نادراً ما أحدثت مادة كانت مدرجة على جدول اعمال مجلس الوزراء سجالاً كالذي اطلقه مشروع الزواج المدني الاختياري وتجلى ذلك في نزاع نشهده اليوم ومصدره رأيان: الاول يؤكد ان مشروع القانون الذي عرضه رئىس الجمهورية الياس الهراوي أقرّ بغالبية ثلثي الأصوات، وأنه سيحال تلقائياً على المجلس النيابي ليدرس في لجنة الادارة والعدل. والآخر يرى ان التصويت بقي محصوراً في جدوى توقيت طرحه، ولم يتم على اساس ما تضمنه المشروع. وبدأ السجال فور انتهاء جلسة مجلس الوزراء ليل اول من امس، اي بعدما أعلم وزير الاعلام باسم السبع الصحافيين ان ما حصل لم يكن تصويتاً على المشروع وإنما على مبدأ طرحه او عدمه في الجلسة. وما ان طلع الصباح حتى سارعت مصادر رسمية في القصر الجمهوري الى تأكيد ان المشروع أقرّ، في مقابل اجماع الوزراء الذين شاركوا في الجلسة وهم يتوزعون بين مؤيد ومعارض، على ابلاغ الصحافيين ان مضمونه لم يناقش على الاطلاق، وان رئىس الجمهورية ردّ على مطالبة الوزراء بمناقشة مواده بالطلب من كل من لديه ملاحظة ان يودعها الامين العام لمجلس الوزراء هشام الشعار، ليرفعها اليه. وسألت "الحياة" المؤتمنين على محاضر الجلسات حقيقة ما دار في الجلسة، وانتهاء بالمعلومات التي دوّنت في المحضر، فاكتفوا بالقول "ان الموضوع دقيق وحساس خصوصاً ان هناك رأيين متعارضين في طريقة التصويت، أي على محتوى المشروع او على مبدأ طرحه في الجلسة. لا نريد ان ندخل طرفاً في السجال الدائر بين اركان الدولة ومن خلالهم الوزراء الذين لديهم آراء متباينة. ونحن من جهتنا نفضل ان تهدأ الامور فور تراجع الفورة السياسية لتعود العلاقة الى حالها الطبيعية، على نحو يترك لرئىسي الجمهورية والحكومة معاودة التواصل من اجل التوصل الى ما يحسم الجدل الدائر". وفي مقابل تأكيد المصادر الرئاسية ان المشروع أقرّ، كان لپ"الحياة" وقفة مع رئىس الحكومة رفيق الحريري الذي عرض وجهة نظره في شأن ما حصل. فقال فور عودته من قصر بعبدا الى دارته في قريطم: "في مستهل الجلسة ابلغنا فخامته انه يود طرح مشروعه للزواج المدني الاختياري، فما كان مني إلا ان تمنيت عليه تأجيل طرحه في الوقت الحاضر، خوفاً من حصول مشكلة في ظل الانقسام السياسي القائم الذي يحتاج الى علاج، خصوصاً أننا في غنى عنها الآن في وقت انتهينا من وداع وزير الخارجية البريطانية روبن كوك لنستعد لاستقبال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ومن الافضل ان نستقبله والبلد في اجواء هادئة". وردّ رئيس الجمهورية: "من حقي ان اطرح مشروع القانون وكنت سلّمت نسخاً منه الى الوزراء قبل مدة ليتسنى لهم درسه وإبداء ملاحظاتهم عليه". وعلّق الحريري: "نحن لا نعترض يا فخامة الرئيس على حقك في طرح المشروع، لكننا نبدي ملاحظات على التوقيت خصوصاً ان المشروع يحتاج الى توافق لا يحلّه التصويت عليه، وأنت شخصياً تعرف ردود الفعل التي صدرت عن قيادات روحية وشخصيات سياسية". وأصرّ الهراوي على طرح المشروع على التصويت شارحاً الاهداف التي دفعته الى طرحه. وعلمت "الحياة" ان عدداً من الوزراء أبدوا رأيهم في موقف رئىس الجمهورية وأن غالبيتهم