طغت تطورات عملية السلام والازمة العراقية على اعمال مجلس الجامعة العربية، وعبرت مداخلات الوفود عن الغضب حيال سياسات حكومة اسرائيل وعن القلق من استمرار التوتر في منطقة الخليج. وفيما نبه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى خطورة الجمود في عملية السلام، كرر بالحاح دعوته "لاستثمار عاجل وفوري للمناخ العربي بعقد قمة عربية عاجلة لمراجعة الوضع العربي برمته وتحقيق المصالحة الشاملة داخل الأسرة العربية على قاعدة الاحترام والتكافؤ والاخوة". وقال: "اذا كانت هناك عقبات امام عقد قمة عربية بحضور العراق فلتعقد قمة مصغّرة بأسرع ما يمكن... بأسرع ما يمكن... بأسرع ما يمكن"، مشدداً على ضرورة "عودة العراق الى الصف العربي من باب تصحيح المعادلة". وردّ وزير الخارجية المصري عمرو موسى بأن الجامعة العربية ليست مجالاً للبحث في عقد هذه القمة، التي يحتاج عقدها لآلية خاصة تختلف عن اجتماعات وزراء الخارجية. وإذ أكد رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي ضرورة عقد هذه القمة "لاتخاذ التدابير المناسبة حيال التعنت الاسرائيلي"، اوضح الامين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد ان الامر "من اختصاص الزعماء والقادة العرب، والجامعة مستعدة تماماً اذا طلب منها اجراء اتصالات لعقد القمة". واعتبر وزير خارجية السودان مصطفى عثمان اسماعيل، الذي يترأس اعمال دورة المجلس الپ109، ان "الرئيس حسني مبارك، بوصفه رئيس القمة، هو المعني بعد تشاوره مع القادة والزعماء بالدعوة لعقد قمة عربية سواء كانت موسعة ام مصغّرة". وانعكس غياب وزيري الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل والكويتي الشيخ صباح الاحمد الصباح، تراجعاً لفرص التركيز على مناقشة الموقف العربي من العراق. كذلك غاب الوزيران العراقي محمد سعيد الصحاف والقطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. ولفت ايضاً غياب الوزير الليبي جمعة الفزاني، اذ كان متوقعاً ان تكون "قضية لوكربي" في صلب مناقشات مجلس الجامعة، لكن مصادر فسرت لپ"الحياة" ان ليبيا اخذت بنصائح اصدقاء وأشقاء لعدم استفزاز الولاياتالمتحدة والعمل بهدوء وتروٍ على تفعيل قرار محكمة العدل الدولية في شأن اختصاصها بالنظر في قضية لوكربي. وساهم في فرض عملية السلام على اعمال مجلس الجامعة لقاء بين عرفات ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع، في مكتب الأمين العام للجامعة، بترتيب من القدومي الذي شارك فيه مع امين سر المجلس الوطني مندوب فلسطين في الجامعة السفير محمد صبيح. وعلمت "الحياة" ان الشرع لام الفلسطينيين على الطريقة التي تدار بها المفاوضات، فيما برر عرفات ذلك بالرغبة في عدم اعطاء الفرصة للاسرائيليين لتحميل الفلسطينيين مسؤولية تجميد المفاوضات والانسحاب منها. وبدا ان الصراحة التي اتسم بها اللقاء فتحت الباب امام مصالحة فلسطينية - سورية. وتوقع مصدر فلسطيني ان يلتقي عرفات الرئيس حافظ الاسد في دمشق قريباً، واكد تطابق وجهات النظر بين الجانبين السوري والفلسطيني بشأن اهمية عودة التنسيق بين الاطراف المعنية بعملية السلام دول الطوق. ورفض الشرع، الاجابة عن تساؤلات حول مغزى اللقاء مع عرفات، ورد على سؤال لپ"الحياة" قائلا: "اسألو ابو عمار" الذي جاءت اجابته بابتسامة عريضة وهو يهم بركوب سيارته. وقال الشرع لپ"الحياة": "حكومة نتانياهو لا تسعى الى السلام، وعلينا التمسك بالقرارات العربية بخصوص تجميد التطبيع والعلاقات