اعتبر المسؤول عن دائرة أوروبا في الخارجية الليبية الوزير السابق عبدالعاطي العبيدي في حديث خاص أجرته معه "الحياة" خلال مروره في العاصمة الفرنسية، ان قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي تأكيد اختصاصها في تحديد مكان محاكمة المتهمين بحادث تفجير الطائرة فوق لوكربي هو "انتصار للحق الدولي" ويظهر ان ليبيا "سعت وتستمر في السعي الى حل مشاكلها من خلال المجتمع الدولي، وان مجلس الأمن ليس مختصاً بتحديد مكان المحاكمة لأن القضية قانونية". وأضاف العبيدي، وهو المسؤول الذي كان استقبل مدير الشرق الأوسط وشمال افريقيا السفير جان كلود كوسران في ليبيا في كانون الأول ديسمبر الماضي، أن وصول فرنسا وليبيا الى حل مشكلة حادث تفجير طائرة "اليوتا" فوق صحراء النيجر "يجب ان يكون عبرة على الأقل لبريطانيا لتسأل فرنسا كيف توصلت الى هذا الحل". وانه تمنى على الجانب الفرنسي ان يوضح تجربته مع ليبيا للشريك البريطاني. وأكد العبيدي ان ليبيا "تبدي كل استعداد" لقبول ما ينتج عن المحاكمة الغيابية للمتهمين في حادث طائرة "يوتا" الفرنسية فوق صحراء النيجر. هنا نص الحديث: لم توافق الولاياتالمتحدةوبريطانيا على قرار محكمة العدل الدولية اختصاصها النظر في مكان محاكمة المتهمين بتفجير طائرة بانام فوق لوكربي، ما هو تعليقكم؟ - منذ البداية اعتبرنا ان قضية لوكربي قانونية ولها حلولها في القانون الدولي. ومنذ بدأت القضية في 1991 كنا نأمل بأن لا تسيّس. وكان ممكناً ان تُحل منذ سنوات. كيف ذلك؟ - بتطبيق اتفاق مونتريال الذي يحدد ان محاكمة المتهمين يمكن ان تجرى في بلد المتهم. نحن حاولنا ان نحاكمهم، ولكن الآخرين رفضوا ذلك ورفضوا التعاون. ولكن كيف يثقون بالقضاء الليبي وبأن يحاكمهم حقاً في ليبيا؟ - لقد تعاونا معهم من أجل الوصول الى حل يضمن محاكمة عادلة بعيدة عن التأثيرات، تظهر الحقيقة وتنصف أسر الضحايا كما تنصف الشعب الليبي الذي يعاني من ذلك. قانون ليبيا يمنعنا من تسليم المتهمين. ومحامو المتهمين يرفضون محاكمة في اسكوتلندا باعتبار ان القضية أصبحت اعلامية أيضاً وأصبح الأشخاص يذكرون كمرتكبين للجريمة قبل محاكمتهم. سعينا من خلال المنظمات الاقليمية للجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية الى طرح حلول تضمن المحاكمة، لكنهم الولاياتالمتحدةوبريطانيا رفضوا ذلك. وفي الجانب الآخر للقضية لجأنا الى محكمة العدل الدولية لتحكم بيننا. والحكم الذي صدر هو ان القضية من اختصاص المحكمة. ونحن نقول انه اذا كان هذا انتصاراً فهو للحق الدولي، وهو يظهر ان المقولة الدائمة بأن ليبيا خارجة عن القانون والمجتمع الدوليين غير صحيحة، اذ سعينا من خلال المجتمع الدولي - ومحكمة لاهاي هي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة - من خلال الحلول التي قدمناها في الماضي الى احترام القانون الدولي. والآن قالت المحكمة انها مختصة في هذا الموضوع وانها ستحدد المكان للمحاكمة. معنى ذلك ان مجلس الأمن ليس مختصاً بتحديد مكان المحاكمة لأن القضية قانونية. ونحن نعتبر هذا انصافاً لشعبنا ولنا، كما نعتبره أملاً للشعوب التي تواجه القوى الكبرى بأن