وضعت الكتابين لجنةٌ باشراف المهندس الدكتور محمد كمال اسماعيل، وقامت على تحريرهما الدكتورة سلمى سمر الدملوجي. وُضع هذان الكتابان لمناسبة التوسعة الكبرى التي تمت أخيراً بطلب من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وبإشرافه. ويتألف كل منهما من ثلاثة أقسام. يتناول القسم الأول تاريخاً مختصراً للحرمين الشريفين، فيما يتناول القسمان الثاني والثالث النواحي المعمارية والفنية والتكنولوجية التي تمت في اتمام المهمة الشاقة، والتي كانت نتيجتها أن أصبح الحرم المكي يتسع لنحو مليوني حاج ممن يزورون بيت الله الحرام وقد أمّه في موسم الحج الماضي، سنة 1418 للهجرة ما قدّر ب000،700،1 حاج فيما أصبح بإمكان المسجد النبوي الشريف أن يتسع لمليون مصلِّ. بنيت الكعبة المشرّفة على أيدي ابراهيم وكان يعينه في ذلك ابنه اسماعيل. ولم تكن الكعبة محاطة بسور لمدة طويلة، وكانت البيوت تبنى حولها، وخاصة لمّا أصبحت مكة مركزاً تجارياً مهماً. وعلى كل فإن تاريخ مكة قبل القرن الخامس الميلادي صفحة مجهولة. وقد بدأت أهميتها لمّا أصبحت مكة مركزاً تجارياً مهماً. وعلى كل فإن تاريخ مكة قبل القرن الخامس الميلادي صفحة مجهولة. وقد بدأت أهميتها عندما أصبحت، في ذلك القرن والقرن الذي يليه، مركزاً تجارياً للقوافل التي كانت تقصدها من الجنوب والشمال حاملة سلع المناطق شبه المجاورة والقصية. وقد تزامن هذا مع سيطرة خزاعة على سدانة المكان الذي كانت له قداسة في تلك الأصقاع. وقد تزوّج قصيّ بن كلاب القرشي ابنة آخر حاكم من خزاعة، فانتقلت اليه السدانة، وأصبحت الزعامة في مكة لقريش. وكان على المتولي الأمر أن يوفر الأمن والحاجات للذين يزورون الكعبة حجاجاً وتجاراً. وفي القرن السادس الميلادي انتهت الزعامة في قريش الى هاشم القرشي الذي بلغت في أيامه تجارة مكة الغاية، فتعددت واجباته وتنوعت مسؤولياته، وخلفه ابنه عبد المطلب الذي قام الأحباش، الذين كانوا قد استقروا في اليمن، في أيامه بحملة على مكة في عام الفيل 570 م لكن الحملة فشلت، وسلمت مكة من أذاهم. وفي تلك السنة توفي عبدالله بن عبد المطلب، وبعد وفاته ولد ابنه محمد النبي ص. ان الحج كان قد استنّه ابراهيم. لكن القبائل العربية في الجاهلية قامت بتبديل كبير لتقاليد الحج القديم ومناسكه، فحملت الأصنام القبلية الى الكعبة بحيث أصبح فيها، على حسب الروايات الصحيحة، 360 صنماً، وهي التي أتلفها الرسول ص لمّا دخل مكة فاتحاً 8 ه/630 م. ولد النبي ص سنة 570 م، ولما بلغ الأربعين من عمره جاءه وحي الرسالة. وقد أخذ بنشر الدين الجديد بين القرشيين وسواهم من سكان مكة. ولكن أذى قريش اشتد عليه وعلى أتباعه، فهاجر الى المدينة 1ه/622م التي أصبحت مدينة الإسلام الأولى وعاصمة الخلافة فيما بعد الى نهاية عهد عثمان بن عفان. وفي السنة الثامنة للهجرة دخل الرسول مكة فاتحاً، دون ان تراق نقطة دم. وبعد الفتح بسنتين جاء الرسول ص مكة في حجة الوداع. ويومها أوضح للناس مناسك الحج التي لا يزال المسلمون يتبعونها الى يوم الناس هذا. المسجد الحرام يتناول الكتاب عن المسجد الحرام، في قسمه الأول، عرضاً موجزاً للاهتمام والعناية التي نالها هذا المسجد على أيدي الخلفاء والحكام المسلمين حتى أواخر عهد الدولة العثمانية. كان الرسول