ليس من طريقة أفضل لفهم تضارب المصالح وصراعات تحديد الهوية التي تمزق هذا البلد المثير للاهتمام من رؤية مصائر نُصُبها واضرحتها الرئيسية. ففي انقرة، المدينة في الأناضول التي جعلها أتاتورك عاصمة له بدل اسطنبول في 1923، كان ضريحه الى عهد قريب المَعلَم المسيطر على المشهد. انه مبنى على الطراز الكلاسيكي الحديث، مفتقر الى أي رمز ديني او شرق أوسطي، يدخله الزائر من ممر مليء بالتماثيل البطولية التي ترمز الى التحرر الوطني وتحرير المرأة. الى هذا المكان يأتي كبار الزوار الأجانب لتقديم فروض الاحترام. عندما زرت المكان رأيت اكليل زهر وضعه وفد من "العصبة الديموقراطية التركية في كوسوفو". على الدرج الذي يقود الى القاعة الرئيسية هناك شعار "حاكميت ميلليتندير" سيادة الشعب، الذي يعكس، من جهة، شعارات الثورة الفرنسية، ومن الثانية الرفض الضمني للخلافة وسلطة رجال الدين. انه نصب تذكاري لتركة أتاتورك، يقوم على قبر هذا الفرد الذي لا يزال يجسد، الى درجة لا مثيل لها في العالم الحديث، ايديولوجية الدولة، حيث ترى في كل مكان تماثيله واللوحات والميداليات وبطاقات البريد التي تحمل صوره، كما تعرض المتاحف ملابسه وعلب سجائره ونصوص خطبه، خصوصا "خطبة الستة أيام" الشهيرة، وأيضا هناك وهناك، تصاوير فوتوغرافية عجائبية لتشكيلات من الغيوم أو الظلال التي تشبه وجهه. انه "المرشد" و"القائد الخالد" و"الغازي المخلّص"، الذي تحرص الدولة على تقديس ذكراه التي تقدسها النساء، خصوصا المتعلمات منهن، واللواتي يبدين القلق من التقدم الذي يحرزه الاسلاميون. ومن صفاته التي يحترمها الكثيرون حزمه عندما قرر التخلص من الماضي الديني وكذلك الامبراطوري. قال لي واحد من المثقفين: "لو كان حيا لحصلنا منذ زمن طويل على قطار مترو في اسطنبول"، فيما قال آخر متحدثا عن الفئات السياسية: "لماذا لا يتصرفون كراشدين ويتخذون قراراتهم بانفسهم". لكن المظاهر احيانا تخفي اشياء اخرى. فهناك أيضا اولئك الذين يجعلون من المبالغة في التقديس ستارا لمعارضتهم. تحدي تركة أتاتورك التحدي لتركة اتاتورك يختمر منذ زمن طويل، ويأتي من اتجاهات عدة. من بينها الاتجاه الاسلامي، ورمزه الرئيس الجامع الذي بنته بلدية أنقرة وسط المدينة، بأنواره الباهرة ليلا، ليواجه ضريح مؤسس تركيا الحديثة. الا ان هذا الجامع، على الأقل من منظور الزائر الغربي، رمز لا يخلو من الغرابة، فهناك تحته موقف كبير للسيارات وعدد من محلات السوبر ماركت. اضافة الى ذلك يطمح الاسلاميون المسيطرون على بلدية اسطنبول الى بناء جامع مشابه في ساحة التقسيم، وهي قلب المدينة. فيما يقوم ناشطون بتظاهرات لاعادة "أيا صوفيا" الى جامع، بعدما كان أتاتورك حول المبنى الى متحف. بالمقابل يرى كثيرون من الأتراك ان بروز قوة الاسلاميين من خلال هذه الرموز يشكل اهانة جارحة. وسارت في انقرة اخيرا تظاهرة ضمت مئات الألوف تندد ب"الارتجاع"، أي ما يسمونه "الردة الاسلامية"، ويعلنون معارضتهم لما فعله الاسلاميون في السلطة عندما تسلموها بالتحالف مع حزب الطريق القويم بقيادة تانسو تشيلر. هناك صراع بين الرموز والبرامج تمكن رؤيته في المكان الديني الأقدس في اسطنبول، الجامع الأيوبي حيث ضريح الصحابي أبو أيوب الأنصاري، الذي توفي اثناء حصار المدينة عندما كانت تدعى القسطنطينية ما بين 674 و678 م. لكن الاسلاميين، الذين يستندون في دعوتهم الى التراث الاسلامي وما فيه من مباديء العدل الاجتماعي والدفاع عن "الاخلاق التركية" ضد التأثيرات الأجنبية، بما فيها السواح، فان مستندهم الآخر هو الماضي العثماني. واذ يستلهم الأتاتوركيون أيضا ذلك الماضي، فانهم يكرهون جوانب منه يرون انها تذيب الهوية التركية البحتة، مثل مؤسسة