لماذا اختارت مايكروسوفت يا ترى درب المواجهة مع القضاء الاميركي وهي تعرف ان هذا القضاء كان وراء تحطيم احتكارات اهم منها بكثير وستتابع المحاكم هذه المهمة بغض النظر عن المضاعفات المؤقتة التي يمكن ان تنجم عنها؟ هذا سؤال محير تزيده حيرة رغبة دفاع مايكروسوفت، في القضية التي ينظرها قاض اميركي معروف بتصديه وجرأته هو توماس بينفيلد جاكسون، في اثارة هذا القاضي كما حدث الاربعاء الماضي وكأن مايكروسوفت تعرف اشياء لا يعرفها احد غيرها او انها قررت سلوك درب المواجهة املاً في ان يشفع لها في النهاية المركز المهم الذي تحتله كأكبر مهيمن على انظمة التشغيل التي تدير معظم الكومبيوترات الشخصية وقسم لا بأس به من الكومبيوترات الاقوى اضافة الى سيطرتها على حصة كبيرة جداً من بعض التطبيقات الاساسية التي يتعامل معها مستخدمو الكومبيوترات المتوافقة مع تلك التي طورتها "آي.بي.ام". إن طبيعة النظام الرأسمالي ليست ضد بناء الاحتكارات كما حدث بالنسبة لبعض الشركات النفطية واخرى ناشطة في قطاع الاتصالات او البث التلفزيوني، الا ان هذا النظام في النهاية نظام انتخابي يلعب فيه المنتخبون دوراً حاسماً في تقرير الحكومة التي يريدونها كل اربع سنوات خمس في بريطانيا لذلك لا تستطيع الحكومة أي حكومة تجاهل الرأي العام من جهة ولا تجاهل السلبيات التي يمكن ان يفرزها احتكار بعينه على حركة السوق ونموها الطبيعي لذا يجد المراقب ان هذه الانظمة لا تسمح للاحتكارات ان تمارس الاحتكار: لم تسمح به في الماضي ولن تسمح به في المستقبل مهما كانت المكانة التي يتبوأها الاحتكار. اسباب وهناك اسباب عدة لهذا الموقف منها ان الاحتكار يقف في وجه انفتاح الاسواق وحرية التعامل، وربما لعبت نشوة العظمة في رأس اصحاب الاحتكارات فاستغلوا نفوذهم لتوجيه الاسواق وخنق المنافسة وشراء اللاعبين الصغار وتدمير من لا يريد ان يبيع نفسه، ولا يهم هنا ان يحدث هذا علناً او في الخفاء لأن النتيجة واحدة. ولا ينطبق كل هذا على مايكروسوفت فهي لم تتبوأ مكانها الراهن كأكبر مطور لانظمة التشغيل الخاصة بالكومبيوترات الشخصية معظمها على الاقل باعتلاء الفراغ، وربما قال البعض خصوصاً رفاق ماكنتوش ان نظام تشغيل ويندوز ليس نظاماً عظيماً وان تطبيقات هذه الشركة ليس افضل ما يمكن ان يشتريه مستخدم الكومبيوتر الا ان هذه الشركة تسيطر على انظمة تشغيل 85 في المئة من الكومبيوترات أو نحو ذلك ولم تنجح لا ديجيتال ريستريش ولا "آي.بي.ام" في كسر هذا الاحتكار فزالت الشركة الاولى وتعتمد الثانية نظام ويندوز مثلها مثل غيرها من صغار اللاعبين في سوق تقنية المعلومات. اذاً تسيطر مايكروسوفت على انظمة التشغيل دوس وويندوز 95 وما بعده وويندوز ان تي واضافات ومتممات كثيرة على كل هذه الانظمة وتسيطر ايضاً على مجموعة مهمة من التطبيقات وورد واكسيل واكسيس وغيره، ثم مثلها على مجموعة كبيرة من البرامج المنزلية والخفيفة العاب وموسوعات الكترونية الخ، وتحصد ارباحاً معتبرة جداً وصاحبها بيل غيتس صار اغنى اغنياء العالم لتملكه جزءاً من اسهم هذه الشركة. وبعد كل هذا لماذا تريد مايكروسوفت ان تمد سيطرتها لتشمل برمجيات تصفح شبكة انترنت مع انها تقدم برنامجها انترنت اكسبلورر مجاناً، اي انها تنفق على هذا البرنامج من ارباح بيع انظمة التشغيل والبرامج الاخرى، وربما اضطرت الى تقديمه مجاناً سنوات اخرى قبل ان تبدأ في تقاضي سعر محدود له؟ لكن هذه النظرة الاخيرة لا تأخذ اعتبارات اخرى فصحيح ان مايكروسوفت تقدم البرنامج مجاناً الا ان مستخدم الكومبيوتر الشخصي يدفع نفقات تطويره وتسويقه في صورة او اخرى لأنه يدفع اصلاً ثمن نظام التشغيل والتطبيقات الاخرى التي يشتريها صانعو الكومبيوترات الشخصية ويضيفون الى سعر الكومبيوترات ما يدفعونه الى مايكروسوفت. اضطرار وربما اضطرت مايكروسوفت الى استمرار تقديم هذا البرنامج "مجاناً" الى اجل غير مسمى الا ان هذه الشركة ليست غبية وهي تعرف ان اليوم سيأتي عندما ستتمكن من تقاضي السعر الذي يستطيع المستخدم العادي دفعه لأنه لن يجد طريقاً آخر للحصول على برنامج التصفح مثلما لا يجد الآن طريقاً آخر للحصول على نظام تشغيل غير الذي تقدمه مايكروسوفت. ومع من تخوض مايكروسوفت الجبارة معركة السيطرة على برامج تصفح انترنت؟ مع شركة صغيرة اسمها نتسكيب كوميونيكيشنز انتبهت الى اهمية انترنت في الوقت الذي اعتبرت مايكروسوفت الشبكة الدولية طريقاً جانبياً في العمل الكومبيوتري فلم تطور مستعرضها الخاص الا في وقت متأخر وبعدما اعتاد ملايين مستخدمي الكومبيوتر على برنامج نافيغيتر الذي وضعته نتسكيب. وارتفع سعر اسهم هذه الشركة كثيراً منذ طرحها في البورصة قبل عامين الا ان السعر تدهور كثيراً الاسبوع الماضي عندما كشفت ان توغل برنامج منافستها مايكروسوفت في سوق برامج تصفح انترنت قلص مبيعاتها وان حساباتها الاولية يمكن ان تكشف خسائر بين 85-89 مليون دولار في فصلها المالي الاخير. ومعظم المخصصات نتجت بسبب تغطية عمليات اقتناء وتوسعات واعادة هيكلة الا ان الخسائر الصافية يمكن ان تصل الى ما بين 14 و18 مليون دولار. وهناك تساؤلات بخصوص الطرق التي اتبعتها مايكروسوفت لنشر برنامجها اكسبلورر فهي توزعه من موقعها في انترنت وعن طريق ملايين اقراص الليزر التي تقدمها لقراء المجلات الكومبيوترية المتخصصة وغيرها او تشحنها مباشرة لمستخدمي الكومبيوترات الشخصية او تسهل عملية تحميل ذلك البرنامج من مواقع في انترنت غير المواقع التي تديرها هي نفسها بموجب اتفاقات وتحالفات خاصة. اضافة الى ذلك واثارت الطرق التي اتبعتها مايكروسوفت تذمراً من كل منافسيها كما هي عادة المنافسين الا ان تدخل هيئة رسمية مثل وزارة العدل الاميركية في الموضوع جاء عندما اعدّت مايكروسوفت نسخة من نظام تشغيل ويندوز95 مزجت فيه عناصر برنامج التصفح بالنظام وبالتطبيقات الخاصة بها التي تعمل مع النظام. وكما اسلفنا في صفحات اخرى من "الحياة" ادعت الوزارة ان مايكروسوفت خرقت اتفاقاً تعهدته في اثر تحقيق مطول جرى عام 1995 وطلبت من المحكمة الفيديرالية ان تفرض على مايكروسوفت غرامة مقدارها مليون دولار يومياً الى ان تعمل على توفير نسخة من نظام تشغيل ويندوز95 لا تحتوي على برنامج اكسبلورر. واصدر القاضي جاكسون في 11 كانون الاول ديسمبر الماضي حكماً اولياً قضى ان تعمل مايكروسوفت على وقف توزيع نظام التشغيل المحتوي على انترنت اكسبلورر الا ان مايكروسوفت قالت بعدها انها اذعنت للقرار بتقديم نسخة اقدم من نظام التشغيل ونسخة اخرى لا تعمل! تصوروا! والسبب، حسب مايكروسوفت، انه من غير الممكن فصل اكسبلورر عن النظام، أي انها تقول: إما ان تقبلوا نظام تشغيل ويندوز95 مع اكسبلورر او ان ترفضوا اكسبلورر مع النظام، وهي قدمت خبيراً اكد للقاضي ان اكسبلورر جزء لا يتجزأ من النظام فيما عرض خبير آخر من طرف وزارة العدل طريقة سهلة لفصل