في ردهم على الذين حالوا، فعلاً وعملاً، دون مشاركة مثقفين يهود، بعضهم منشأهم عربي اللغة والبلد والاجتماع، في ندوة من ندوات برنامج "خمسين عاماً نكبة ومقاومة" في بيروت، رمى أصحاب الرد بالتبعة عن الحؤول هذا على "قادة رأي" من "أصحاب العقول المؤامراتية وهواة الوشاية القومجية"، على قول كاتب افتتاحية في صحيفة "النهار" اليومية اللبنانية، هو السيد سمير قصير عدد الصحيفة في 17 نيسان/ ابريل 1998. و"قادة الرأي … هواة الوشاية القومجية"، بحسب صاحب الدعوة الى ندوات البرنامج، "مسرح بيروت"، ويتولى الكلام بلسانه السيد الياس خوري، الصحافي والروائي اللبناني، هم الحزب السوري القومي الاجتماعي اللبناني، مبدئيا، و"المؤتمر الدائم لمناهضة التطبيع مع اسرائيل"، ويتصدره صورياً لبنانيون، و"فتح - المجلس الثوري" المنظمة العسكرية والأمنية والسياسية الفلسطينية المنشقة عن "فتح" السيد ياسر عرفات تحت لواء السيد صبري البنا، الغني عن التعريف أو المتوسل الى تعريفه في وسائل تتصاغر عندها الصحافة وأخبارها وتعليقاتها. وحجة أصحاب الرد، وهم يريدون حجتهم دامغة وقاطعة ومكافئة لحجة أصحاب الحؤول والمنع، هي ان المثقفين اليهود الذين لا يستطيع "بأسى وخجل" أصحاب الدعوة والرد "تحمل المسؤوليات العملية المترتبة على حضورهم" على رغم حصولهم على تأشيرات دخول الى لبنان من سفارة لبنان في باريس، هم "على يسار جورج حبش"، ويسمون اسرائيل "التشكيل الكولونيالي اليهودي"! وبعضهم وكيل دفاع سهى بشارة، اللبنانية المسيحية التي حاولت اغتيال السيد انطوان لحد، قائد "جيش لبنان الجنوبي"، وبعضهم الآخر "قدم أفضل مطالعة الى اليوم في طبيعة اسرائيل الاستعمارية"، وبعضهم الثالث "أكد انحيازاً لا تراجع عنه الى الحضارة العربية"، ورابعهم عادت عليه "مواقفه المناهضة للصهيونية ودولة اسرائيل" بعداوة "الاعلام الأميركي" ومناصب أميركا ونخبها. وآخرون كتبوا "عشرات المقالات" في "مجلة الدراسات الفلسطينية"، الصادرة في باريس أو راسلوا من بيروت صحفاً فرنسيا "غطت" أخبار حروب لبنان و"غطت" عليها وعلى أقبح وجوهها، قبل ان ينصرفوا الى غير الصحافة و"يتحدثوا … عن حنينهم الى العاصمة اللبنانية"، بحسب "مسرح بيروت" ومؤتمره الصحافي. ويجهر أصحاب الرد والدعوة دهشتهم جزءاً من هذا شأنهم، حمية عربية وانحيازاً الى "قضايا العرب"، جزاء سنمار اليهودي على قول، أو تذكير، أحد حرسيي "الذاكرة والوعي" العربيين النائمين"، السيد طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة "السفير" العربية ببيروت. ويخلص أصحاب الرد والدعوة من غضبهم وتعييرهم، أو وصمهم أهل الحؤول والمنع بپ"العار" على جاري تراث عروبي غير "قومجي" بل رسالي انساني على بعض العشائرية والعصبية والنعرة، يخلصون الى تحليل سياسة خصومهم التعليل الوافي والشافي. فإذا بنهج تهديد سلامة المدعوين اليهود وحياتهم يصدر عن بؤس "أمة … لا تعرف أولادها"، أي لا تقر بأرومتهم ونسبهم العربيين والقوميين، وتقدم النسبة الى الدين وهو "لله" بحسب "آباء النهضة العربية" على اللحمة الدموية والأهلية العربية. والتعليل بالعنصرية، العربية لا سمح الله، ليس آخر التعليل ولا سره، فالعنصرية المحتملة هذه انما معينها "ما عانيناه من الكيان العنصري الاسرائيلي"، فينبغي ان "لا نغرق بدورنا في العنصرية"، ونحن منها براء وعراة، وقد "كفانا" ما كابدناه منها، ومن وفادتها المتعسفة والقسرية علينا، أهلاً ودياراً وسياسة. فيكرر أصحاب الدعوة والرد بعض مقالات خصومهم الظرفيين في النسبة القومية، وفي "الكيان العنصري" والقضية الفلسطينية وفي الصحافة الأميركية والنخب الأميركية، الخ. وهم، شأن خصومهم الظرفيين، يعرِّفون السياسة بالصداقة والعداوة، وهذا تعريف كان له شأن عنصري وأوروبي عظيم، ويعرِّفون القوم بالبنوة والولادة من أمة، وهذا كذلك كان له شأن تطهيري عظيم، وما زال شأنه عظيماً في لبنان والبلقان والعراق وتركيا وغيرها من البلدان القريبة والبعيدة. فكأن المدعوين اليهود لم يستحقوا الدعوة الا لاقامتهم على عروبة ما، وعداوتهم المفترضة لليهودية أو للصهيونية ولاسرائيل، أو لميلهم مع أهواء القومية العربية البريئة من أهواء التدين. لكن أوضح ما يرتكبه أصحاب الدعوة والرد هو سكوتهم عن خصومهم الظرفيين الذين يتشاركون واياهم، ثقافة وعملاً، في مسائل كثيرة وجوهرية. فالسؤال الملح في طلب الجواب هو عما يخول الحزب السوري القومي والمؤتمر الدائم وأنصار السيد صبري البنا "أبو نضال" تهديد مدعوين دخلوا، من طريق التأشيرة، في حمى الدولة اللبنانية وسيادتها الشرعية على اقليمها وهو حمى لا يبدو عزيزاً، ولا كريماً، حتى على الهيئة التي ترعاه. فالحزب المزعوم معروف النسبة والعصبية والسياسية، وهو لا يتستر عليها جميعاً. والمؤتمر المفترض لا يجهل أحد من أوعز به، وبعثه، ولا من يوحي اليه الوحي الذي يردده ويرطن به. اما السيد صبري البنا فيرابط حيث يرابط بپ"تأشيرة" لا يتكتم على المشير بها. ومعنى هذا، على قول عامي لبناني، ان الطرق كلها تفضي الى "الطاحون" العروبي، "أي" السوري على قول "حجة" روحية لبنانية. وأصحاب الدعوة والرد هم من أنصار لبنان العربي أو العروبي، ومن دعاته والمقاتلين في سبيله، ولا يختلف قيام السياسة السورية برعاية لبنان هذا من قيام السياسة الفلسطينية برعايته، في شيء كثير. وليس هذا الرأي تكهناً، على ما يعلم الأنصار والدعاة، وفي كلتا الحالين تصدى الراعيان والوليان الفلسطيني ثم السوري، للرعاية والولاية باسم عروبة جامعة فدمجا لبنان، الدولة والشعب والوطن والتاريخ، كل بدوره، في قومية عربية واحدة وجامعة، بعد ان كان نصب نفسه عَلَماً عليها وقطباً. فمدح أصحاب الدعوة بيروت "العربية"، و"عاصمة الثقافة العربية"، حين رفرفت عليها أعلام المناضلين الفلسطينيين - مثل رفيف "قرون ليلى" العامرية "قبيل الصبح" وأرخوا لولادتها بهذا الرفيف. ويستتبع هذا، منطقاً، ما يبنيه عليه، اليوم، الحزب السوري والمؤتمر الدائم والمجلس الثوري وغيرهم، فهو يستتبع ان اليهوديَّ يهوديَّ عرقاً على نحو ما العربي عربي أرومة وشرفاً. وما يأخذه أصحاب المنع والحؤول على مدعوي أصحاب الدعوة والرد هو يهوديتهم، على نحو ما يمدحهم أصحاب الدعوة بعروبيتهم المعنوية والسياسية. وينبغي ان يدرك أصحاب الدعوة انهم لم يفعلوا غير ما يفعله خصومهم الظرفيون، حين دعوا من دعوا الى الكلام والانتداء، واختاروا من اختاروا من العرب حقيقةً، أي لساناً وعشيراً. فالمدعوون، من "أولاد" امتهم هم من لون واحد ومن رأي واحد، وهوى واحد. ويقف "الحق في الاختلاف" عند هذا اللون. فلماذا يعقل السيد صبري البنا، أو السيد هاني مندس، أو السيد علي قانصو، ما لا يعقله السيد سمير قصير أو السيد الياس خوري؟