المخاوف التي تسود الشارع البيروتي من ان تأتي الانتخابات البلدية بمجلس لا يراعى فيه تمثيل جميع المواطنين لعدم وجود نص في قانون الانتخاب يتوزع بموجبه الأعضاء على الطوائف، تجدها ايضاً في الشارع الزحلاوي، خصوصاً ان لكلاهما تجربة في المضمار البلدي لا تدعو الى التفاؤل. ففي انتخابات البلدية في بيروت عام 1952 لم تكن نتيجة تمثيل الطوائف متوازنة، فاضطرت القيادات الاسلامية الى اتخاذ قرار بعزوف المرشحين المسلمين عن خوض معركة "البالوتاج" اي التعادل بالأصوات رغبة منهم في تأمين فوز منافسيهم المسيحيين بالتزكية ليكتمل عدد اعضاء المجلس البلدي، وهذه العبرة بالذات هي التي دفعت برئيس الجمهورية الراحل اللواء فؤاد شهاب الى استثناء المجلس البلدي للعاصمة من الانتخابات عام 1963 والاستعاضة عنها بتعيين جميع اعضاء المجلس. وما شهدته بيروت لناحية حصول خلل في تمثيل الطوائف تكرر في الانتخابات البلدية في زحلة عام 1963، وانما جاء معكوساً هذه المرة. اذ حالت النتائج النهائية دون انتخاب ثلاثة اعضاء يتوزعون على السنّة والشيعة والأقليات، وصحح الخلل بالتعيين. ويبقى الخوف من احتمال حصول خلل هو الثاني من نوعه في انتخابات بلدية زحلة، قائماً، خصوصاً اذا استبعد الائتلاف البلدي نهائياً بين مؤيدي رئىس الجمهورية الياس الهراوي ونائب المدينة الياس سكاف وآخرين ممن يستعدون لخوض الانتخابات. ولا تزال الصورة الأولية للتحضيرات البلدية الجارية في زحلة تستبعد التوصل الى ائتلاف على غرار ما شهدته الانتخابات النيابية صيف العام 1996، بسبب اصرار النائب سكاف، من حيث المبدأ وحتى تتبلور الخارطة النهائية للمعركة، على رفض التحالفات الفوقية التي يمكن ان تحمل تمثيلاً ناقصاً في المجلس البلدي من خلال ادخال "ثقّالات" على اللائحة الائتلافية. وهذا يحرم من هم اكثر تمثيلاً، ان يكونوا اعضاء في المجلس، فضلاً عن ان النائب سكاف الموجود الآن خارج البلاد، يعتبر، بحسب اوساطه، ان الانتخابات النيابية الاخيرة لم تنصفه لاضطراره الى الموافقة على الائتلاف وان كانت اوصلته الى الندوة البرلمانية كنائب يصنّف في المرتبة الأولى بين مجموعة من المتساوين، بدلاً من ان يأتي بنواب حلفاء له على غرار ما كان يحققه والده المرحوم جوزف سكاف الذي استطاع ان يؤمّن كتلة نيابية، ترأسها دورات نيابية عدة. ثم ان النائب سكاف، وان كان لا يحبذ حتى الساعة الدخول في ائتلاف غير متوازن في لائحة تجمع بين مؤيديه والأضداد في عروس البقاع، ينطلق من رفض استخدامه مصعداً بالمعنى السياسي للكلمة لإيصال بعض المرشحين المحسوبين على منافسيه الى بر الأمان ليفترق بعده العشاق كل في طريقه. وفي مقابل مبادرة النائب سكاف الى تسجيل موقف اعتراضي على امل ان يمكّنه من تحسين شروطه لدى البحث الجدي في قيام ائتلاف بلدي، فان الزحلاويين عموماً يخشون منذ الان ان تشهد مدينتهم منافسة حامية قد لا تقتصر على لائحتين. وباتوا يميلون الى مناصرة من يدعو الى التعاون البلدي بصرف النظر عن الصراعات السياسية التاريخية التي تتحكم بالمدينة والتي لم تعد تقتصر على قوى كانت حاضرة قبل اندلاع الحرب في لبنان، بعدما انضمت اليها قوى وتيارات سياسية محدثة تتمثل في الدرجة الأولى بالتيار العوني وبأنصار "القوات