العالم العربي غني بالآثار عموماً والآثار الاسلامية بخاصة، كالمساجد التي يشد اليها الرحال والبنايات القديمة التي تعبر عن العظمة والشموخ والكمال ويسجل كل منها تاريخ مؤسسيه وفنون العمارة الدالة على العصر الذي بني فيه. ولعل كتاب "الآثار الإسلامية في الوطن العربي" للباحث المصري أحمد إسماعيل يحيى صدر حديثاً عن دار المعارف في القاهرة يحوي خلاصة جولة للمؤلف على اربع مدن اسلامية كبرى وهي مكةالمكرمة حيث الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، والمدينةالمنورة حيث المسجد النبوي الشريف ومسجد قباء ومسجد القبلتين ومزارات جبل أحمد، ومدينة القدس الشريفة حيث المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجد عمر، ومدينة القاهرة حيث الجامع الأزهر والمشهد الحسيني ومساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الشافعي. وفي مطلع الكتاب يشير المؤلف الى اهتمام المسلمين باقامة المساجد عبر العصور وان المساجد بقيت على الدوام أهم المنشآت التي حظيت بالعناية والرعاية والتقدير الكبير. والاهتمام بدور المسجد عودة صحيحة للمنطلق الاسلامي الاول فالمسجد هو المؤسسة التي انطلق منها المد الاسلامي ليعم الدنيا كلها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً حيث كان المسجد هو الجامعة وهو البرلمان وهو المنتدى الاسلامي الكبير وهو المحكمة التي أصدرت أعدل الاحكام. ويتحدث المؤلف عن العمارة الاسلامية وعلاقتها بغيرها من مصادر الفنون والعمارة، وبخاصة الفنون المسيحية الشرقية والفنون الساسانية في إيران والعراق والفن القبطي في مصر. ويؤكد ان سورية كانت مركز الفنون المسيحية في الشرق وكانت بلاد الشام عامرة بالمباني التي ترجع الى هذا الطراز فنقل عنها المسلمون بعض اساليب العمارة والزخرفة. وبدأت فكرة تشييد المساجد الباذخة في العصر الأموي عندما انتقلت عاصمة الدولة الاسلامية من المدينةالمنورة والكوفة الى دمشق، وبدأ الأمويون يفكرون في تشييد هذه المساجد لتنافس في عظمتها أفخم كنائس المسيحيين، وبدأ الطراز الأموي في الفن الاسلامي، الذي يبدو جلياً في مسجد قبة الصخرة في بيت المقدس والمسجد الأموي في دمشق ومسجد قرطبة في الاندلس. وبعد الامويين ظهر الطراز العباسي في العمارة ثم الطراز الفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني ولكل منها صفاته وخصائصه المعمارية والفنية. ويبدأ المؤلف جولته بمكةالمكرمة حيث يتحدث عن الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، فالكعبة تقع في وسط المسجد الحرام وهي قبلة المسلمين في مشارف الارض ومغاربها ويبلغ ارتفاعها خمسة عشر متراً وهي على شكل حجرة كبيرة مربعة البناء على وجه التقريب. والملائكة هم أول من بنى الكعبة ثم آدم ثم شيث ولد آدم ثم ابراهيم وولده اسماعيل عليهما السلام ثم العمالقة ثم الجراهمة ثم قصي بن كلاب ثم قريش وهو البناء الذي شارك فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عبدالله بن الزبير ثم الحجاج بن يوسف الثقفي في العصر الاموي. ويقف المؤلف عند بعض معالم الكعبة المشرفة ومنها باب الكعبة وحجر اسماعيل وكسوة الكعبة والحجر الاسود ومقام ابراهيم وكلها معالم شهدت تطوراً فنياً ومعمارياً عبر العصور. توسعة الحرم المكي واما المسجد الحرام فقد شهد تطوراً معمارياً عبر العصور آخره التوسعات والتجديدات العظيمة التي لم يشهدها اثر ديني آخر عبر التاريخ والتي شهدها الحرم في العقدين الأخيرين ممثلة في مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما وهذه التوسعات استهدفت رفع الطاقة الاستيعابية للحرم المكي الى اقصى حد ممكن اذ تبلغ مساحة التوسعة نحو 76 ألف متر مربع لتصبح مساحة الحرم بعد التوسعة 328 ألف متر مربع ما يجعله يتسع لمليون مصلٍ تقريباً في فترات الذروة كالحج والعمرة. ويدخل في اطار هذه التوسعة انشاء اربعة جسور للمسعى وتجديد 54 باباً وزيادة عدد المآذن الى تسع مآذن بعد أن كانت اربعاً فقط، وانشاء جسرين اضافيين بعد ذلك للجسور الاربعة للمسعى، وانشاء دار لتبريد ماء زمزم وتكييف هواء الطابق الارضي وكسوة الارضيات كلها برخام عازل للحرارة. وفي باب من ابواب كتابه يستعرض المؤلف مساجد المدينةالمنورة وعلى رأسها المسجد النبوي الشريف ومسجد قباء ومسجد القبلتين فيشير الى ان مسجد قباء الذي يعتبر اول مسجد في الاسلام وقد سبق في بنائه مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويقع جنوب غربي المدينة، قد شهد في العقدين الاخيرين الكثير من التجديدات والتوسعات. اما المسجد النبوي الشرف فيقع في وسط المدينة وكان له