الانكشارية، المكونة من عناصر جلبت من البلاد الاوروبية المسيحية التي كانت تحت حكم العثمانيين، وأيضا بعض الخلفاء المتأخرين المتحللين الذين استعملوا شعارات الوحدة الاسلامية لدعم سلطتهم، مثل السلطان عبدالحميد 1976 - 1909. فالخلافة العثمانية اذن توفر للاسلاميين جزءا من الماضي الذي يمكن استعماله كما يحلو لهم. يضم الجامع الأيوبي مجموعة جميلة من الأضرحة على خليج القرن الذهبي، وخلّده للقارىء الغربي الروائي الفرنسي بيار لوتي. وكان سلاطين العثمانيين يأتون الى هذا الجامع للتتويج والحصول على لقب "باديشاه"، أي ملك الملوك، من هنا فهو الرمز الى الترابط بين الماضيين الاسلامي والعثماني. ويزوره اليوم المتزوجون حديثا طلبا للبركة، وكذلك الذين يأتون للتضرع للخلاص من مرض او مشكلة. المناطق المحيطة بالجامع يسيطر عليها الاسلاميون، منها منطقة الفاتح المجاورة حيث الجامع الذي بناه السلطان محمد الثاني بعد فتحه القسطنطينية في 1453، عندما اقحم حصانه في كاتدرائية أيا صوفيا وترك الحصان ليرفس الآنية على مذبحها. وترى في كل مكان الرجال الملتحين والنساء المحجبات. لكن هذا يختلط مع استعادة من نوع آخر لايام العثمانيين، مثل مقهى "هنكار" العرش قرب مدخل الجامع الأيوبي. وفي يوم الجمعة قبل عيد الأضحى جاء السكان بالخراف والعجول لنحرها، وضجت الشوارع بانغام فرق الموسيقى العسكرية التي ترتدي ازياء العهد العثماني، وهي تتقدم بطريقتها المعهودة: خطوتين الى الأمام خطوة الى الوراء، التي يرى البعض انها ترمز الى أوضاع تركيا عموما. وتستمر دور النشر الاسلامية باصدار الكتب عن انتصارات العثمانيين والاشادة ب"عصر الزنبق"، أي العقود الثلاثة الأولى من القرن الثامن عشر. وهناك مفارقة كبيرة بين هذا الوضع ووضع ايران. فقد كانت الامبراطورية، ثم حكم الشاهَين بعدها من العناصر الرئيسية في عملية التحديث وعلمنة الدولة. اما في تركيا فان هذه الدولة الحديثة العلمانية ذاتها هي من يرفض الماضي العثماني، بكل مؤسساته وامبراطوريته، بل حتى بازيائه والحرف العربي الذي كان يستعمل لكتابة التركية. وتركيا اليوم من الدول الأوروبية القليلة التي لا تجد فيها عقدة الذنب الامبريالية. لكنها، مثل الكثير من الامبراطوريات السابقة، تجد انها خرجت من الامبراطورية لكن هذه لم تخرج منها، وهو ما يتمثل بموجات الهجرة من البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى، التي ينضم اليها الآن الكثيرون من "تجار الشنطة" من الجمهوريات السوفياتية السابقة. وفي خطوة رمزية تم جلب جثمان أنور باشا، الذي مات في آسيا الوسطى عندما كان يقاتل البلاشفة، الى اسطنبول، ودفن بجانب زملائه في "حديقة الاستقلال". التحدي الكردي لكن التحدي للاتاتوركية لا يأتي من الاسلاميين وحدهم. اذ تشهد المناطق جنوب شرق تركيا منذ 1984 اشتباكات بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، في حرب كلفت الالوف من القتلى اضافة الى تدمير اكثر من ثلاثة الاف قرية وتشريد مئات الالوف من السكان. وتقدر كلفة الحرب بنحو سبعة بلايين دولار سنويا، وهي ما تتحمله بريطانيا في مواجهة أزمة شمال ايرلندا. ينحدر حزب العمال الكردستاني من تقاليد اليسار المتشدد الذي اختار حمل السلاح في الستينات والسبعينات. الا انه تراجع في المرحلة الأخيرة عن مطلب الاستقلال. وكان زعيم الحزب عبدالله اوجلان، الذي يسكن دمشق، ارسل الى السلطات العسكرية التركية طالبا التفاوض. لكن الدولة التركية لم تتجاوب، فهي لا تعترف باقليات غير التي تحددها معاهدة لوزان في 1923، فيما يضم الدستور مادة غير قابلة للحذف تؤكد على وحدة تركيا وكون التركية لغتها الوحيدة. ولا يستبعد هذا الانفصال فحسب بل حتى الحكم