وصف وزير المال الكندي مشروع الاندماج بين شركة "سيتي كورب" ومجموعة "ترافلرز غروب" بأنه علامة بارزة في موجة الاندماجات العملاقة التي ستحدث تغييراً جذرياً في خارطة الخدمات المالية، لكنه امتنع عن تأكيد أو نفي احتمال ان توافق الحكومة على اتفاق أقل ضخامة أعلنه اثنان من كبار المصارف الكندية أخيراً لتشكيل مجموعة مصرفية قادرة على التنافس في السوق الدولية. وقال بول مارتان ومراقبون في صناعة المال الكندية تعليقاً على مشروع "سيتي كورب - ترافلرز" الذي أعلن الاثنين الماضي ان مشاريع الاندماج تؤمن للقائمين عليها الثقل الهيكلي الضروري للاستجابة الى متطلبات المستهلك في الحصول على خدمات فورية متنوعة بأقل كلفة ممكنة وبغض النظر عن الحدود الجغرافية لكنها تؤدي عادة الى زيادة حدة المنافسة وتحفز على عقد المزيد من اتفاقات الدمج والتملك. لكن جون كليفورن رئيس مصرف "رويال"، أحد المصرفين الكنديين اللذين توصلا الى اتفاق نهائي للاندماج، شرط حصولهما على موافقة الجهات المختصة في كندا وغيرها من المناطق المعنية، اعتبر المشروع المشار اليه سبباً قوياً يدفع المصارف الراغبة في الاحتفاظ بقدر معقول من القدرات التنافسية في السوق الدولية الى التحرك قبل فوات الأوان. وقال كليفورن في تصريحات للصحافيين أول من أمس في شأن اتفاق اندماج مصرف "رويال" مع مصرف "مونتريال": "غايتنا ان نكون مع العشرة الكبار في منطقة اميركا الشمالية وضمن لائحة العشرين الكبار في العالم ولا زال في مقدرونا تحقيق هذا الهدف لكن العشرة والعشرين الكبار يتحركون ما يحتم جعل مشروعنا بمثابة مرحلة انتقالية وليس نهاية المطاف". وفعلياً لن يحدث مشروع "سيتي كورب - ترافلرز" حسبما قال مسؤول لدى مصرف "مونتريال" في مقابلة مع "الحياة" تغييراً ملحوظاً في ترتيب الكبار، أقله فيما يتعلق باتفاق الاندماج بين مصرفي "رويال" و"مونتريال"، اذ سيحتل المصرف الكندي الجديد المرتبة العاشرة في منطقة اميركا الشمالية والمرتبة 22 عالمياً وذلك من حيث اجمالي قيمة اسهمه المقدر بنحو 27 بليون دولار اميركي حسب اسعار نهاية كانون الثاني يناير الماضي. والذي سيحدث ان مشروع "سيتي كورب - ترافلرز" الذي سيطلق عليه اسم "سيتي غروب" سيتربع على قمة الصناعة المصرفية في اميركا والعالم 135 بليون دولار اميركي وسيليه في منطقة اميركا الشمالية "تيشنزبانك" 58 بليون دولار و"بانك أوف اميركا كورب" 47 بليون دولار و"تشيس مانهاتن" 44 بليون دولار وعالمياً مجموعة "لويدز" 70 بليون دولار ومصرف "طوكيو - ميتسوبيشي" 67 بليون دولار ومجموعة "هونغ كونغ" القابضة 61 بليون دولار. لكن هذا الترتيب الذي أعده مصرف "مونتريال" لا يأخذ بعين الاعتبار مشروع "سيتي غروب" وحسب بل يشمل اثنتين من عمليات الاندماج والتملك الكبيرة التي شهدتها الصناعة المصرفية في العامين الماضيين وهما قيام مصرف "ميتسوبيشي" بتملك نظيره الياباني "طوكيو" في صفقة قيمتها نحو 34 بليون دولار عام 1996 ومشروع انشاء مصرف "يونايتد" السويسري 57 بليون دولار. وساهمت المشاريع المشار اليها في رفع القيمة الاجمالية للاندماجات وصفقات التملك بين المصارف والمؤسسات الناشطة في قطاع الخدمات المالية الأخرى، لا سيما التأمين والوساطة والمحافظ الاستثمارية، منذ نهاية 1987 الى زهاء 1.5 تريليون دولار ما يشير الى مد ما تشكله