في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة ابواب لا تزال تعرف بأسمائها حتى اليوم وهو باب جبريل وباب النساء وباب الرحمة، ولم تكن له مئذنة وانما استُحدثت المآذن فيما بعد. وقد عني الخلفاء الراشدون والامراء المسلمون والسلاطين والمماليك بعمارته وتوسعته فتعاقب على عمارته الخليفة عمر بن الخطاب والخليفة عثمان بن عفان ثم الوليد بن عبد الملك، والمهدي العباسي وسلطان المماليك في مصر الاشرف قايتباي ثم السلطان العثماني عبدالمجيد خان. وفي العهد السعودي تمت له عمارتان كبيرتان الاولى في عهد الملك عبدالعزيز بن سعود عام 1370 ه واستمرت خمسة اعوام والثانية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والتي تمت اخيراً وهي توسعة عظيمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسجد النبوي. وقد اصبح المسجد بعدها يضم مساحة المدينة كلها في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث بلغت مساحته 98500 متر مربع فضلاً عن 23500 متر مربع عبارة عن المساحات المحيطة بالمسجد. وشملت التوسعة اضافة ست مآذن ليصبح عدد المآذن عشر مآذن وانشاء 16 مدخلاً جديداً واضافة 65 باباً لتصبح ابواب المسجد 81 باباً وكذا انشاء 18 سلما تؤدي الى سطح المسجد مع تركيب 36 سقفاً متحركا وخمسة سلالم كهربائية وتأمين خدمات التهوية والانارة والسقيا وكسوة الارضيات بالرخام العازل للحرارة. مدينة القدس وينتقل المؤلف الى مدينة القدس ليستعرض ما بها من آثار اسلامية على رأسها المسجد الاقصى المبارك ومسجد عمر وقبة الصخرة المشرفة، فيشير الى عروبة القدس حيث يشهد التاريخ قبل اكثر من خمسة آلاف عام من ميلاد المسيح عليه السلام ان هجرات عربية عديدة انطلقت من جنوب الجزيرة العربية ووسطها الى هذا المكان من فلسطين. وفي العهد الاسلامي فتحت القدس في عهد عمر بن الخطاب الذي كتب عهد الامان لسكانها من المسيحيين واصحاب الديانات الاخرى والذي عرف ب"العهدة العمرية" ويقف المؤلف عند مسجد عمر او مسجد الصخرة الذي أمر عمر ببنائه فوق الصخرة المشرفة، وقد اندثر هذا المسجد فقام عبدالملك بن مروان ببناء مسجد الصخرة وقبته الشهيرة. وأما المسجد الاقصى فهو أقدم المساجد في الارض بعد المسجد الحرام حيث بني بعده بأربعين سنة وهو اولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقع على بعد 500 متر من مسجد الصخرة وقد طرأ عليه عبر العصور تغييرات كثيرة نتيجة للمؤثرات الطبيعية والزمنية فقد حدث زلزال في العصر الاموي تسبب في سقوط شرقي المسجد وغربه فقام عن الملك بن مروان ببنائه، وفي العصر العباسي قام ابو جعفر المنصور بإعماره وكذا الخليفة المهدي، وفي العصر الفاطمي حدث خراب للمسجد نتيجة زلزال معمرة الخليفة الفاطمي "الظاهر لاعزاز دين الله" مبقياً على تخطيطه العباسي. وعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 492 ه استعملوا المسجد الاقصى لأغراضم فاتخذوا جانباً منه سكنا لفرسان الهيكل والجانب الآخر مستودعاً وغيروا كثيرا من معالمه واتخذوا جزءاً منه مخازن للاسلحة. وبعد ان استرد صلاح الدين بيت المقدس سنة 583 ه امر باصلاح المسجد الاقصى فأُعيد بناؤه الى حاله الصحيح، ثم توالت بعد ذلك اعمال التعمير والاصلاح بالمسجد الاقصى في عهد المماليك والعثمانيين حتى سقط في يد اليهود عام 1967 م فتعرض لانتهاك حرماته وقدسته وجرت محاولات إحراقه ونسفه بالمتفجرات وكذا محاولات هدمه عن طريق الحفريات التي ما زالت موجودة حتى اليوم. مساجد القاهرة وفي الباب الاخير من ابواب الكتاب يتجول المؤلف بين مساجد القاهرة التاريخية ومنها مسجد الإمام الحسين ومسجد السيدة زينب ومسجد السيدة نفيسة وقبة ومسجد الإمام الشافعي والجامع الأزهر فيقدم نبذة تاريخية عن نشأة كل مسجد وما تعرض له منعمارة و ترميم عبر العصور المختلفة. ويقف في نهاية الكتاب وقفة مطولة مع الجامع الازهر باعتباره من اقدم وأروع مساجد القاهرة ولدوره العلمي والسياسي عبر التاريخ فهو اول اثر فاطمي في مصر وأنشأه جوهر الصقلي ليكون مسجداً جامعياً للقاهرة الفاطمية وليقوم مقام الجامع الطولوني في القطائع وجامع عمرو بن العاص في الفسطاط، وليكون منبراً لتدريس المذهب الشيعي ولكن صلاح الدين عطله وحوله الى المذهب السني وعني المماليك بترميمه حتى صار اشهر جامع في البلاد الاسلامية واصبح معهداً اسلامياً يقصده طلاب العلم من جميع الاقطار الاسلامية وغير الاسلامية لدراسة المذاهب الفقهية واللغة العربية واصول الدين وكل فروع العلوم الاسلامية. وقد اضيف الى الازهر زيادات في عهود مختلفة حتى وصل الى ما هو عليه الآن بما فيه من أروقة ومآذن