وقفوا الى جانب طرحه. واللافت ان الوزراء "المحسوبين" على رئىس المجلس النيابي نبيه بري لم يدخلوا طرفاً في السجال واكتفوا بتأييد المشروع بعدما ربط الرئىس الهراوي بتوجيه رسالة الى رئاسة المجلس يطلب فيها تشكيل الهيئة الوطنية العليا التي تتولى التحضير لإلغاء الطائفية السياسية. وكان لوزير العدل بهيج طبارة مداخلة جاء فيها: "عوّدتنا يا فخامة الرئىس اتخاذ قرارات تاريخية ومهمة، ولا أظن ان قرارك في شأن الزواج المدني الاختياري يقل اهمية عن القرارات التي اتخذتها ولا اظن ان تحقيقه يلغي الطائفية السياسية ما لم يأت في سياق برنامج عام. نحن لا نعترض من حيث المبدأ على إلغاء الطائفية السياسية، انما تعرف يا فخامة الرئىس اننا أقررنا المبدأ، والآن نريد مناقشة البنود الواردة فيه، خصوصاً ان الجميع يعرف ان البلد يقوم على تركيبة طائفية يعود تاريخها الى ما قبل احداث 1860". وسأل عن الجهة التي تولت اعداد مشروع القانون، وكان جواب الهراوي: "تمت الاستعانة بعدد من القضاة ورجال القانون". وسأل طبارة عن اسماء هؤلاء القضاة فأجابه رئىس الجمهورية: "لو قلت لك في السابق من هم لكنت تدخلت لتحول دون اعداده". وأضاف: "ان ما حصل اثناء احدى المباريات الرياضية عيب، وبات علينا التصدي لكل محاولات التطييف، وأنا مقتنع بالمشروع ولن انتظر بعد الآن لطرحه. والآن انا مستعد لأمشي من الحكم ولكن لن اتخلى عن المشروع". وهنا تدخّل الحريري وقال: "انت رئيسنا وأدّيت دوراً تاريخياً في البلد ونتمسك بك الى آخر لحظة، ولكن من حقنا ان نبدي ملاحظة على التوقيت تماماً مثل حقك في ان تطرح المشروع، وأنا انطلق من الظروف التي نمرّ فيها". وتحدث الهراوي مجدداً غامزاً من قناة طائفته اي المارونية وقال: "هذا قرار تاريخي، لن اتراجع عن اتخاذه، ولنلغِ الطائفية ولينتخب الشعب رئىس الجمهورية مباشرة، وليأتِ من يأتي الى رئاسة الجمهورية سواء أكان مسيحياً غير ماروني ام مسلماً". ولما انتهى المجلس من التصويت تحدث الحريري مجدداً، وقال: "سأطلب طرح الموضوع في جلسة لاحقة". فأجاب الهراوي: "خلّي غيري يترأس الجلسة ويكون لديه المواصفات التي تتحدث عنها باستمرار"، في ردّ على حديث رئيس الحكومة في مشاوراته عن مواصفات رئىس الجمهورية العتيد. وهكذا اقفلت الجلسة على سجال مستمر على حقيقة ما أقرّه مجلس الوزراء بعدما سارع الوزراء الى نقل معلومات متضاربة الى الصحافيين في بعبدا. وقبل الدخول في سؤال يتعلق بموقف رئيس الحكومة لجهة توقيع المشروع تمهيداً لإحالته على المجلس النيابي، خصوصاً انه يتجنّب الاجابة عنه، ستواجه مسألة الإحالة مشكلة ستبقى قائمة وتعود اساساً الى ان استمرار السجال لن يكون لمصلحة احد. وما انتهى اليه مجلس الوزراء لم يكن واضحاً، إلا في حال العودة الى المحضر الرسمي للجلسة الذي يدوّن عادة، فضلاً عن ان احالة المشروع تحتاج الى توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص، اي نائب رئىس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر الذي اخذ على نفسه عدم الدخول في السجال، كأنه يحسب حساباً لإمكان التوصل الى تسوية لإنهاء الإشكال القائم.