والمفاوضات متعددة الاطراف والمقاطعة العربية لاسرائيل ألاعيب اسرائيل السياسية ندركها، واذا كانوا جادين في تنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 425 فعليهم ان يبادروا الى تنفيذه، فالقرار لا يتضمن اي شروط". وأضاف: "مجلس الجامعة سيدرس افضل وسائل التعبير عن هذا الانزعاج والادانة الشديدة للسياسة الاسرائيلية في عملية السلام ... سنتخذ القرارات المناسبة ردا على تهديدات اسرائيل اسحق موردخاي وسيتم تفعيل المقاطعة الكاملة. هناك اتجاه قوي لدى الوزراء العرب في هذا المجال". وبات من المرجح في ضوء مناقشات الوزراء العرب ورؤساء الوفود، مساء امس، أن يتخذ المجلس قراراً بدعوة الاطراف العربية الى التمسك بقرار القمة العربية الاخيرة وقرارات المجلس السابقة الخاصة بعملية السلام في شأن ربط التطبيع بالتقدم في عملية السلام وحضها على مراجعة الخطوات التي تمت على صعيد فتح مكاتب تمثيلية بالتبادل مع إسرائيل وتطبيع العلاقات سياسياً واقتصادياً وتجارياً. وثمّن اعضاء في المجلس موقف كل من المغرب والامارات رفض منح تأشيرات دخول لمنتخبات اسرائيلية للمشاركة في بطولتين دوليتين لاختراق الضاحية والتجديف استضافتهما مراكش ودبي على الترتيب قبل ايام. وأكدت مشاريع القرارات دعم الموقفين السوري واللبناني في عملية السلام، وموقف لبنان من تنفيذ القرار 425، وادانة مساعي دول نقل سفاراتها في اسرائيل من تل ابيب الى القدس والاستيطان في الاراضي العربية علاوة على التنديد بسياسات حكومة اسرائيل وممارساتها وتحميلها مسؤولية الوضع المتردي للعملية. وكان مجلس الجامعة افتتح اعماله امس ليختتم اليوم باعلان قرارات في شأن 33 قضية على جدول اعماله. وألقى السيد عبدالرحمن المنصوري مساعد وزير الخارجية السعودي كلمة، بالنيابة عن الامير سعود بصفته رئيس الدورة السابقة، مشدداً على "ضرورة احترام اسرائيل كل الاتفاقات التي وقعتها مع الدول العربية"، ومؤكداً ان "مماطلة اسرائيل في تنفيذ هذه الاتفاقات تعرض المنطقة لدوامة من التوتر والعنف". ودعا الامير سعود في كلمته "لأن تكون العلاقات العربية قائمة على تمسك الدول العربية باحترام السيادة الاقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة". ثم تسلم الوزير السوداني رئاسة الدورة، ودعا في كلمة "للوقوف صفاً واحداً في وجه التهديدات الاسرائيلية. وانتقد "المعايير المزدوجة" في تطبيق الشرعية الدولية. وطالب الولاياتالمتحدة وبريطانيا بپ"مراجعة موقفهما من ازمة لوكربي". وأعرب عن سروره لتحقيق انفراج في العلاقة بين مصر والسودان. وتحدث الرئيس الفلسطيني مشدداً على جمود عملية السلام، وقال: "لا أبالغ ان قلت ان لا شيء يتحرك ولا شيء يتقدم في عملية السلام وكل شيء في تراجع". وجدد مطلبه "حماية دولية للشعب الفلسطيني"، موضحاً انه "اصبح واضحاً للمجتمع الدولي ان امن الشعب الفلسطيني هو المهدد وهو الأوْلى بالرعاية والحماية امام الاعتداءات الاسرائيلية اليومية، واني أضع مسألة امن الشعب امام المجتمع الدولي ومجلس الأمن وراعيي عملية السلام والاتحاد الأوروبي والصين واليابان والاخوة العرب بالتحرك العاجل والسريع". ودعا الى "انهاء العقوبات المفروضة على الشعوب العربية ورفعها عن العراق وليبيا والسودان". وفي اجتماع مغلق عقده الوزراء شرح عرفات آخر المعطيات المتوفرة لديه عن المبادرة الاميركية والدور الاوروبي في ضوء محادثاته مع وزير الخارجية البريطاني روبن كوك والامين العام للأمم المتحدة كوفي انان.