً: اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي فيها اغلبية ليوهانسون. ورغم انتخاب بلاتر يجب ان يستمر التعاون لان مصلحة كرة القدم فوق كل اعتبار. يقول بلاتر ان ازمة بطاقات المونديال ليست مسألة رياضية بل تجارية وقرصنة. ما رأيك في الأمر؟ - عندما يبدأ الكلام عن الفساد اتألم كثيراً خصوصاً ان مهمتي الاولى كوزير للرياضة في بلادي هي مكافحة الفساد والرشوة. يتكلمون عن الفساد في امور كثيرة واعتقد ان كلام بلاتر عن ازمة البطاقات صحيح مئة في المئة وعصابات المافيا هي وراء هذه التصرفات ويجب تحليل الوضع واجراء تحقيقات دقيقة في القضية ووضع المخالفين وراء القضبان. لكن وكالات السياحة وبيع البطاقات تشتري البطاقات من الاتحاد الدولي الذي يرخص لها... - هذه الشركات تبتز الجهتين الاتحاد الدولي والمشجعين ويجب وضع حد لهذه التصرفات المشينة خصوصاً عندما يتعلق الامر في المونديال. في العام 1994 في الولاياتالمتحدة كانت شركتي "بيليه سبورت" إحدى الوكالات التي اشترت بطاقات وجرت العمليات من دون أي أزمة لأننا عرفنا كيف ننظم الشراء والبيع. ولسوء الحظ تبدل الوضع في هذه البطولة ولم تتمكن وكالات السياحة من تأمين بطاقات لمشجعين اشتروها ويجب تنظيم الامور فوراً لأن الأمر مسيئ لكرة القدم. يقول بلاتر ان ثماني دول مرشحة لاستضافة مونديال 2006 هي البرازيل والارجنتين والمانيا وانكلترا و جنوب افريقيا والمغرب ودولتان افريقيتان اخريان، وشدد على حظوظ جنوب افريقيا، فما رأيك؟ - اعتقد ان دولاً أخرى ستدخل السباق. اريد ان احدد نقطة مهمة وهي ان دول العالم الثالث يصعب عليها استضافة مسابقة بحجم المونديال الذي يشارك فيه 32 فريقاً، بسبب الحالة الاقتصادية. من الصعب على دولة فقيرة ان تصرف الاموال اللازمة لتحضير منشآتها لتناسب متطلبات المونديال. لقد منح فيفا كوريا الجنوبيةواليابان تنظيماً مشتركاً لمونديال 2002، فلماذا لا يفعل الشيء نفسه بالنسبة للارجنتين والبرازيل او المانيا وانكلترا او المغرب ودولة مجاورة؟ قال هافيلانج اخيراً ان حظوظ جنوب افريقيا كبيرة لاستضافة مونديال 2006. - لا اعتقد ان هذا التصريح عادل ودقيق. إن هافيلانج لا يحدد من يستضيف المونديال، وهو لا يصيب دائماً في ترشيحاته، لقد وعد اليابان بالمونديال لكنه تراجع تحت الضغط وقبل بالتنظيم المشترك، ولم يكن الامر جيداً بالنسبة اليه. حققت الفرق الافريقية نتائج طيبة في المونديال بعكس الفرق الآسيوية. ما الذي تحتاجه الفرق الآسيوية للاقتراب اكثر من الركب العالمي؟ - اتعرف لماذا تحقق المنتخبات الافريقية نتائج طيبة؟ لأن هناك بروتوكول تعاون بين الاتحاد الافريقي ونظيره الاوروبي يتبادلان بموجبه المعلومات وتحتك فرقهما بعضها ببعض، وهذه كلها افكار يوهانسون. ولن تطور الكرة الآسيوية إلا من خلال نوع من التبادل بينها وبين الاتحاد الاوروبي. ولا اعني بالتعاون مجرد توقيع اتفاقات بملايين الدولارات بل صقل القاعدة والاحتكاك بين منتخبات الفئات... واعجبت بالطريقة التي انتشرت فيها اللعبة في الولاياتالمتحدة ومنتخبها اليوم على المستوى نفسه مثل تشيلي وكولومبيا