الذاتي المحلي. وتتعرض الاحزاب التي تمثل المصالح الكردية الى الملاحقة والقمع. لكن هناك بعض التحرك ايضا، مثل السماح باستعمال الكردية في الأماكن العامة، فيما توقف استعمال التعبير المهين الذي يصف الاكراد بانهم "اتراك الجبل" واعترف الرئيس الراحل اوزال وخلفه ديمريل بوجود الأكراد، فيما تقدم الصحافة تقاريرها الدائمة عن القضية الكردية، لكن دون ذكر لمسار الحرب. وكتب احد المعلقين عمودا بعنوان ساخر هو "أتاكرد"، في اشارة الى اتاتورك، أي "ابو الاتراك"، وتساءل فيه عن شعور الاتراك لو انقلبت الأمور وفرض عليهم هذا "الأب". وهناك الكثير من الهيئات المدنية، مثل اتحاد اصحاب الاعمال التركي، التي دعت الى حل سياسي للقضية. وحمّل تقرير صدر اخيرا عن لجنة شؤون المهجرين البرلمانية مسؤولية التهجير على قوات الأمن، خصوصا "الفرق الخاصة". ودعا التقرير، للمرة الأولى في تركيا، الى الاعتراف بالهوية الكردية. لكن القضية في النهاية تعود الى العسكريين. ذلك انهم في معظم المجالات ان لم يكن كلها، ومن نواح مهمة، لا يزالون الحكام الفعليين لتركيا، خصوصا ازاء هذه المشكلة او قضية قبرص. ورغم التوسع الكبير للنقاش حول قضية الأكراد في السنين الأخيرة فقد وجدت ان غالبية الذين تحدثت معهم لا تتوقع حلا في المستقبل المنظور. واذ يقدم القوميون الأتراك المتشددون ادعاءات تصعب على التصديق فان هناك من الطرف المقابل تبسيطات مرفوضة. من ذلك قول رئيس لمؤسسة ثقافية كردية في مقابلة مع صحيفة "توركش ديلي نيوز" في عدد 3 نيسان أبريل ان اللغة التركية لا تعرف كلمة "شكرا"، وتستعيض عنها اما بكلمة "تشكرات" المأخوذة من العربية او "ميرسي" الفرنسية، وان هذا يبرهن على ان الأتراك "شعب من الأجلاف لا يستطيع التعبير عن مشاعر الود والتقدير". "أنصار الجمهورية الثانية" تواجه تركة اتاتورك ايضا معارضة من طرف ثالث ينادي بالتحديث، يسميه خصومه "انصار الجمهورية الثانية". يوافق هذا الطرف على الكثير من انجازات أتاتورك لكن يعتقد ان الوقت قد حان للمضي قدما -- أي ستكمال الخطوات التي بدأها مؤسس الجمهورية للاندماج في أوروبا، وايضا الانفتاح على اليسار والأكراد، ونشر التسامح في المجتمع، من ضمن ذلك السماح بارتداء الحجاب للنساء الراغبات في ذلك، وانهاء تلك الوحشية التي لا تزال تسم ممارسات قوى الأمن، وأيضا، وهو الأهم، اخراج الجيش من حيز السياسة. الواقع ان الأجهزة الأمنية، اي الجيش والشرطة والاستخبارات، التي لا تخضع للسلطات المدنية، تخيم بظلالها على الكثير من مرافق الحياة، ولها علاقات بالمافيا. ويقول الكاتب التركي الأشهر ياشار كمال، وهو كردي، ان المشكلة الأهم التي تواجه تركيا هي حقوق الانسان. وهناك من يدعو الى الكشف عن المجازر التركية بحق الأرمن التي وقعت اثناء الحرب العالمية الأولى. يقدم هذا النوع من الانتقاد عدد من مجموعات حقوق الانسان. وأظهر اقتحام قائد شرطة اسطنبول اجتماعا عقده ممثل الاتحاد الأوروبي في تركيا مع عدد ممثلي هذه الجمعيات استمرار الاسلوب التسلطي في دوائر الأمن. ويقارن بعض مثقفي اليسار بين الدولة العثمانية بتعدديتها وانفتاحها الاجتماعي، والمركزية التي نادى بها المصلحون الاتراك منذ اواسط القرن الماضي. لا غرابة اذن ان الضباط الذين تسلموا السلطة في 1908 اطلقوا على تنظيمهم اسم "لجنة الاتحاد والترقي". وليس لأحد ان يشك في ان السلطة بيد العسكريين، وان هذا بالضبط ما يريده هؤلاء. وكان التقرير الأول في نشرة الاخبار التلفزيونية في 27 من آذار مارس عن الاجتماع الشهري لمجلس الأمن الوطني، حيث يلتقي القادة العسكريون الزعماء السياسيين، او بالأحرى حيث يصدر العسكريون تعليماتهم الى المدنيين. وبينت الصور التوازن الحقيقي