يحمل الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي على وجه الخصوص، والعربي المؤيد للتسوية، إصراراً غريباً على إلصاق عقدة التسوية القائمة بوجود نتانياهو على رأس هرم السلطة في الدولة العبرية، ليس ذلك فحسب، وإنما إلصاق الممارسات الارهابية التقليدية به أيضاً، مثل قصة محاولة اغتيال خالد مشعل، ومعاودة التهديد باغتياله على لسان وزير البنى التحتية ومجرم الحرب المعروف ارييل شارون. في مناقشة هذه الطروحات، لا بد من التأكيد على أن عقدة التسوية الحقيقية، على المسار الفلسطيني، إنما تكمن في الرؤية حول الوضع النهائي لتلك التسوية، وليس في المماحكات التي تسبق ذلك، والتي تركز على نسب إعادة الانتشار، وإلا فما معنى ان تمضي شهور عديدة والعقدة هي أن تكون النسبة 9 أم 13 في المئة؟ وفي السياسة الإسرائيلية، هناك إجماع على ضرورة حكم الفلسطينيين لأنفسهم، كما يذهب نتانياهو، وسائر أطياف الحكم الإسرائيلي، ثم يكون هناك خلاف حول مدى الانسحاب من المناطق غير المأهولة بالسكان، وهو الخلاف المحدود إلى حد كبير بين ما يطرحه شارون وما تطرحه وثيقة للجيش الإسرائيلي. وإذا كان شارون، ابن المؤسسة العسكرية، يبالغ في أحاسيسه الأمنية، فإن الجيش بأجهزته وخبرائه سيكون أكثر وعياً بمصالح الأمن الإسرائيلي. وفي مسألة الوضع النهائي، سنكتشف أن لا فرق بين نتانياهو وباراك، وهذا الكلام ليس جديداً، وإذا كنا نعاود الحديث عنه هنا، فلأن ثمة مناسبة جديدة تستدعي ذلك. فقد نشرت صحيفة "معاريف" أخيراً، بنود خطة سياسية قالت إن زعيم حزب العمل باراك ينوي طرحها لإعادة إحياء عملية السلام. خطة باراك، تؤكد على مبدأ الفصل بين الشعبين مع الحفاظ على مجموعة مبادئ ومصالح أساسية وحيوية لإسرائيل، وهي بقاء مدينة القدس بشطريها تحت السيادة الإسرائيلية، أن لا يرابط أي جيش أجنبي غرب نهر الأردن، عدم العودة إلى حدود حزيران يونيو 1967، بقاء غالبية المستوطنين في الأراضي الفلسطينية تحت السيادة الإسرائيلية. هو إذن برنامج نتانياهو، من دون رتوش، اللهم إلا إذا عاود البعض حديثه عن نسب إعادة الانتشار، مع العلم ان "العمل" لم يكن ليأكل من كعكة الضفة أقل مما سيفعل نتانياهو، من خلال المستوطنات والطرق الالتفافية، وهذه أيضاً سيكون للجيش حرية التصرف بها من زاوية قراءته للخريطة الأمنية! نأتي هنا إلى مسائل الأمن الاستراتيجية بالنسبة للدولة العبرية، وهذه المسائل ليست لعبة بأيدي الحكومات الإسرائيلية، وإنما هي جزء من صلاحيات المؤسسات الأمنية الأكثر رسوخاً في الدولة، وإلا ما معنى أن يكون للجيش خطته لإعادة الانتشار النهائي للقوات الإسرائيلية؟ فمسائل الأمن الداخلي والخارجي تدخل في باب الاستراتيجيات التي لا يتم التلاعب بها من الحكومات وإنما تبقى خاضعة لمعادلات أقوى من خلال الجيش والأجهزة الأمنية، ونتوقف هنا عند قضيتين، أولاهما، قصة خالد مشعل. إن الذي يتحكم في قرار تصفية هذا الشخص أو ذاك، إنما هو توجه واضح لدى أجهزة الدولة القوية، يقول بضرورة تصفية أي شخص يشكل خطراً على الأمن الإسرائيلي، خصوصاً في بعده الداخلي. فالذي يتورط في قتل مواطنين إسرائيليين أو اعطاء الأمر بذلك، لا بد من ملاحقته. ويذكر موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي السابق ل "حماس" أنه بعد عملية العفولة الاستشهادية في 1994، جاء من يخبره بأنه بات على قائمة الاغتيال. وقد دفع فتحي الشقاقي ثمن عمليات الجهاد، وبالذات عملية بيت ليد وكذلك يحيى عيّاش، كما كان شأن عباس الموسوي. وقبلهم القادة الثلاثة أبو حسن وحمدي ومروان الكيالي، الذين خططوا لعملية عطاف عليان الاستشهادية التي فشلت في اللحظات الأخيرة، وكانوا خططوا قبلها لعملية حائط البراق في 1986. وأخيراً الشهيد محيي الدين الشريف خليفة عيّاش. فعمليات الاغتيال لهذا اللون من القادة لم تكن محكومة بلون الحكم في الدولة العبرية، بدليل ان الجميع تورط فيها.