بدأت مصارف أميركية أمس حملة محمومة لدعم رؤوس أموالها من طريق البحث عن مستثمرين راغبين في حيازة أسهمها بعدما أعلن مجلس الاحتياط الفيديرالي (المركزي الأميركي) أن معظم المصارف الكبرى ال 19 التي شاركت في اختبارات استثنائية، ليس قادراً على «امتصاص» خسائر بمئات بلايين الدولارات يحتمل أن تلحق بالقطاع المصرفي، في حال تردت أوضاع الاقتصاد أكثر مما هو متوقع حالياً. وانطلقت الحملة ببيانات صحافية أصدرها ثلاثة عمالقة، «بنك أوف أميركا» و»مورغان ستانلي» و»ويلز فارغو»، وإن كان من المؤكد أن يتسع نطاق المشاركة سريعاً ليشمل بقية المصارف والمؤسسات المالية العشر الكبرى التي أظهرت نتائج «اختبارات الضغط» التي أعلنها مجلس الاحتياط رسمياً مساء الخميس، حاجتها إلى تعزيز رؤوس أموالها بما يصل إلى 75 بليون دولار تحسباً للخسائر المحتملة. وقلّل رئيس مجلس الاحتياط بن برنانكي من خطورة فجوة الرسملة، وأعلن في بيان أنه « حري أن توفر نتائج الاختبارات قدراً كبيراً من الراحة إلى المستثمرين والشعب عموماً، إذ أكدت امتلاك جميع المصارف المشاركة رأس مال أساس كاف لامتصاص المستوى المرتفع من الخسائر المحتملة، وإن كان نصف المؤسسات يحتاج إلى دعم رسملته بزيادة حصة حقوق المساهمين من الأسهم العمومية التي توفر أفضل حماية في الظروف الصعبة». وألزمت أجهزة الرقابة العمالقة الثلاثة «بنك أوف أميركا» و»ويلز فارغو» و»مورغان ستانلي» بردم ثلثي هوة الرسملة، ما يقرب من 50 بليون دولار، بينما رست مهمة ردم الثلث الأخير على البقية الباقية من المصارف العشرة المطالبة بدعم رسملتها وتشمل «سيتي غروب» و»صن ترست» و»ريجينز فاينانشال» و»كي كورب» ومؤسسة التمويل «جي إم آي سي.» لكن تقرير النتائج أوضح أن المصارف العشرة مهددة بمواجهة القسم الأكبر، وفعلياً ما يزيد على 70 في المئة، من الخسائر المحتملة التي تخشى أجهزة الرقابة المصرفية أن تصل حصيلتها في السنتين الحالية والمقبلة، إلى 600 بليون دولار. ولا تشمل هذه الخسائر الضخمة سوى حصة المصارف ال 19 التي شاركت في اختبارات الضغط وتنفرد بثلثي أصول القطاع المصرفي، لكن فقط بنصف قروضه. ونبه برنانكي إلى أن الخسائر ليست قضاءً محتماً، بل ترتبط بظروف استثنائية، مشيراً بذلك إلى سيناريو يفترض انكماش الاقتصاد 3.3 في المئة في 2009 ونموه بوتيرة هزيلة (0.5 في المئة) في 2010 وارتفاع معدل البطالة إلى 8.9 في المئة ومن ثم إلى 10.3 في المئة، وتراجع مؤشر أسعار المنازل بنسبتي 22 و7 في المئة. ويبدو هذا السيناريو أكثر تشاؤماً حتى من صندوق النقد الذي يتوقع 2.8 في المئة انكماشاً في 2009 ونمواً مسطحاً السنة المقبلة. وفي حال ثبت أن السيناريو الحكومي ليس متشائماً كفاية كما يعتقد محللون، فإن العبء الأكبر من الخسائر يقع على اثنين من العمالقة الأكثر تورطاً، إذ يتوقع أن يزيد نصيب «بنك أوف أميركا» على 136 بليون دولار ويحتمل ألاّ يقل نصيب «سيتي غروب» عن 104 بلايين. وطلب إلى الأول زيادة رأس ماله بمقدار 34 بليون للتحصن ضد هذه الخسائر بينما لا تزيد حاجة الثاني عن 5.5 بليون بفضل اتفاق يلزم الحكومة تحويل مساعداتها البالغة 50 بليوناً من أسهم ممتازة إلى عمومية. ويعتقد أن المصارف التي لا تعاني من فجوة رسملة لن تنجو من خسائر، فوفقاً لتقديرات أجهزة الرقابة المصرفية يتوقع أن تصل خسائر «جي بي مورغان تشيز» الذي يحتل المرتبة الثانية بعد «بنك أوف أميركا» من حيث الأصول الموزونة بالأخطار إلى نحو 100 بليون دولار، يتبعه «غولدمان ساكس» بخسائر تقترب قيمتها من 18 بليوناً وتطاول الخسائر مصارف أخرى أقل حجماً ولا تحتاج إلى حقنة رسملة مثل «كابيتال وان» و»ميلون كورب ( نيويورك)» و»بي بي آند تي.» وأفاد مجلس الاحتياط بأن تحقق السيناريو المتشائم يرفع الخسائر الإجمالية، التي تكبدتها المصارف ال19 منذ بداية الأزمة منتصف 2007 إلى 950 بليون دولار بنهاية 2010، موضحاً أن معظم الخسائر الجديدة 455 بليونا تقع في محافظ القروض العاملة لهذه المصارف وخصوصاً الرهون العقارية والقروض الاستهلاكية. ولاحظ أن معدل خسائر محافظ الائتمان، يصل متوسطه إلى 9.1 في المئة من القيمة الإجمالية للقروض التي تملكها ال19، هو الأعلى منذ الكساد العظيم، في ثلاثينات القرن العشرين، ويزيد فعلياً على معدل الذروة التاريخية للخسائر التي منيت بها المصارف الأميركية في أعوام قبل 80 عاماً. ولا يبدو أن خسائر المحافظ الاستثمارية للمصارف ستكون أخف وطأة في حال استجابت للتوقعات وبلغت نحو 135 بليوناً. وحذّر مجلس الاحتياط من أن المصارف الكبرى لا تحتاج إلى سد فجوة الرسملة فحسب، بل يتوجب عليها التحوط لمشاكل محتملة يتعرض لها الائتمان بعد فترة الاختبار في 2011، وحض المصارف على المبادرة إلى إعداد خطط رسملة تتركز على الحصول على رأس المال من الاستثمار الخاص، لكنه لفت إلى أن وزارة الخزانة ستنظر في أي طلب لتحويل أسهمها الممتازة إلى أسهم عمومية. وتمتلك وزارة الخزانة 216 بليون دولار من الأسهم الممتازة للمصارف المشاركة في الاختبارات، ينفرد «بنك أوف أميركا» و»سيتي غروب» بنصفها ويتوزع الباقي على «جي بي مورغان» و»ويلز فارغو» بواقع 25 بليون دولار لكل منهما وكذلك المصارف الأخرى بحصص متفاوته تراوح بين 2 و10 بلايين دولار.