للقوى، وبدا العسكريون بمظهر الواثقين بانفسهم، فيما ظهر على المدنيين الاحراج والحرص على الانصات والفهم. وكانت التعليمات هذه المرة المزيد من الضغط على الاسلاميين أو مواجهة "العواقب"، اي الانقلاب العسكري. من جهتهم يرى الأتاتوركيون ان انصار "الجمهورية الثانية" مجموعة من الحالمين من النخبة في اسطنبول التي لا تزال ترفض نقل السلطة الى أنقرة. من الأحزاب التي تجسد هذا الاتجاه حزب جيم بوينر، الذي لم يحصل سوى على اقل من واحد في المئة من الأصوات في انتخابات 1995، وهو ما يبين مدى افتقار "الجمهورية الثانية" الى المؤيدين. الأخطر من ذلك ان الأتاتوركيين يعتبرون هؤلاء "طابورا خامسا" يحمل الى البلاد خطر التفكيك ويفتح المجال امام المد الاسلامي ليغرق تركيا في الفوضى. وتعتبر النخبة الأتاتوركية، مثل غيرها في المنطقة، انها تعلمت الدرس من انهيار الاتحاد السوفياتي ولن تكرر الأخطاء نفسها التي ارتكبها القادة السوفيات. السياسة والبرنامج الاسلامي يتوقف الكثير بالطبع على تقدير قوة الاسلاميين والتحدي الذي يوجهونه. بعض الاحزاب التركية يجاهر بالعلمانية ويساند حظر الحجاب. وهناك قائمة طويلة من الشكاوى ضد استفزازات الاسلاميين. منها ان زعيمهم أربكان وله سجل طويل في تأييد القضايا القومية، ودعا في 1974 الى احتلال كل جزيرة قبرص، وهو ايضا لا سامي، وهو أمر نادر في تركيا قال انهم سيصلون الى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع او القوة. ورفض رؤساء بلديات مصافحة النساء، وحاول بعضهم منع الأطباء من معالجة النساء، فيما اجبر غيرهم الموظفات على الاختيار بين الحجاب او الوقوف في الشارع طيلة اليوم لتعداد السيارات! لكن القادة يحرصون على البقاء ضمن حدود القانون. وأكد فتح الله غولين، وهو قائد واحدة من المجموعات الاسلامية التي تقول ان نموذجها هو باكستان، ان 95 في المئة من البرنامج الاسلامي غير سياسي. لكن ذلك لم ينفع الاسلاميين كثيرا، فقد صدر اخيرا حكم يمنع أربكان من العمل السياسي مدة خمس سنوات. كما اضطر حزبه الى تغيير اسمه من "الرفاه" الى "الفضيلة"، فيما يتنافس قادة الحزب على خلافته. من المرشحين الأقوياء للمنصب رئيس بلدية اسطنبول رجب طيب اردغان الذي اعلن السنة الماضية ان "المنائر هي حرابنا والمساجد ثكناتنا والمؤمنون جنودنا"، ما يشير الى جدية نواياه. من جهة اخرى فان ما يبدو من اعتدال فتح الله لم يكسبه الكثير من الأصدقاء. وهناك من يزعم ان وراء مشروعه الاسلامي السلمي قوة خارجية كبرى: الولاياتالمتحدة، أو حتى ألمانيا. ولاحظ مثقف علماني زار محطة التلفزيون التابعة لفضل الله افتقار جهازها الى النساء، وان مراحيضها ليست على الطراز الغربي بل الشرقي، وان فضل الله محاط بشباب ملتحين يثير منظرهم التوجس. كما ان لقائي بمراسل صحيفته "زمان" لم يبعث على الاطمئنان. فقد سألني عن رأيي بباكستان، لكن عندما اخبرته عن الفوضى السياسية والصراعات الاثنية وتجارة المخدرات هناك طوى دفتره ووضع القلم جانبا، مشيرا الى نهاية المقابلة. من الصعب على الأجنبي، وكذلك الأتراك انفسهم، فهم تنامي التيار الاسلامي في هذا البلد الذي كان علمانيا قبل. فقد حاز حزب الرفاه، الممثل الرئيسي للتيار، على 21 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، كما يسيطر الحزب على الكثير من البلديات. وهناك متوازيا مع الأحزاب السياسية الاسلامية انتعاش ملحوظ للهيئات الاسلامية غير الرسمية، مثل الطرق الصوفية، التي سبق أن حظرها أتاتورك. ولهذه الهيئات الآن نفوذها في عالمي الأعمال والسياسة. هناك ايضا قطاع اعمال اسلامي نشيط، وتجد على الطريق من مطار اسطنبول لوحات اعلان كبيرة عن "مجموعة الاحسان المالية" و"بنك