تتعارض المظاهر التي تشهدها، في هذه الايام، العاصمة الاريترية اسمرا، تعارضاً كاملاً مع المناخ السياسي السائد مع الجارة اثيوبيا. وفي حين تعيش اديس ابابا على أخبار احتمال النزاع المسلح، تكثر في اسمرا وعلى نحو مبالغ فيه اضواء الزينة واللافتات والاعلام الرسمية والحزبية. وفي تطور يعكس هذا التناقض نقلت وكالة "فرانس برس" امس عن وكيل احدى الشركات الاجنبية في اديس ابابا ان السلطات الاريترية اغلقت صباح الجمعة مرفأ عصب على البحر الاحمر. وقال المصدر ان احداً لا يستطيع دخول المرفأ من الجانب الاريتري او الخروج منه. يذكر ان 75 في المئة من تجارة الترانزيت الاثيوبية تمرّ عبر عصب. وقد قررت اديس ابابا ان تحوّل نقل هذه البضائع الى جيبوتي بسبب نزاعها الحدودي مع اسمرا. وابتداء من الساعات الاولى لليل يتوافد الاريتريون الى شارع الحرية وسط العاصمة ليبدأوا الرقص طرباً على انغام الموسيقى والاغاني المتعددة اللهجات المحلية، احتفالاً بذكرى الاستقلال عن اثيوبيا. الشيء الوحيد الذي يمكن ان يقطع الصورة الراهنة ما يعلنه التلفزيون المحلي عن لقاء مع الرئيس اسياس أفورقي، فيهرع الجميع ليتسمروا بإنصات شديد، بل مبالغ فيه امام شاشات التلفزيون. ولم يحصل هذا الامر سوى مرتين منذ اندلاع الازمة مع اثيوبيا قبل نحو اسبوعين. وغير ذلك لا أثر للازمة حتى في وسائل الاعلام. فالصحيفة المحلية الرسمية التي تصدر ثلاث مرات في الاسبوع لا تشير الى شيء سوى نشر البيانات الرسمية القليلة او اعادة نشر مقابلات تجرى مع افورقي. وعلى نهج الصحيفة تحذو الاذاعة التي تبث بأكثر من خمس لغات محلية في اليوم، وكذلك القناة التلفزيونية التي تشغل برامجها بنقل الاحتفالات بعيد الاستقلال. والاريتريون عموماً يبدون ثقة مطلقة في حكومتهم وتزداد مؤشرات هذه الثقة عندما يتعلق الامر برئيسهم. وثمة رأي سائد بأن أفورقي رجل شديد الصراحة ولهذا فهو لا يخفي عليهم شيئاً، وهذا يعني ترك الامور للحكومة لمعالجة الازمة. وعلى رغم تحذيرات تُسمع هنا وهناك، وبينها عبارة "الدرق قادمون مرة اخرى" في اشارة الى النظام السابق في اديس ابابا، لا وجود لأي مظهر غير عادي في اسمرا. فالحياة تسير بصورة طبيعية، بالهدوء المعهود لدى الاريتريين، ومن دون اي علامة من علامات القلق او الدهشة. لكن بعض المراقبين يؤكد ان هذا الهدوء يتناقض كلياً مع ما يجري على الجبهات. وثمة اخبار تؤكد ان اريتريا دفعت بأعداد كبيرة من جنودها المزودين اسلحة ثقيلة وخفيفة الى هذه الجبهات، ولكن في صمت شديد، كما قامت قواتها بتحصينات منيعة لهذه المناطق. والمعروف ان اريتريا بلغ تعداد جيشها غداة التحرير نحو مئة الف جندي، عملت بعد الاستقلال الى تسريح نحو 40 في المئة منهم لكنها اعتمدت الخدمة الالزامية التي تخرّج منها حتى الآن نحو 120 ألفاً.