ص، لمّا فتح مكة، قد أقام أنصاباً لتحديد منطقة الحرم الشريف. وقام الخلفاء، من عهد عمر بن الخطاب، بتوسعات في الحرم المكي كانت تقتضيها سعة الرقعة التي ينتشر فيها الإسلام، وزيادة عدد الحجاج. وعندنا معلومات عن التوسعات أو الاضافات التي كان الخلفاء يقومون بها في سبيل ذلك، ومن ذلك بناء أسوار حول الحرم المكي وبناء مآذن وزخرفة اجزاء منه والاهتمام بكسوة الكعبة. ولعل أهم ما تم من هذه الأمور هو الذي قام به الخليفة العباسي المهدي 158 - 169 ه/ 775 - 785 م الذي وسّع الحرم واعاد بناء ما تصدع منه، وقد اتم العمل بعده ابنه الهادي. ويمكن القول بأن توسعة المهدي كانت الأكبر والأهمّ، بحيث ان الاعمال التي تمّت بعده لا تقارن بما تمّ على يديه حتى العقود الأخيرة. وقد قام المماليك والعثمانيون بجهود كبيرة لزخرفة المسجد وتنظيم الأماكن المحيطة به وتزيينها وبناء المآذن. وبدءاً من قيام الدولة السعودية اتضح ان المسجد ضاق بعدد الحجاج والزوار، ولذلك فإن توسعته اصبحت شأناً مهماً للمغفور له الملك عبدالعزيز. فضلاً عن ذلك فأن الأماكن المحيطة بالمسجد الحرام اصبحت بحاجة الى تنظيف كما صارت الحاجة ماسة لانشاء طرق توصل القوم اليه. وهنا قامت "ورشة" الاصلاح والاعمار التي دامت من سنة 1375 ه الى سنة 1393 1955-1973 م. وكانت النتيجة ان اتسعت مساحة المسجد من 127،29 متراً مربعاً الى 168،160 متراً مربعاً. فضلاً عن ذلك فقد اضيفت اعمدة وأقواس وأبوابٌ وسبع مآذن. ونال مقام ابراهيم وبئر زمزم اهتماماً خاصاً. ولم يقتصر الاهتمام على الحرم نفسه اذ ان مكة نفسها ازداد عدد سكانها وكثرت اعمالهم وأشغالهم. والقسم الأول من الكتاب الخاص بالمدينةالمنورة، يتناول تاريخ المسجد النبوي الشريف باختصار، مع الاهتمام، ولو جزئياً، بالمدينة نفسها. كانت يثرب، وهذا اسم المدينة قبل الإسلام، تقع في واحة خصبة، وكان القوم يقيمون، على ما نقلته الرواية التاريخية، في آطام كانت تصبح حصوناً وقلاعاً، على الأقل البعض منها، أيام الحصار. ولم يكن ليثرب سور. كان سكانها الأوائل من العمالقة، ثم سكنتها فئات من اليهود، وجاءها الأوس والخزرج من اليمن. وكانت، قبل الإسلام، فيها حياة مدينة لها شيء من الاستقرار، فيها زراعة، ولها تجارة، ولو انها كانت أقل من تجارة مكة. ولما هاجر النبي ص اليها 1 ه/622 م، اصبحت مدينة الإسلام وعاصمته أيام الرسول ص والخلفاء الراشدين حتى نهاية ايام عثمان بن عفان 35 ه/656 م. لما وصل النبي ص الى المدينة حاول زعماء الأحياء التي مر بها ان يستضيفوه. لكنه طلب منهم أن يتركوا الناقة وحدها. ولمّا وقفت اتخذ من المكان منطلقاً للعبادة، فبني هناك مسجد لاقامة الصلاة للمؤمنين. وأصبح مسجد رسول الله ص مع الوقت، نقطة تفرع شوارع المدينة التي أصبحت تصلها بالأحياء المختلفة. وكان من الطبيعي ان يوسع المسجد ويضاف اليه. وكان أول تغيير تم بعد سنتين من الهجرة تقريباً هو تغيير القبلة من بيت المقدس الى مكة، واقتضى هذا تغييراً في مكان المحراب. وكان المسجد بسيطاً وأول ما أضيف اليه المنبر. وكان المسجد مستطيلاً طوله 68 متراً وعرضه 57 متراً. ومع الوقت فصلت حوله أماكن مختلفة أهمها الحجرة الشريفة وبيوت أزواج الرسول ص، فكانت هذه أول تحديدات للمسجد وما حوله. وقد تمت