من تحد لكامل الصناعة المصرفية، بما فيها المصارف الكندية. وقال مسؤول مصرف "مونتريال": سبق مشروع سيتي غروب اندماجات كثيرة وسيتبعها بالتأكيد اتفاقات مماثلة ما يعطينا مبرراً قوياً للمضي في تنفيذ مشروعنا الاندماجي حفاظاً على قدراتنا التنافسية في السوق الدولية". وأشار الى ان مصرف "مونتريال" يحصل على 57 في المئة من أرباحه الصافية خارج سوقه المحلية فيما تبلغ النسبة المماثلة لشريكه مصرف "رويال" نحو 28 في المئة بما فيها بعض الخدمات الاستثمارية الخاصة في منطقة الخليج دبي. لكن مبررات التنافس في السوق الدولية يقابلها تردد ملموس في السوق المحلية الكندية التي تنظر بعين الحذر الى قيام مؤسسة مصرفية ضخمة يبلغ عدد عملائها نحو 17 مليون مستهلك في حين لا يزيد تعداد السكان في كندا على 30 مليون نسمة، حسب أحدث المعطيات الاحصائية، ويبلغ عدد فروعها نحو 3000 فرع ما يعطيها انتشاراً واسعاً يدعمه زهاء 6000 جهاز من أجهزة السحب الآلي. وتخشى لجان حقوق المستهلك الكندية ان يؤدي تمركز الصناعة المصرفية الى الحد من الخيارات المتاحة أمام المستهلك وارتفاع معدلات الرسوم المصرفية فضلاً عن احتمال تأثر نوعية وموضوعية الاستشارات المالية التي يقدمها المصرف لبعض عملائه لا سيما حين يعمد هذا المصرف الى تسويق منتجات متنوعة، كالقروض العقارية والمحافظة الاستثمارية... الخ. كما هي الحال بالنسبة لمشروع "رويال - مونتريال". ويشار الى ان المصارف الكندية الخمسة الكبيرة باتت تملك غالبية المحافظ الاستثمارية ومؤسسات الائتمان بعدما رفعت الحكومة عام 1987 قيود الملكية عن الأعمدة الأربعة الرئيسية لصناعة الخدمات المالية: المصارف ومؤسسات الائتمان وشركات التأمين والمؤسسات الاستثمارية التي كانت في السابق قطاعات مستقلة. و أكد مسؤول مصرف "مونتريال" أهمية ردود أفعال السوق المحلية، اذ ربط وزير المال موافقته على مشروع الاندماج بنتائج استطلاع يشارك فيه ستة الاف مواطن فضلاً عن نتائج سلسلة من الدراسات الميدانية التي ستجريها لجنة مختصة في كل المراكز التجارية داخل كندا لغرض ضمان عدم تعرض قوانين التمركز والازدواجية لمخالفات خطيرة. ولفت في المقابل الى ما أبداه المصرفان من استعداد للوفاء بكل ما يطلب منهما بما فيه التخلص من المؤسسات الفرعية التي تتعارض مع قوانين المنافسة، فضلاً عن تقديم تعهدات مغرية لعملائه أبرزها تخصيص نحو خمسة بلايين دولار لتطوير تقنيات مصرفية تستشرف المستقبل ومنح حاملي الحسابات الشخصية والشركات على حد سواء استشارات وخيارات وخدمات أفضل بكلفة أقل. الا ان المصرف الجديد الذي يبلغ اجمالي قيمة أصوله نحو 300 بليون دولار وينتظر ان يحصل على نصف أرباحه الصافية من العمليات الخارجية يأمل في اقناع الجهات المسؤولة بأهمية مشروعه من خلال التركيز على ان عملية الاندماج هي "الرد العملي على التزايد الكبير في حدة المنافسة العالمية في سوق الخدمات المالية". ويعتقد المراقبون ان مشروع مصرفي "رويال" و"مونتريال" الذي أعلن رسمياً في نهاية كانون الثاني يناير الماضي وحصل أخيراً على موافقة اللجنة المختصة التابعة للاتحاد الأوروبي سيفتح الطريق أمام المزيد من عمليات الاندماج في الصناعة المصرفية في كندا. خصوصاً في حال نال موافقة الحكومة الكندية التي يتوقع ان تعلن موقفها في وقت لاحق من السنة الجارية.