اللبنانية" المحظورة. فتشتّت القوى الزحلاوية من جهة، بعدما نجحت التيارات السياسية التي اوجدتها الحرب في خرق العائلات السبع الكبرى في زحلة وهي ابو خاطر ومسلم وفرح وعزه والبريدي والحاج شاهين وجحا، الى جانب وجود مخاوف من حصول خلل يحول دون المجيء بمجلس بلدي متوازن، لمصلحة المذاهب الرئيسية في المدينة اي الكاثوليك والموارنة والارثوذكس، على حساب تمثيل الطوائف الأقلية، بدأت تضغط في اتجاه تغليب الاعتبار التوافقي على كل ما عداه. ومن المؤشرات التي تعمل من اجل الائتلاف، قيام عدد من الوجوه الزحلاوية المحسوبة اساساً على الرئيس الهراوي والنائب سكاف، بمعاونة اصدقاء بقاعيين مشتركين من وزراء ونواب، بتحرك ناشط لتأمين التواصل بين رئيس الجمهورية ونائب زحلة منطلقاً للبحث في مواصفات التعاون البلدي. ويتولى الوسطاء الآن ترطيب الأجواء تمهيداً لعقد لقاء بين الرئىس الهراوي والنائب سكاف الذي يتردد في الوسط الزحلاوي انه على وشك اعلان لائحته، على ان يتم في القصر الجمهوري في بعبدا، ويؤمّن تجديد المصالحة بينهما، تماماً كالمصالحة التي تمت قبيل خوض الانتخابات النيابية الاخيرة ولم تصمد طويلاً، واعتبرت بمثابة مشوار طريق. وقد يكون من السابق لأوانه التكهن بمصير المعركة الزحلاوية ما دام دور الوسطاء يبقى في حدود الرغبة ولم يترجم خطوات ملموسة، في ظل التعاطي الأولي من النائب سكاف مع الانتخابات على انها فرصة ذهبية لإعادة استنفار "العصبية السكافية" التي ورثها عن والده والتي لن ترى النور من دون دخول منافسة مفتوحة في مقابل اصرار رئىس الجمهورية، استناداً الى ما يتناقله عنه زواره، على الدعوة الى التوافق في كل لبنان، وكيف اذا كان الأمر يتعلق بمسقط رأسه الذي يشدّه في دعم الجهود الائتلافية. وفي هذا الإطار، فبين الوسطاء من يعتقد ان النائب سكاف لن يقفل الباب في وجه الدعوة الى الوفاق البلدي لكنه يشترط ان تكون له حصة مميزة في المجلس البلدي تعكس الحجم الحقيقي للقوة التي يتمتع بها، وبالتالي فهو يطالب برئىس للبلدية يكون قريباً منه، بدلاً من ان يؤتى برئيس يمكن نائبه من ان يتولى في نهاية المطاف ادارة الشؤون البلدية. ويميل النائب سكاف الى دعم ترشيح المهندس اسعد زغيب وهو ابن بنت شقيقة الرئىس الهراوي الى رئاسة المجلس البلدي، بدلاً من التوافق على مرشح يتيح لنائبه الذي يفترض ان يكون في حال التوافق عليه سمير الهراوي ابن شقيق رئىس الجمهورية خوفاً من ان يتحكم بمصير البلدية، نظراً الى ما يتمتع به من إلمام بكل شؤونها خصوصاً انه يشغل فيها الآن منصب نائب الرئىس. وفي انتظار ما ستؤول اليه جهود الوسطاء الساعين الى تحقيق الائتلاف، فان تبادل المناورات بين المرشحين من ناحية والناخبين الكبار من ناحية ثانية، يبقى سيد الموقف في الساحة الزحلاوية التي اعتادت انتخاب كاثوليكي لرئاسة البلدية وماروني لنيابة الرئاسة، وهذا ما يفسر رغبة القوى السياسية التقليدية وغير التقليدية في اتخاذ وضع المراقب الى حين جلاء الصورة النهائية لمسار المعركة، لتقرر الخيار الذي ستخوض على اساسه الانتخابات التي لا يجوز اسقاط دور العائلات فيها، على رغم انها لم تعد موحّدة وانقسمت اسوة ببعض الأحزاب التي فقدت نفوذها وأصابها الوهن تحت ضغط النتائج التي افرزتها الحرب.