توسعتان للمسجد الواحدة أيام عمر 17 ه والثانية في أيام عثمان، الذي قام بها بعد أن استشار أهل الرأي. وفي أيام الأمويين، في خلافة الوليد بن عبد الملك 86-96ه/705-715م، وسع المسجد بحيث أصبح طوله 100 متر وعرضه 84 متراً، ونظمت الأجزاء المحيطة به، اذ ضمت اليه حجرات زوجات الرسول ص وسواها من الأماكن. ويحدثنا التاريخ ان الوليد طلب من ملك الروم ان يبعث اليه ببنائين للمساعدة في العمل. وقد تم ذلك فعمل في البناء سوريون، كما كان ثمة صناع أقباط. وقد ارسل امبراطور بيزنطة اربعين ألف مثقال من الذهب وفسيفساء وسلاسل معدنية للقناديل! ومن أهم ما أضيف الى المسجد في ايام الوليد اربع مآذن، كما اضيف محراب في جدار القبلة. وكما اهتم المهدي بالمسجد الحرام فقد عني بالمسجد النبوي. ففي سنة 161ه/778م أُضيفت 55 ذراعاً لطول المسجد، وجُعل له عشرون باباً. وهذه كانت أكبر توسعة عباسية. الا ان خلفاء عباسيين آخرين عنوا بالمسجد فأضافوا الى البناء ووسعوا رقعته. في سنة 654ه/1257م شب حريق في المسجد أتى على أكثره. فاهتمّ الخليفة المعتصم بالأمر وبدأ حالاً القيام بالبناء. لكن احتلال المغول لبغداد في السنة التالية حال دون اتمام العمل. وتمّ العمل كاملاً على أيدي السلطانين المملوكيين الظاهر بيبرس وقلاوون. ثم عمل ابن قلاوون في الزخرفة. لكن صاعقة ضربت احدى المنارات 886ه/1481م. لكن البناء أعيد ايام السلطان قاتبياي، وأُدخل الرخام في بعض أجزائه وطُليت بعض أجزائه وجدار القبلة بالألوان الجميلة. وقام السلطان سليمان القانوني بتحسين كبير للمسجد النبوي 947ه/1540م، كما أنه بنى أقوى تحصين لأسوار المدينة وفيه ثلاثة أبواب. وكان أول سور بني سنة 263ه/876م. وظل العثمانيون يهتمون بالمسجد النبوي اصلاحاً وتوسيعاً قليلاً وزخرفة، وقد أصبح للمسجد في ايامهم ثلاثة محاريب. ايام السعوديين وجاءت أيام السعوديين. وكما فعل الملك عبدالعزيز بالمسجد الحرام فعل بالمسجد النبوي بدأ العمل سنة 1370ه/1951. فلما انتهى العمل كان أصبح للمسجد 232 عموداً مدوراً و474 قاعدة و689 قوساً. وأصبح طوله 128 متراً، وعرضه 91 متراً. واضيفت اليه مئذنتان ارتفاع الواحدة سبعون متراً. أما مساحة المسجد بأجمعه فقد أصبحت 327،16 متراً مربعاً. وكان الهدف الذي رمى اليه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز من هذه التوسعة الأخيرة تمكين الاعداد الكبيرة من الحجاج وزوار بيت الله من القيام بواجباتهم براحة ويسر. ومن هنا كان القصد الأول توسيع المسجدين الشريفين. يُضم الى ذلك ان يلقى القوم كل أسباب الراحة في قيامه بواجبهم، حجاً في المسجد الحرام وزيارة لمسجد النبي ص الشريف. ومن هنا كلف المخططون ان يتأكدوا من ان المصلين لا يصادم واحدهم الآخر ولا يعيق الواحد رفيقاً له. فضلاً عن ذلك فقد قُصد ان يُراعى، في النظر الى راحة القادمين، وأن يوفر لهم ماء الشرب المبرد والهواء المكيف. وهذه أمور بحد ذاتها تستحق نظراً ثاقباً ورأياً صائباً. لكن كان ثمة أمر آخر في غاية الأهمية. ان المسجدين الشريفين فيهما ابنية تمثل العمارة الإسلامية في عصورها الطويلة، وهي أبنية لا يمكن ان تُمَسّ. واذن فمن واجب المخطط ان يراعي هذا الأمر بغاية الدقة. اذ ان ذلك يتطلب ان يكون ثمة تساوق بين طرز المعمار