مايكروسوفت التي وحّدت اميركا وعدالتها واعلامها ضدها ليست سوى المثال الذي يُحتذى حين نعتمد المنطق الاميركي في التجارة وادارة الاعمال. الشركة التي تنمو وهي تبتلع منافساتها الاقل حظاً او قوة، هي عالم مسلسل دالاس الذي روّجته الولاياتالمتحدة منذ بداية الثمانينات، فاستيقاظ العدالة الاميركية، ومن ورائها الدولة التي تذكرت انه ما يزال لها دور في اصلاح الخلل الذي يطرأ على الحياة الاقتصادية، يبدو اليوم كزوبعة في فنجان. فعلى رغم الحملة العالمية ضد مايكروسوفت والعداء لشخص بيل غايتس الذي غدا في عالم انترنت الرجل الذي يجمع حوله كمية هائلة من الكراهية ، ورغم تهديدات الحكومة الاميركية ورفض اكثر من عشرين نائب عام ولاية، تأجلت محاكمة مايكروسوفت التي كانت مقررة لهذا الشهر الى الثامن من ايلول سبتمبر القادم، متيحة بذلك للشركة تسويق انتاجها الجديد "ويندوز 98" الذي كان السبب في شنّ الحرب الاعلامية/ القضائية ضدها. اما الشركة التي انطلقت في ربيع 1975، نجحت في عقدين في ان تصبح المسيطر الاول على سوق المعلوماتية في العالم: سنة 1986 دخلت الى بورصة نيويورك. سنة 1995 انتجت "ويندوز 1995". وفي مطلع 1996، افصح غايتس عن رغبته في السيطرة على انترنت. اليوم مايكروسوفت يعمل فيها خمسة وعشرون الف موظف ولها وجود في سبعة وخمسين بلداً. كذلك وكما سيطر روكفلر على 90 في المئة من الانتاج البترولي الاميركي، فان شركة غيتس تسيطر على 90 في المئة من برامج المعلوماتية في… العالم! وهي تعدّ اليوم بين الشركات الاميركية الخمس التي تحصد ارفع نسبة من الارباح: حوالى 30 في المئة هذه السنة وحدها. وتكهنت مايكروسوفت من شراء عدد لا نهاية له من برامج انترنت: ثلاثمئة وخمسة وتسعون مليون دولار لشراء "هوتمتيل". مئة وخمسون مليون دولار كاستثمار داخل شركة "ابل" عبر اتفاق جديد. بليون دولار كاستثمار في شركة الكايبل "كوماكست". اربعمئة وخمسة وعشرون مليون دولار لشراء "ويب تي في"... والقائمة لا تُعدّ او تحصى. وبشكل متواز مع هذا الشره شرع القضاء الاميركي بملاحقاته لمايكروسوفت كحفظ لماء وجه الدولة التي تسيطر على العالم ولكنها تبقى عاجزة عن ردع احدى مؤسساتها التجارية. سنة 1995، اجبرت العدالة الاميركية مايكروسوفت على السماح لصانعي الكومبيوتر باستخدام برامج اخرى غير "ويندوز". سنة 1997، اقامت وزارة العدل دعوى جديدة ضد غايتس لخرقه الاتفاق السابق. نهاية 1997، تراجعت مايكروسوفت امام تشدد العدالة الاميركية، وفي بداية هذا الشهر نجح غايتس في ان ينتزع من العدالة الاميركية قراراً بأن الاجراءات القضائية المطبّقة على ويندوز، لا تعني ويندوز 98! هذا ما حمل القضاء على فتح كامل الملف متهماً غايتس بخنق منافسيه، وضرب الاسعار عبر تخفيض سعر نتاجه او حتى تقديم بعضها مجاناً، وتشكيل خطر على الشركات الصانعة للكومبيوتر، واخيراً تشكيل امبراطورية مالية لا مثيل لها بمجموع مبيعات يقدر بأحد عشر ونصف بليون دولار. فاستراتيجية مايكروسوفت في التخلص من منافسيها لا مثيل لها: غايتس يستخدم احدى شركاته المختصة ببرامج انترنت لمراقبة المؤسسات الاجنبية التي "تقرصن" برامج الشركات الكبرى ومن ثم لجرّها الى المحاكم. وهذا الاسلوب هو للضغط على هذه الشركات كي تستخدم فقط نتاج مايكروسوفت مقابل رفع الدعوى عنها، هو ما جرى على سبيل المثال لشركة الهاتف في الاورغواي. طريقة اخرى في ضرب المنافسين هي الاعلان عن نتاج جديد قيد التحضير او ربما وهي، وذلك عندما تنزل احدى الشركات برنامجاً جديداً. هذا ما يجعل المستهلك يتروى وينتظر عوض التهافت على شراء السلعة الجديدة ، حتى ان الحل اضحى للعديد من الشركات ان يشتريها غايتس بدلاً من ان يحاربها، اذ لم يعد لأية شركة مستقلة اي حظ في البقاء في عالم مايكروسوفت الوحشي. بيد ان حملة العداء ضد شخص بيل غايتس تذكر في شراستها بموجة الكراهية التي تعرض لها اسحق رابين من قبل المجموعات اليهودية المتطرفة قبل مصرعه. الا انه من غير المحتمل ان تؤدي هذه الحملة الى النتيجة ذاتها. فالحرب ضد غايتس ليست عبر خطب وملصقات. انها في عالم افتراضي، عالم انترنت حيث عشرات المراكز ولدت لتشتم بيل وتذم منتوجاته. جنود المعلوماتية القادمون من الشركات المنافسة: لوتس، نيتسكاب، صن… لم يجدوا كردّ على استراتيجية مايكروسوفت الغازية سوى الشتائم: مراكز ك "مايكروسوفت تُذعر" او "قاطعوا مايكروسوفت" تلاقي رواجاً عالمياً في جنوب شرقي آسيا الذي لم يتعود ان يرى منافسة شرسة كهذه. حتى دول اميركا الجنوبية تشهد "اللعبة" التي هي الدخول عبر البريد الالكتروني على كومبيوتر ملايين المشتركين على شبكة انترنت بما يرينا اثنتي عشرة صورة لبيل غايتس معروضة لكي تطلق رصاصك "الافتراضي" عليها في غضون ثلاثين ثانية. هذه اللعبة غدت الوسيلة الجديدة لرجال الاعمال والموظفين وحتى للعاطلين عن العمل لكي يتخلصوا من عدوانيتهم الباطنية التي جمعوها خلال اليوم، وذلك عبر اغتيال اكبر عدد ممكن من… بيل غايتس. ما هو رقمك القياسي اليوم؟ مئة وعشرون غايتس في نصف دقيقة؟ هل تشعر بالسعادة بعد ذلك؟ لم تقتل سوى ثمانين؟ لا تذهب الى غايتس الاطراف، ركز على صور غايتس في وسط شاشتك. انه حديث لاعبي انترنت الجديد. انه اغتيال للفينيق الذي كلما انزلت صورته عادت بابتسامة الغرور المعتادة. والقتل في عالم الافتراض لا عقاب له، حتى الآن على الاقل. هل ان بيل غايتس فعلاً موجود في عالم آخر؟ اقرأ هذه المقالة على الويب…