قرر مجلس الوزراء اللبناني وقف العمل بالترخيص لشركتي تلفزيون "ال.بي.سي." و"المستقبل" اللبنانيتين ببث الاخبار والبرامج السياسية على القناة الفضائية لكل منهما، بدءاً من يوم امس بعد مضي نيف وسنة على ترخيصه لهما بذلك، استناداً الى قانون البث الفضائي الذي يعطي الحكومة حق هذا الترخيص. واتخذ مجلس الوزراء هذا القرار في جلسة عقدها امس، بعد اسابيع من السجال الداخلي شغل الوسطين الاعلامي والسياسي على الاعلام في لبنان، بدأ بوقف بث مقابلة للعماد ميشال عون المعارض والمنفي في فرنسا على شاشة تلفزيون "ام.تي.في." والذي سبب تظاهرات وبعد بث "ال.بي.سي." الاحد الماضي مقابلة مع النائب المعارض نجاح واكيم فضائياً وفي لبنان، عقب حملة خاضتها المحطة ضد الرقابة المسبقة على البرامج السياسية الفضائية التي كانت الحكومة تمارسها منذ نحو سنة. وشمل وقف بث البرامج والاخبار السياسية الذي لقي استنكاراً من المعارضة ووسائل الاعلام المرئي وتلويحاً باللجوء الى الوسائل القانونية من اجل التراجع عنه، اضافة الى "ال.بي.سي." التي يترأس مجلس ادارتها بيار الضاهر ويساهم فيها وزير الصحة سليمان فرنجية وكانت تدين في السابق بالولاء ل"القوات اللبنانية" المحظورة، تلفزيون "المستقبل" الذي أسسه رئيس الحكومة رفيق الحريري ويملك اسهماً وعدد من افراد عائلته فيه، وفق الترخيص الذي اعطي له. راجع ص 2 ولا يشمل قرار وقف الاخبار والبرامج السياسية هذا، البث في نطاق الاراضي اللبنانية. وأول البرامج السياسية الذي لم يتم بثه فضائياً كان امس مقابلة لتلفزيون "المستقبل" مع العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله والتي اقتصر بثها على النطاق اللبناني. كذلك ينتظر ان تخضع مقابلة يبثها مساء اليوم تلفزيون "ال.بي.سي." مع وزير شؤون المهجرين وليد جنبلاط للاجراء نفسه. واذ تترقب الاوساط السياسية مفاعيل هذا القرار لجهة امكان قيام حملة جديدة دفاعاً عن الحريات الاعلامية، فإن قرار مجلس الوزراء اقترن بما يشبه التحذير اذ اعتبر ان "اي تحايل" عليه يعرّض مرتكبه للمسؤولية. الا ان مصادر حكومية ووزارية ابلغت "الحياة" مساء امس اثر جلسة مجلس الوزراء انها لا تتوقع ان تذهب اي حملة سياسية ضد ما انتهى اليه المجلس بعيداً، لأن رئيس الحكومة اجرى اتصالات حثيثة توصل في نتيجتها الى تأمين توافق مع رئيسي الجمهورية الياس الهراوي والمجلس النيابي نبيه بري وعدد من القوى السياسية الرئيسية منها الوزيران جنبلاط وفرنجية، خلال اليومين الماضيين على اتخاذ هذا القرار. وشملت هذه الاتصالات المسؤولين السوريين لإبلاغهم ان القرار "لا يستهدف الحد من الحريات بمقدار ما يرمي الى وقف التأثيرات السلبية لنشر الغسيل اللبناني في الخارج، وفي تشجيع الاستثمارات في لبنان وفي علاقاته العربية". واذ تطمئن الحكومة الى ان هذا التوافق الداخلي يحصن قرار مجلس الوزراء، فإن جلسة امس شهدت بسبب الاتصالات التي سبقتها شبه اجماع، لم يشذ عنه سوى وزير السياحة نقولا فتوش الذي تحفظ عنه، وأعلن اعتراضاً علنياً على القرار "جملة وتفصيلاً" بعد انتهائها امام الصحافيين فيما لم يعترض عدد من الوزراء الذين طرحوا محاذير وقف الترخيص بالبث السياسي الفضائي عند التصويت عليه. وتجمعت ل "الحياة" مجموعة من الوقائع عما دار داخل الجلسة التي انعقدت في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة الهراوي بعدما كانت مقررة في القصر الحكومي برئاسة الحريري، والتقى الحريري الهراوي الثامنة صباح امس وطلب منه نقل الجلسة توخياً لتأكيد التوافق على الخطورة بعدما تمت دراسة الخطوة من النواحي القانونية بحيث يحول اخراجها دون الطعن فيها امام مجلس شورى الدولة او اي مرجع آخر. وعند انعقاد الجلسة، استهلها الهراوي مشيراً الى تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي عن تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الرقم 425 واصفاً اياها ب "افخاخ موردخاي". ودعا الهراوي في كلمته الى "عدم الافراط في التنظير في ما قاله الوزير الاسرائيلي، وعدم الاكثار من التحليل، فهذه رمية اعلامية ونحن لا نتلقى رسائل من هذا النوع الاعلامي". وأوضح "اننا دخلنا مفاوضات السلام في مدريد على اساس ان هناك راعياً لعملية السلام خصوصاً الولاياتالمتحدة الاميركية ونحن لم يأتنا اي عرض في شأن تطبيق القرار 425 من الادارة الاميركية وليس من عادتنا ان نتلقى