البركة"، وهناك شركة سفر تحمل اسم "هلال" ودور أزياء اسلامية ومخازن عطور باسم "فرقان". كما ان هناك مؤشرات الى تزايد الشعور الديني، تراها في المقاهي والمطاعم وغيرها من الأمكنة العامة. لكن لهذه التغيرات حدودها، فالمشروبات الكحولية متوفرة، فيما تتمتع الصحف بحرية محلوظة في التعليق ونشر صور الاثارة. كما لا تجد المساجد مكتظة بالمصلين الذين يضطر بعضهم الى الصلاة في الشارع، كما هو الحال في مصر او بلدان عربية أخرى. معنى العلمانية هناك مشاكل اضافية في ما يتعلق بتقويم حجم التحدي الذي يقدمه الاسلاميون. المشكلة الأولى هي التصور الرسمي للعلمانية. انها واحد من "المباديء الثورية" الستة، المأخوذة في شكل جاهز عن قيم الاستنارة الأوروبية والثورة الفرنسية. لكنها في تركيا لا تعني الالحاد او استبعاد الدين عن المجال العام، بل سيطرة الدولة على الدين. تقوم الدولة بذلك عن طريق مديرية شؤون الدين التي تدفع الرواتب ل180 الف رجل دين، وتسيطر بذلك على خطب الجمعة في كل المساجد الرسمية. فيما تحاول الدولة مواجهة الاسلاميين ليس من خلال اغلاق اماكن العبادة بل بتوسيع سيطرتها لتشمل نحو عشرة الاف مسجد غير رسمي. ورغم تنكر الأتاتوركية للماضي الاسلامي وللغة العربية فانها تستمر في استعمال الكثير من التعابير والرموز الاسلامية والعربية. من ذلك لقب "مرشيت"، المأخوذ من "مرشد" العربية، الذي يطلق في المدارس على كمال أتاتورك. كما ان الصراع من اجل التحرر الوطني ضد اليونانيين والانكليز والفرنسيين في اوائل العشرينات يسمى "مللي مغاديلي" وللكلمتين ايحاءات دينية. ولا تؤخذ العلمانية، مثلما في دول اخرى، على انها أمر نسبي، وانها تصب في مجري التسامح، بل ان معناها في تركيا العداء والاحتقار لكل ما تعارضه النخبة التسلطية الحاكمة. لا غرابة اذن في تنامي المعارضة للتجربة الاتاتوركية خلال العقود. وتعود جذور المعارضة للدولة الى المدن الصغيرة والنخب التقليدية في اربعينات القرن. وتدخل العسكريون مرتين، في 1960 و1971، لوقف تنامي العملية. لكنهم في 1980، ازاء تصاعد اليسار المتشدد، ساندوا الاسلاميين الى حد ما، تماما كما فعل الاسرائيليون مع حماس، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية مع جبهة الانقاذ الاسلامي، حيث كان الهدف استعمال الحركة الاسلامية، مع الاحتفاظ بالسيطرة عليها، لاضعاف اليسار. من جهتهم يقدم الاسلاميون خليطا متضاربا من الأفكار، يعبرون عنه باقتباسات من القرآن والحديث، وأفكار من الخطاب المعارض السائد في اواخر القرن العشرين. ويقدم الاسلاميون تشكيلة متنوعة من النصوص في المكتبات ومعارض الكتاب، من بينها تفاسير للقرآن والحديث، مع دراسات عن مواضيع مثل "المنافقون في الاسلام" والشيطان، اضافة الى كتب التعليم الذاتي وتواريخ للدولة العثمانية ومؤلفات عن فساد الغرب الذي ينتشر عن طريق العولمة ووسائل الاعلام، وايضا ترجمات لاعمال غربية مثل قصة تولستوي "الحاج مراد" ورواية "صلاح الدين" لوالتر سكوت، اضافة الى اعمال شهيرة لها طابع اخلاقي مقبول مثل "الجريمة والعقاب" و"دون كيخوته" و"فاوست" و"كوريولانوس". كما يستعمل الاسلاميون الافكار الغربية الحديثة عندما يعتبرونها صالحة لانتقاد الدولة التركية الحديثة، مثل "التعددية الثقافية"، وفكرة المحافظة على "الفروق" بدل اذابتها قسرا، فيما يحتل كتاب "ضد المنهج" للفيلسوف الفوضوي الراحل بول فايرآبند صدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا. وتجد المفاهيم الغربية استعمالات غريبة في الوضع الثقافي التركي. من هنا فأن اليسار المتشدد يستخدم ل"الاستنارة" مصطلح "ايدينلينك" المأخوذ من التركية، فيما ينادي بها الاسلاميون تحت مصطلح "التنوير" العربي الاسلامي. وهذا يعني ترك المفهوم الأصلي بحوزة الدولة، وهي في الوقت نفسه "مستنيرة" لكن تسلطية. طريق ايرانوالجزائر؟ السؤال الذي يطرحه العلمانيون الأتراك واضح وخطير: "هل سيقود الاسلاميون تركيا الى الطريق الذي سارت عليه ايرانوالجزائر وأفغانستان؟". الحجج المضادة لهذا الاحتمال تبدو واضحة الى حد كبير. ان الاسلاميين الاتراك لم يلجأوا حتى الآن الى العنف، وتركيا مجتمع يختلف كثيرا عن تلك المجتمعات. كما ان قادة الاسلاميين يقدمون احيانا مواقف معتدلة ومعقولة. لكن ليس في كل هذا ما يقنع العلمانيين. فهم يشيرون الى ان دولا مثل ايران ولبنان، وحتى الجزائر، اعتبرت سابقا في مأمن من الحركات الدينية التسلطية، لكن الواقع اثبت انها ليست كذلك. ثانيا، قضية العنف ليست بالبساطة التي يتصورها البعض. واذا كان من الصحيح ان العنف المتمثل بحرب العصابات لا يزال في غالبه وقفا على حزب العمال الكردستاني، وهو حزب لا ديني يؤمن بالماركسية اللينينية، فان عددا من الكتاب العلمانيين تعرض للاغتيال، من بينهم توران دورسين وجيتين ايميج واوغور مومجو، وكلهم اتهموا بانتقاد الاسلاميين. كما ان هناك الحادث البشع في مدينة سيفاس في 1993 عندما احرق متظاهرون اسلاميون فندقا اقيم فيه مهرجان ثقافي دعا اليه الكاتب الراحل عزيز نسيم، المعروف بدفاعه عن سلمان رشدي. وقتل في الحريق 37 شخصا فيما اعتدى فريق الاطفاء، الذي يسيطر عليه الاسلاميون، بالضرب على الناجين من الحريق. وكما قال لي احد المثقفين الأتراك، وهو عموما من المعارضين: "انهم لم يقتلوا بالجملة -- لم يفعلوا ذلك بعد!". ربما كان الوضع الأكثر احراجا هو الذي تواجهه الأقلية العلوية التي تشكل نحو 20 في المئة من السكان. وتتمسك هذه الأقلية بالعلمانية، مثل الكثير من الاقليات في العالم الاسلامي التي تخشى هيمنة الاسلاميين، اي البلوش والباثان في باكستان والأكراد في ايران والقبائل في الجزائر. ومن بين اقسى اعمال عنف الاسلاميين تلك التي ترتكبها شرطة اسطنبول ضد العلويين، لأن الاسلاميين لا يعتقدونهم مسلمين حقيقيين. ويتداول الكثيرون تعبير "التقية" وما تعنيه من سماح، ازاء حكومة متسلطة، باخفاء الهدف السياسي الحقيقي للشخص او الحركة. من هنا الاتهام الى أربكان وفضل الله وغيرهم بانهم عندما يبدون الاعتدال يمارسون نوعا من "التقية" ولا يستحقون الثقة. قمع... وما من مشكلة! لكن المشكة الأكبر لا تقع على صعيد النوايا. لأن ما يتضح عند الاستماع الى تصريحات الاسلاميين الأتراك وقراءة ادبياتهم انهم، مثل الاسلاميين في انحاء العالم الاسلامي، لا يخفون الكثير، بل يبدون وكأنهم يؤمنون بكل ما يقولون. وأعلن واحد من اهم الناطقين الاسلاميين، وهو شقيق الرئيس الراحل اوزال، خلال مناقشة تلفزيونية استمرت الى ساعة متأخرة من الليل وشاء لي "حسن الحظ" ان اشارك فيها، ان الاسلام دين الحب ومن هنا سيكون هناك حل لكل المشاكل عندما تتسلم السلطة حكومة مخلصة لمبادئه. ويحصل الاسلاميون على نسبة كبيرة من اصوات الأكراد، لكن ذلك على الارجح يندرج في باب التعبير عن معارضة السلطة اكثر مما الايمان ببرنامج الاسلاميين. وعند سؤال الاسلاميين عن القضية الكردية فالجواب المعتاد ان ليس هناك من مشكلة فعلية لأن كل الأتراك مسلمون. ويشير سجلهم في السلطة، على الصعيدين المحلي والوطني، الى ان لهم مواقف رجعية قوية، حول قضايا رمزية مثل الحجاب. لكن سياستهم الاقتصادية علمانية تماما، تنتمي الى المراحل المبكرة من عملية التحديث، بمنظور يقوم على التصنيع في المدن الصغيرة. هكذا فان تكوينهم الفكري لا يعدو ان يكون خليطا بائسا مضطربا يستلطفه الغربيون الباحثون عن "الهوية"، لكن دون ان يعني كثيرا لمشاكل