اكسبلورر عن نظام التشغيل، او على الاقل لتفادي اصطدام اقدام المستخدمين به وهم يتعاملون مع التطبيقات المهمة في الكومبيوتر او حتى مع سطح المكتب. وجرت الاربعاء الماضي ملاسنات حادة بين القاضي من جهة وبين محامي مايكروسوفت ريتشارد ارووسكي، كما رفض القاضي طلباً تقدمت به مايكروسوفت لاستبعاد خبير قانوني عينه القاضي للبحث في الجوانب التقنية المتعلقة بالدعوى ووصف بعض اشارات مايكروسوفت الى الخبير بأنها "تشهير" ولم تتقدم بها الشركة "بنية طيبة" بعدما ادعت ان الخبير "منحاز" ودللت على ذلك بمراسلات الكترونية بينه وبين شركة نتسكيب منافسة مايكروسوفت في برمجيات تصفح انترنت. مواجهة وجاءت هذه المواجهة التي استمرت يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين نتيجة استئناف مايكروسوفت الحكم الاولي الذي اصدره القاضي على اعتبار ان ما قرره جاء تخطياً لصلاحيته علماً ان محللين كانوا توقعوا آنذاك ان تنصاع مايكروسوفت للحكم وتطوي هذه الصفحة الجديدة من التحقيقات التي ستستمر الى جلسات قادمة. وتريد وزارة العدل ان تقضي المحكمة بأن مايكروسوفت اهانت المحكمة لأنها وفرت بعد قرار القاضي في 11 كانون الاول نسخة لا قيمة تجارية لها من نظام تشغيل ويندوز95 خصوصاً ان القاضي امر الشركة بالامتناع عن اجبار صانعي الكومبيوترات على تثبيت اكسبلورر في الكومبيوتر كشرط للحصول على ترخيص باستخدام ويندوز95. ولم يتخذ القاضي قراراً بتغريم مايكروسوفت مبلغ المليون دولار يومياً في هذه القضية التي بدأت في تشرين الاول اكتوبر الماضي وطلب من الادعاء اي وزارة العدل الدفاع العودة الى المحكمة لاختتام المناقشات في 22 الجاري. ولا يعرف احد الآن الى اين ستنتهي هذه القضية اذ يبدو ان مايكروسوفت تريد التصعيد ويبدو ان القاضي جاكسون مستعد لمثل هذا التصعيد، ولكن فيما تستمر هذه المداولات علناً لا يمكن لبعض من يتابعونها على الاقل ان يشعر ان مايكروسوفت ليست على حق. سيطرة وربما كانت مايكروسوفت ستنتظر سنتين او ثلاث قبل ان تسيطر على سوق برمجيات تصفح انترنت كما سبق وسيطرت على انظمة التشغيل ثم على جزء مهم من التطبيقات خصوصاً وورد واكسيل الا انها، بالمواجهة الحالية على الاقل، تؤلب الكثيرين عليها وتذكر مستخدمي الكومبيوتر بالدور الذي لعبته "آي.بي.ام" في الماضي. الا ان هناك مشكلة اخرى تتعلق باصرار مايكروسوفت على ان "تقدم" لمستخدمي الكومبيوترات الشخصية "حزمة" شاملة تغنيهم عن اللجوء الى برامج الشركات الاخرى ذلك ان عصر انترنت يمكن ان يتحول الى فرصة لم يعرفها العالم من قبل لازالة الحدود ليس في التفاهم والاتصالات انما ايضاً في التجارة الالكترونية. وبامكان مستخدم الكومبيوتر اللجوء الى انترنت لارسال الرسائل الالكترونية واستلامها وشراء بضائع وخدمات كثيرة وها هي مئات البنوك ودور الوساطة تلجأ ايضاً الى انترنت لاجراء عمليات معقدة. وباختصار تعمل انترنت على كسر احتكارات كثيرة وتجبر الشركات على تحسين خدماتها لذا لا يعقل اليوم ان تجري كل هذه العمليات من خلال "حزمة" فيها رائحة قوية جداً من الاحتكار. وبرنامج نتسكيب نافيغيتر ليس افضل من برنامج انترنت اكسبلورر وربما طرحت شركة مجهولة اليوم برنامجاً افضل من الاثنين، وممارسات مطورة نافيغيتر ربما كانت ستكون مثل ممارسات مايكروسوفت لو كانت بقوتها، الا ان العالم تغير اليوم وربما كانت مايكروسوفت بحاجة الى من يذكرها بذلك.