في تحدٍ لارادة الرئيس بوريس يلتسن رفض البرلمان الروسي أمس الجمعة المصادقة على تعيين سيرغي كيريينكو رئيساً للحكومة على رغم تأييد النواب برنامجه الذي اعترف بوجود "أزمة اقتصادية واجتماعية" في البلد، ودعا الى مواجهتها بالتقشف ومساهمة الدولة في ادارة الاقتصاد. ورفض يلتسن المشاركة في جلسة البرلمان إلا انه وجه أمس خطاباً اذاعياً الى الشعب امتدح فيه مرشحه الى رئاسة الوزراء وطلب من النواب ان "يقرروا بسرعة". وأضاف: "لا يوجد لديّ مرشح آخر" في اشارة الى انه سيطرح اسم كيريينكو مرتين أخريين وفي حال رفضه سيستخدم حقه الدستوري في حل البرلمان. واثناء مواجهته مع مجلس الدوما النواب بدا كيريينكو تكنوقراطياً بعيداً عن السياسة، وحصل على تأييد متحفظ من البرلمان عندما أكد ان روسيا تواجه "أزمة معقدة للغاية". وذكر ان حكومة سلفه فيكتور تشيرنوميردين تمكنت من خفض التضخم وتحقيق استقرار مالي، ولكنه أضاف ان "المنجزات انهارت في لحظة واحدة" بسبب الأزمة المالية الآسيوية وانخفاض أسعار النفط والخامات والتقصير في جباية الضرائب. وأشار الى ان خسائر روسيا بسبب هبوط أسعار النفط ستبلغ 5.6 بليون دولار يضاف اليها 5.3 بليون بسبب الأزمة المالية. وتابع ان الديون الخارجية بلغت 122 بليون دولار وينفق لخدمتها حالياً 30 في المئة من الموازنة. وقال ان هذه النسبة سترتفع الى 70 في المئة عام 2001 إذا لم تتخذ اجراءات لوقف التدهور. وأكد كيريينكو ان عملية الخصخصة رافقتها "أخطاء كثيرة"، لكنه قال ان نتائجها لن يعاد النظر فيها إلا في حال ثبوت "انتهاكات" للقانون وفي خلاف ذلك فإن على الدولة تقديم ضمانات للمالكين. ثقة الشعب واعترف المرشح الى رئاسة الحكومة بأن "فقدان ثقة الشعب بالسلطة" من أهم أسباب الأزمة الحالية لكنه رفض اقتراح المعارضة تشكيل "حكومة ثقة شعبية". وقال ان الوزارة ستشكل على أساس الكفاءة. وأكد ان رئيس الدولة منحه صلاحيات اختيار الوزراء، مؤكداً انه "لن يصغي الى أي أحد سوى الرئيس". وحاول المرشح استرضاء مختلف الكتل البرلمانية فأيد مطالب الشيوعيين باتباع سياسة "انهاض الصناعة الوطنية"، ووقف بيع "الممتلكات الاستراتيجية"، وتعزيز تدخلها في ادارة الاقتصاد. ودعم مطالب كتلة الزراعيين بدعوته الى خفض استيراد المواد الغذائية. وقال ان الأجنبية منها تشكل زهاء 50 في المئة من الاستهلاك المحلي. ودعا الى "استراتيجية وفاق" في المجتمع للتغلب على الأزمة الحالية وتشكيل "ترويكا" دائمة تضم الحكومة ومجلسي الدوما والفيديرالية للبت في القضايا الكبرى. واعترف رئيس البرلمان غينادي سيليزنيوف بأن المرشح قدم برنامجاً "جيد المضمون"، لكنه قال انه لم يعرض حلولاً واضحة للمشاكل وطلب من يلتسن "البحث عن مرشح أقوى". واعترف الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف بأن برنامج كيريينكو تضمن "نقاطاً ايجابية"، لكنه رفض تأييد ترشيحه. وكان الزعيم القومي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي أكثر صراحة عندما قال انه لعب مقابل تأييد الترشيح 3 حقائب وزارية لحزبه الديموقراطي الليبرالي، ولم يحصل عليها. وقال ان كيريينكو "أعطانا صفراً وسيأخذ صفراً". وفي رد غير مباشر قال المرشح الى رئاسة الحكومة انه "يرفض المساومة والابتزاز". وأكد ان اختيار الأسماء للوزارة سيتم على أساس الكفاءة وسمى ثلاثة من أعضاء الحكومة الجديدة قال ان الرئىس وافق عليهم وهم يفغيني بريماكوف للخارجية وايغور سيرغييف للدفاع وسيرغي ستيباشين للداخلية. وأظهرت نتائج الاقتراع حصول كيريينكو على 143 صوتاً فيما عارض ترشيحه 186 نائباً، وامتنع خمسة عن التصويت. وكانت المصادقة على تعيينه تقتضي 226 صوتاً من أصل 450 نائباً ما يعني ان الرئيس يلتسن سيضطر الى طرح اسمه مجدداً على ان يتخذ البرلمان قراره الجمعة المقبل. اصرار يلتسن وبعد اعلان قرار البرلمان مباشرة ذكر الكرملين في بيان أن الرئيس بوريس يلتسن قدم طلباً ثانيا أكد فيه تمسكه بكيريينكو وترشيحه مجدداً للمنصب نفسه. ويعني طلب يلتسن أن البرلمان سيصوت مجدداً خلال اسبوع على تعيين كيريينكو الذي قال بعد سماعه نتيجة التصويت أمس: "بصراحة لم أتوقع أن أحصل على هذا العدد من الأصوات"، بينما قال الناطق باسم الرئاسة الروسية سيرغي ياسترجيمبسكي ان نتيجة التصويت "بداية لا بأس بها. لننتظر الجولة الثانية" من التصويت. وفي وقت لاحق شدد كيريينكو، في مؤتمر صحافي عقده بعد عملية التصويت، على انه "من الضروري البدء بالعمل لا أن نماطل في تشكيل الحكومة". ويعطي الدستور الروسي الحق للرئيس يلتسن بأن يعيد طرح المرشح نفسه ثلاث مرات، وبعد ذلك يمكنه إما أن يقدم مرشحاً آخر أو يحل البرلمان ويجري انتخابات جديدة. ويستبعد كثيرون أن يجازف النواب بعواقب حل البرلمان اذا رفضوا مرشح يلتسن ثلاث مرات، إذ أن غالبيتهم قد لا تنتخب مجدداً فيفقدون بذلك الامتيازات الكثيرة، السياسية والمالية، التي توفرها لهم المقاعد النيابية. وفي تطور ذي صلة بالوضع الاقتصادي ذُكر ان الحكومة الروسية والبنك المركزي سيوقعان اليوم السبت برنامجا اقتصاديا لسنة 1998 لفتح الطريق أمام استمرار قرض قيمته عشرة بلايين دولار من صندوق النقد الدولي. وقال كيريينكو بصفته رئيساً معينا للوزراء ان "هذه مسألة عاجلة لا يمكنها الانتظار ولو اسبوعا اخر".