الاقتراحات بواسطة وسائل الاعلام". ونقل وزراء ل "الحياة" عن الهراوي قوله في شأن الاعلام، ان "الوضع بات لا يطاق على هذا الشكل فلا احد في الخارج يسمع ما يقال الا يعتبر ان البلد خربان. هناك مشاريع مشبوهة ضد البلد وبعض الاعلام يخدمها. الحرية مصونة وموجودة اكثر من اي بلد آخر ومع ذلك يتصل بنا البعض من المستثمرين في الخارج ليقول لنا لماذا نأتي الى لبنان ونسمع ما يقال عنه ويثار من مشكلات. واذا سمع الواحد منا كل ما يقال يكتشف ان كل واحد يحكي في الاقتصاد والوضع المالي سواء كان من اختصاصه ام لا، وباسم عرض الاوضاع ومعارضتها يشوهون صورة البلد". وقالت المصادر الوزارية ان الهراوي طلب من وزير الاعلام باسم السبع الكلام فقدم عرضاً ركز فيه على الاثر السلبي لظهور بعض المعارضين على شاشات البث الفضائي في الخارج، وعلى توسل بعض وسائل الاعلام قضية الحريات لفتح معارك سياسية اهدافها لا تتعلق بالملف الاعلامي مقترحاً وقف البث وتشكيل لجنة وزارية تبحث في هذا الملف وتأمين مقومات صعود "تلفزيون لبنان" الى الفضاء. وقال السبع ان رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية فارس بويز يتلقون التقارير من البعثات اللبنانية في الخارج عن الانعكاسات السلبية للبث السياسي الفضائي. ووافقه بويز على ذلك، لكن الاخير ابدى خشيته من ان يثير اي قرار من هذا النوع ملف الحريات، وسأل عن مدى امكانات "تلفزيون لبنان" في ملء الفراغ اذ لا يجوز للبنان ان يغيب عن هذا الميدان. وأكد السبع ان هناك نية لتطوير اوضاع "تلفزيون لبنان" ودعمه ليتمكن من ذلك. وذكرت المصادر الوزارية ان الوزير فرنجية كان ادلى بمداخلة اعرب فيها عن تخوفه من استهداف تلفزيون واحد في هذا القرار وتوجه الى الهراوي قائلاً "جلسة الحكومة نقلت الى بعبدا لأخذ تغطيتك كماروني لا فقط كرئيس للجمهورية، للقرار. وأنا مستعد ان اشارك في تغطية اي قرار يتخذ على ان يكون عادلاً". وحين اوضح له الحريري ان قرار وقف البرامج السياسية الفضائية يشمل المحطتين المرخص لهما بها، ولا يلغي بث باقي البرامج الترفيهية والافلام على الفضاء، اقترح فرنجية الابقاء على الرقابة المسبقة بدل إلغاء البرامج السياسية فأكد له الهراوي ان مجلس شورى الدولة اعتبرها غير قانونية ولا يمكن ابقاؤها. وأعاد الحريري استناداً الى تأييد فرنجية، حصر الاخبار والبرامج السياسية الفضائية ب "تلفزيون لبنان" لصياغة الاقتراحات التي اقرت، داعياً الى تغليب المصلحة العامة. وقالت مصادر وزارية ل "الحياة" ان الحريري "اقر بأنه كان يجب على الدولة ان تدعم تلفزيون لبنان وتؤمن له مقومات البث الفضائي منذ البداية ويجب استدراك هذا الامر الآن". وأوضح وزير الدفاع محسن دلول ان بعض وسائل الاعلام يستخدم منابره للاساءة الى دول عربية وان احدى المحطات "ال.بي.سي." اذاعت خبراً مسيئاً الى احدى هذه الدول والمسؤولين فيها. واعلن الوزير بشارة مرهج انه تحفّظ عن القرار خلال الجلسة، مبدياً تخوفه من تحركات يمكن ان تحصل اذا صدر القرار ومن وضع الحكومة في زاوية معادية للحريات طالباً شرحه للرأي العام. اما الوزير فتوش فاعتبر العودة عن الترخيص غير قانونية وبقي الوحيد المتحفظ عند انتهاء النقاش فيما قال وزير الاسكان محمود أبو حمدان حركة "أمل" عند تشكيل اللجنة الوزارية انه يطلب ان يشمل البحث فيها مسألة حصص الرؤساء في التلفزيونات. اما ممثل جنبلاط الوزير أكرم شهيب فانتقد الاخطاء التي حصلت سابقاً بمنع مقابلة عون وسأل هل تلفزيون لبنان لكل اللبنانيين؟ داعياً الى تفعيل المجلس الوطني للاعلام. ومساء اعلن الحريري في حفلة افطار ان القرار "ليس انتقاصاً من الحريات بل تثبيت لها. نحن في بلد له نظامه وللدول العربية انظمتها ولا نريد اخذ الانظمة العربية ولا هي ستأخذ نظامنا. ونحن فخورون ببلدنا ولا يجوز ان نسرق احلام الشباب ونشوه بلدنا فهذا جريمة". وأوضح "نحن لا نقول ان كل شي تحقق. فهناك شيء تحقق وشيء آخر يحتاج الى متابعة وأمامنا مشوار طويل. ولا نقول ان ليس هناك اخطاء بل نحن نعمل على تجاوزها وتخطيها". ورأى ان "الامور لا تستقيم الا اذا عبرت وسائل الاعلام عن التركيبة اللبنانية ككل وليس عن طائفة او مذهب". ورداً على سؤال، قال الحريري "اعطينا التلفزيونات فرصة بث الاخبار والبرامج السياسية فضائياً ولكن تبين لنا ان الوضع الاعلامي غير صحي لذلك اوقفناه. وهذا قرار اتخذ ولا عودة عنه".