تركيا اليوم. في سياق مثل هذا، يضم الخواء الفكري جنبا الى جنب مع أزمة على الصعيد الوطني، يمكن للاسلاميين بسهولة ان ينزلقوا الى العنف، مهما كان الاعتدال الذي يبرزه الناطقون. وتفاقم من حدة النقاش التركي عن السياسة والهوية التغيرات التي يشهدها العالم. الواقع هو ان تركيا تنتمي الى ثلاثة عوالم. فهي رسميا، منذ زمن أتاتورك، دولة أوروبية، لكنها ايضا، وبالرغم من تعليماته، دولة شرق أوسطية بسبب علاقاتها الاقتصادية والسياسية المتنامية مع الشرق الأوسط منذ السبعينات. وهناك اضافة الى ذلك انتماؤها الى ما يسمونه "الدنيا" التي برزت اخيرا، أي عالم الدول التركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، الذي يمتد، حسب الرئيس ديميريل "من جبال البامير الى بحر الأدرياتيك". ان النقاش عما اذا كانت تركيا أو روسيا دولة اوروبية فارغ تماما، لأنها أوروبية منذ خمسة قرون. لكن محاولتها الانضمام الى الاتحاد الأوروبي فشلت، ولا يرجح ان تنجح على المدى المنظور. واذ تتمتع تركيا بحرية التجارة مع أوروبا، فان مخاوف الاتحاد من موجة هجرة منها، واعتراضاته على انتهاك حقوق الانسان وتسلط العسكريين، وايضا كلفة انضمامها، تعني ان الاتحاد سيواصل رفض دمجها سياسيا في منظومته. وقطع رئيس الوزراء مسعود يلماز اخيرا الاتصال مع الاتحاد الاوروبي، بعد ان رفضت قمته الأخيرة في لكسمبورغ ادراج تركيا على قائمة الدول المطالبة بالانضمام. وعارض كثيرون خطوة يلماز، معتبرين ان العلاقة الأوروبية تشكل دعامة قوية ضد الاسلاميين. وانتقد العسكريون موقفه من أوروبا. أما عن العلاقة مع الشرق الأوسط فقد تراجعت التجارة مع المنطقة عموما منذ الغزو العراقي للكويت في 1990، وهناك مخاوف من تسرب تأثير الأصوليين العرب الى تركيا. من جهة اخرى وطدت تركيا خلال السنتين الأخيرتين علاقاتها العسكرية مع اسرائيل، وهو ما تعتبره انقرة ردا طبيعا على مساندة سورية للثوار الأكراد، لكنه ادى الى تصاعد العداء لها في العالم العربي. ولا يبدي الأتراك قلقا من ذلك بل يضعون اللوم على العرب. كما يبدو انهم على تفاهم جيد مع الاسرائيليين، وقال اكاديمي ان اسرائيل "البلد الوحيد حيث يعاملوننا على قدم المساواة". أما العلاقات مع "العالم الناطق بالتركية" فهي مزيج من الايجابيات والسلبيات. فمن جهة تنشط الشركات التركية الصغيرة، خصوصا في مجال الصناعة والانشاء، في دول آسيا الوسطى، وهناك اهتمام كبير، على صعيد الأمن الاقتصادي والسمعة الدولية، في مد خطوط النفط والغاز من بحر قزوين الى المتوسط عبر تركيا. لكن الدول الست هذه تعاني من الفساد وسوء الادارة والافتقار الى شبكات الاتصال والبنى التحتية، ما لا يجعلها خيارا مهما على صعيد التجارة العالمية. والملحوظ ان أوروبا هي الشريكة التجارية الأكبر لتركيا، فيما تذهب اكثر الاستثمارات التركية الى روسيا واوكرانيا وليس الى الدول الست. تحيط بالبعد السياسي والمالي لشبكة النقط والغاز تعقيدات كبيرة، ولم يتضح بعد الطريق الذي سيسلكه نفط وغاز حقول بحر قزوين للوصول الى السوق العالمية. كان من الطبيعي للنقاش الدائر في تركيا عن الهوية ان يتداخل مع النقاش حول التوجه. ذلك ان للعلمانيين نظرة واضحة، وهي ان على تركيا الاندماج في أوروبا، وليس فقط لكونها مؤهلة لذلك بالفعل، بل لأنه السبيل الوحيد لتوطيد الديموقراطية وحقوق الانسان في تركيا. اما القوميون الاتراك فيرون ان سبب عزلة تركيا كان تخلي كمال أتاتورك عن العالم التركي، ويطالبون باتخاذ خط متشدد تجاه قضايا مثل الشيشان والبوسنة واذربيجان وسنكيانغ، وأيضا بالطبع قبرص. ومن الاضافات المهمة اخيرا الى التماثيل والنصب في اسطنبول ضريح رمزي ل"شهداء شرق تركستان"، اي شمال