إليكِ - 1 - رأيتُك هائمةً في هواء الصنوبر، عطرُكِ نحو الوهادِ، ووجهُك في كلِّ غيمٍ. وهذا المساءُ الخجولُ يعانقُني فرحتي مثلُ هذا المساء، يعانقُني، ثم يدخُلُ منكسراً جبّةَ الليل، يذهبُ صيفٌ ويترك تحت النوافذ بعض الشحوبِ، فيعلو الصنوبرُ، يُومي بهاماتِهِ للنوافذِ، يعلو الصنوبرُ - عطرُكِ نحو الوهادِ، أنا عثَرةٌ في جموحكِ، أنتِ الجموحُ - أنا الخوفُ، تنتفضين فأهوي، وتندفعين فأهربُ، أهربُ نحوكِ منّي وحين تضمّينني، أتلاشى كوهْمٍ أُحبُّكِ هائمةً في هواء الصنوبرِ، هائمةً في هروبي إليكِ، أُحبُّكِ ملءَ السماء الذي مثلُهُ فرحتي. - 2 - أُريدكِ وحدَكِ، لا كالنساء، ولا كالشَّجَرْ. أُريدُكِ كلَّ النساء وكلَّ الشَّجَرْ. أُريدُكِ وحدَكِ من بينهنَّ، فكوني كما أشتهي لا تكوني سوايَ، دعيني أرى فيكِ ما أبتغي كلَّ حينٍ ولا تذهبي في ظنوني أُحبُّكِ هائمةً في هروبي إليكِ، هربتُ إليكِ لأني عشقتُ اصطفاءَك لي وارتماءَك في وحشتي وجنونَك بي فاذهبي في جنونِكِ - لا تذهبي في ظنوني أُريدُكِ وحدَكِ، أنتِ النساءُ، وأنتِ الشَّجَرْ. وأنتِ الهوى المنقضي، والهوى المنتَظَرْ. فاحرسي ترَّهاتي وضعفي أُحبُّكِ هائمةً في هروبي إليكِ، فكوني كما أشتهي - لا تكوني سوايَ، أُحبُّكِ ملءَ المساء الذي مثلُهُ فرحتي. - 3 - هواءُ الصنوبر نفحتُنا حين تسنح شرفتُنا للوهادِ، هواءُ الصنوبر نفحتُنا حين نُطلقُ نحو الأعالي نوافذَنا وهناك مِنّا صنوبرتان، تشبّان قرب سياج الحديقة، تنتبهان قليلاً، وتعتنقان كثيراً. صنوبرتان هنالك في دارنا بين سروٍ وحورٍ وكينا... تُذيعان سرَّ الهواء، فيسري ليفضح سرَّ الشجيْراتِ التي قد غَفَتْ يتلوّى هنا أو هنالك، ملءَ الحديقة، ما بين سروٍ وحوْرٍ وكينا ولكنَّه يتجدَّدُ بين ثناياهما منهما يتسرَّبُ منتشياً فيميل ويزهو ويلمع... سروٌ وحوْرٌ وكينا... وما غير ذلك من كائناتِ الحديقة، لا تسألي كيف أنّي رأيتُكِ هائمةً في هواء الصنوبرِ، لا تسألي، وانظري كيف أنّا جعلنا صنوبرتيْن هنالك في دارنا تخفقان كقلبيْنِ، يحتفيانِ بأسرارنا. * شاعر لبنان