وحتى بعض الفرق الافريقية، واذا نظرت الى الاحصاءات في السنوات الست الاخيرة يتبين لك ان اللعبة الاولى في الولاياتالمتحدة ليست كرة السلة او البيسبول او كرة القدم الاميركية بل كرة القدم. والقاعدة تتوسع يوماً بعد يوم. في اميركا الوضع مختلف عن بلدان أخرى، لأن رياضات كثيرة تأتي في المقام الاول قبل كرة القدم. والتطور يعود الى ان المسؤولين بدأوا يهتمون بمنتخبات الفئات بعدما اهتموا فقط، بالمنتخب الاول سابقاً نظم الدوري المحترف في السبعينات الذي لم يصمد طويلا وفقد الاميركيون عشر سنوات من جراء توقف الدوري الاول. والان باتت للعبة هيكلية واضحة والاكيد ان الثمار الفعلية ستقطف مستقبلا. قبل اربعة أعوام فازت البرازيل باللقب العالمي باسلوب اوروبي. هل تعتقد ان فرق اميركا الجنوبية قادرة على تحقيق اللقب من دون اعتماد التنظيم الاوروبي؟ - قبل أربعة أعوام واجهنا مشاكل كثيرة ورغم اللقب الرابع لم يرض احد بالاسلوب الذي لعب به المنتخب ودفع المدرب كارلوس البرتو باريرا مدرب السعودية الحالي الثمن وطرد. وقال باريرا يومذاك إن منتخبه لعب باسلوب ممل لكنه توج بطلا، وفي العام 1982 كان للبرازيل منتخب قوي وخرج من الدور الثاني. هذه الأمور تثير الجدل في بلادي، واعتقد ان المدرب الحالي يسير على نهج سلفه ويميل الى الدفاع. الفريق الحالي غير منظم لكنه يضم مهارات فردية عالية. هل بيبيتو المهاجم المناسب الى جانب رونالدو في نظرك؟ - يبدو ان بيبيتو سيكون أساسياً من خلال التدريبات لكن بعد متابعتي للمباراة الاولى ضد اسكتلندا افضل ان يلعب ادموندو الى جانب رونالدو أو دنيلسون. ما تعليقك على الشغب الذي يثيره الجمهور الانكليزي؟ - الأمر مؤسف، تأتي أقلية الى المونديال لافتعال اعمال شغب واشعال الحرب ويجب على الشرطة التحرك بسرعة للجم اعمالها ووضع المشاغبين في السجون. كانت الايام الاولى للمونديال رائعة وتابعنا اهدافاً جميلة قبل ان تتصدر اعمال الشغب عناوين الصحف. ظهرت على الساحة الدولية قبل اربعين عاماً. خلال هذه الفترة الطويلة ما هي الأمور التي احببت في كرة القدم وما هي الأمور التي تكرهها؟ - اكره امراً ويتعلق باسلوب المدربين الذين يعتمدون الدفاع كثيراً، وهذا ما يفسد المباريات. ان المدرب في هذه الايام يضع خطة لتجنب الخسارة بعدما كان يضع خطة للفوز. والمؤسف ان الامر لا ينطبق على المنتخبات الاولى وحسب بل انتشر الى مدربي فرق الفئات دون ال 15 عاماً ودون ال 17 عاماً... ما يولد نفسية سيئة لدى اللاعبين منذ نعومة اظافرهم. أما الأمور التي احب فهي بلوغ كرة القدم بفضل التغطية الاعلامية الواسعة وتطور تقنيتها حدوداً لم تكن قادرة على بلوغها سابقاً، اضافة الى نقطة قد تكون موضوع خلاف، وهي الأموال الطائلة التي تدفع إلى اللاعبين، نحن لم نحصل على فرصة مماثلة في السابق ولاعب كرة القدم ليس طبيباً او محامياً او مهندساً يقدر على جمع ثروة في 40 عاماً من العمل اذ لا يمارس مهنته الا عشر سنوات وهو يسعى إلى تأمين مستقبله المادي خلالها. لكنني في الوقت نفسه ضد الجشع لأن بعض اللاعبين ينتقل من فريق الى آخر من أجل المادة فقط