الغرب الصيني. وفي اوائل الشهر الماضي اغتال ناشطون من تلك المنطقة مديرة مطعم صيني في اسطنبول. بالمقابل فان الخيار الذي يطرحه الاسلاميون هو الانفتاح على الشرق الأوسط، لكنه، حتى بالنسبة لهم، ليس خيارا واضحا. ولم يجد أربكان عند زيارة الشرق الأوسط الكثير مما يبعث على التفاؤل، خصوصا عندما استمع في ليبيا الى محاضرة قاسية من القذافي عن "الشوفينية التركية". لكن أربكان يستمر على هذا الخط. وقام اخيرا بفريضة الحج وهي المرة السابعة والعشرين التي يقوم بها. العلاقات مع ايران تبقى مشوبة بالتحفظ. فهناك من جهة، رغم الكلام المعتاد عن العداء التقليدي بين البلدين، السلام السائد بينهما منذ قرنين. ومن المعروضات في قصر توبكابي هدايا ارسلها العاهل الايراني نادر شاه الى السلطان العثماني في أربعينات القرن الثامن عشر، كما يعرض متحف كمال اتاتورك الهدايا التي تبادلها مع رضا شاه في ثلاثينات القرن الحالي. من الجهة الثانية يشوب العلاقات بين الطرفين قدر من التشكك،. وهناك المثل العثماني القائل: "اذا تعلمت الفارسية تفقد نصف ايمانك!"، في اشارة الى شعر الغزل والخمريات من شعراء الفرس، مثل حافظ وسعدي وعمر الخيام. ويبدي العلمانيون الاتراك منذ 1979 تخوفا من تسرب تأثير الثورة الايرانية. وتأكد هذا الانطباع عندما رفض مسؤولون ايرانيون وضع اكليل على قبر أتاتورك، وفضلوا زيارة مدينة قونية حيث مدفن الشيخ جلال الدين الرومي. بالمقابل يرفض المسؤولون الأتراك زيارة قبر آية الله الخميني. وطردت تركيا السنة الماضية سفير ايران، بعدما القى خطابا معاد للعلمانية في "يوم القدس" الذي اقامه رئيس بلدية من حزب الرفاه. ليس لكل من هذه القضايا حل سريع أو سهل. وتستمر النخبة العسكرية وحلفاؤها المدنيون، اي الطرف الحاكم، في المقاومة القوية، لكن المفككة احيانا، لكل ما قد يعتبر انتقادا لطروحاتها. وتتوازى هذه التسلطية في قمة الحكم مع الوحشية التي تبديها قوات الجيش والشرطة ضد المعارضة السياسية. لكن هناك الكثير من التغير، خصوصا في مجال الاعلام، حيث نرى عددا كبيرا من الصحف اضافة الى 26 محطة تلفزيون، تتمتع كلها بحيز واسع من الحرية. كما ان الهيئات المدنية تعمل في شكل لا شبيه له في ايران او العالم العربي. ويمكن الآن ان نسمع نقاشات علنية عن امور كانت محرمة على البحث قبل عشر سنوات. انه بلد يزخر بالطاقات الانسانية والثروات الطبيعية، وتعكس نخبته الدرجة المذهلة من التقدم الاجتماعي الذي يمكن احرازه، وهو امر ورثته تركيا الحديثة من الدولة العثمانية. ويتخرج من جامعاتها سنويا الوف الدارسين العالميي المستوى. ووجدت اثناء السلسلة من الندوات العلمية التي حضرت في اسطنبولوأنقرة ان نوعية الاسئلة والتركيز في تناول المواضيع أعلى من كل البلدان الاخرى التي قمت بزيارتها. مع ذلك فان التحديات امام المؤسسات شبه الديموقراطية تفوق التصور. فعلى صعيد الاقتصاد هناك التضخم المنفلت، فيما تتنامى على صعيد الشارع الحركة الاسلامية بتوجهاتها الرجعية وفراغها الفكري. وهناك ايضا المعارضة الكردية التي تستعيد اسوأ ما في الماركسية من تقاليد تسلطية، وتمكنت مع ذلك من السيطرة على السياسة الكردية بسبب تصلب السلطة. ان البرنامج الذي قدمه أتاتورك في العشرينات كان ملائما لزمنه من أوجه كثيرة ويبقى كذلك اليوم. والسؤال المطروح الآن على شعب تركيا المتميز المواهب هو اذا كان يمكن تعديله وتطويره ليواجه تحديات العالم المعاصر، ولكي يتلاءم مع التعريف الأوروبي للحداثة التي دخل عليه الكثير من التغيير خلال العقود السبعة الأخيرة. وسيكون لهذا اهمية كبيرة للاسر الدولية الثلاث - اوروبا والشرق الأوسط وعالم الناطقين بالتركية - التي تنتمي اليها تركيا.