القائم وما سيقام" وان يكون هناك تطابق في الزخرفة حجراً ولوناً وفسيفساء وقيشاناً وكتابة. وهنا بدأت الصعوبات التي تمّ التغلب عليها. فقد اقتضى الأمر أن تُدرس كل عناصر الأبنية القائمة دراسة دقيقة حتى يمكن ان يتم التناسب بين القائم والمزمع بناؤه. ومن هنا فإن القسمين الثاني والثالث في كل من الكتابين لم يكونا مجرد تخطيط وبناء وتركيب، بل انهما يحتويان على درس دقيق للعناصر البنائية القائمة - صحوناً وأعمدة وأروقة ومآذن وأبواباً وأقواساً وللبيئة المجاورة للنظر في الافادة منها في التوسعة المطلوبة. وكان من الضروري ان ينظر الى العمارتين القديمة والمستقبلية من حيث الصمود امام العناصر المختلفة التي قد تؤذي أياً منهما" فتقوى الأولى وتُخطّط الثانية حسب أصول الفن المعماري الحديث. فضلاً عن ذلك فإنه كان من المهم ان يُعنى بالطرق، وخاصة الدائرية منها، في مكةالمكرمة. وقد وضعت الخطط ورسمت الخرط الدقيقة لكل جزء من أجزاء العمل، واختير اقدر المهندسين وأمهر المخططين وأقوى المقاولين. والمهم انه لم يكن ثمة امساك أو تقتير في الانفاق، بل كان كل ما يُطلب يُعطى ما دام في سبيل اتمام المشروع على أفضل وجه. وحري بالذكر ان ماكنات أُحضرت للقيام بتكسير الحجارة، مثل الغرانيت وطحنها ليصنع منها حجر الغرانيت الصناعي وتلوينه بالألوان المناسبة، مع الاهتمام بأن لا يضاف اليه عناصر تساعد على التأكسد مثلاً. والآلات التي أقيمت هي الأكبر في العالم. واعتمد على الغرانيت والرخام والحجر السعودي اصلاً، لكن، عند الحاجة، استورد الرخام من ايطاليا واليونان، وخاصة الرخام الملون، وجيء بغرانيت ازول باهياً من البرازيل والفسيفساء والقيشاني من أماكن مختلفة. وقبل أن يُبدأ بالبناء صُنِعتْ نماذج صغيرة لكل مبنى كي يبدو للعيان مجسماً لما سيكون عليه في مكانه. ومن هنا فإن الكتابين ليسا وصفاً لما كان ولما صار اليه الأمر، بل هما دراسة دقيقة لما دخل في العمارة كلها من فن إسلامي تاريخيّ وحديث - لكن هذا متناسق مع ذاك مناسب له. وما انتهى اليه المشروع هو أن مساحة الصلاة في الحرم المكي هي، حالياً 800،365 متر مربع، يمكن ان تؤمن الصلاة ل000،820 مصل في الأحوال العادية، ولمليون منهم في أيام الحج. هذا مع وجود مخططات للتوسع يمكّن مليونين من اقامة الصلاة في أوقات الحج. أما المسجد النبوي الشريف فمساحة الأماكن المعدة للصلاة فيه تبلغ 500،400 متر مربع تؤمن فيها الصلاة لنحو مليون مصلٍّ. كان العمل في المسجد الحرام قد انتهى في نهاية سنة 1414 ه 1993م، أما بالنسبة للمسجد النبوي الشريف، الذي بدأ العمل فيه سنة 1406ه 1985م، فقد ارتفعت يد العمال عنه في نهاية سنة 1415ه 1994م. وكتاب الحرم المكي فيه 18 صورة معمارية اصلية و86 صورة اعدت خصيصاً له. اما كتاب المسجد النبوي الشريف ففيه 67 صورة معمارية أصلية بالألوان و123 صورة اعدت له خصيصاً. وجميع هذه مطبوعة طبعاً أنيقاً بالألوان. ويمكن القول اجمالاً بأن الكتابين مصدران مهمان للمهندسين المعماريين وطلاب تاريخ العمارة الإسلامية. ويبقى أن نقول بأن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز اشرف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة في المشروع منذ بدء التخطيط له حتى ترك آخر عامل اداته.