هناك على الأقل محكمة دولية تحدد القانون. شعبنا سعيد بهذا الحكم والخطوة التي ستتبع أن المحكمة ستنظر في موضوع تحديد المكان، ورئيس المحكمة الدولية قاض اميركي، وفيها قاض بريطاني وآخر ياباني. قرار مجلس الأمن، يتحدث عن ثلاثة أشياء: ليبيا الإرهاب، ونحن نعتبر ان هذا الموضوع أصبح تاريخاً، اذ أننا تعاونا مع بريطانيا حول معلومات تتعلق بالجيش الجمهوري الارلندي وبريطانيا اعترفت بذلك في رسائلها، وقد تعاونا مع القضاء الفرنسي حسب قرار مجلس الأمن. ولم يبق إلا مكان محاكمة المتهمين في حادث لوكربي. نحن نعتبر اننا أوفينا بما يتطلبه مجلس الأمن، اما الطرف الآخر فيرفض حكم المحكمة الدولية، بل احرج به. وهكذا سيتضح من الذي يحترم القانون الدولي ومن يرفضه. سنبدأ الاعداد الآن في المحكمة الدولية في لاهاي للنظر في قضية تحديد مكان المحاكمة. واذا طرحت محكمة لاهاي الدولية ان يحاكم المتهمين في مكان آخر غير ليبيا هل توافقون؟ - سبق وأكدنا اننا مع اجراء المحاكمة في بلد محايد نتفق عليه وهذا ما تبنته لجنة ليبيا في الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية والمؤتمر الاسلامي، وحتى المحامين والمتهمين وافقوا على ذلك في رسائل رسمية وجهت الى الدكتور سواير رئيس لجنة أسر ضحايا التفجير، وتمنينا لو أن الجانب البريطاني والاميركي تحاور معنا مثلما عمل الفرنسيون الذين لم يطلبوا تسليم المتهمين، ولكن طلبوا التعاون مع القضاء الفرنسي، وقد تعاونا، فجرت لقاءات عديدة بيننا وبين المسؤولين الفرنسيين والقاضي المسؤول عن الملف الى ان توصلنا الى المراسلات بين العقيد القذافي والرئيس الفرنسي جاك شيراك، وقد طرح العقيد استعدادنا للتعاون مع القاضي الفرنسي ودعاه الى التوجه الى ليبيا فقام القاضي جان لوي بروغيير بزيارة الى ليبيا وبقي مدة وأجرى تحقيقاته ووفرنا له كل ما طلب، وهو أقر بذلك في رسالته الى وزير الخارجية الفرنسي ثم الى مجلس الأمن. كنا نتمنى ولا نزال نتمنى ان يتعاون الطرف البريطاني معنا بهذه الطريقة. النظام القضائي البريطاني والاميركي يختلف عن النظام الفرنسي بأنه لا تعترف بالمحاكمات الغيابية. - نحن مدركون لذلك، ولكن بريطانياوالولاياتالمتحدة ترفضان حتى الحوار. يفترض ان تلتقي الجهات المختصة القضائية والأمنية والسياسية، ولكنهم رفضوا. بذلت جهود على كل المستويات، وأدت في فرنسا الى رسالة العقيد الى الرئيس شيراك وتبعتها خطوات القاضي الفرنسي الذي أكد تعاوننا معه. لكن الطرف الآخر يرفض ذلك ونحن مستعدون. للولايات المتحدة مطلب واحد من الليبيين هو ان يسلموا المتهمين، لكن قانوننا الجنائي يمنع تسليم أي مواطن ليبي، ومحامو المتهمين يرفضون التسليم. بالنسبة الى المتهمين في قضية تفجير الطائرة الفرنسية فوق صحراء النيجر، هل سيحاكمون غيابياً في الخريف المقبل؟ - لقد تعاونا في حدود النظام القضائي في فرنسا وليبيا، والنظام القضائي في البلدين يسمح بالتحقيق مثلما حصل ويسمح بالمحاكمة الغيابية. لننتظر الحكم، وفرنسا حريصة على ان يُراعى هذا الحكم وان يحترم ونحن متفقون على ذلك. لا نريد ان نستبق الاحداث وكل تأكيد بأنه بعد الحكم ستكون هناك لقاءات بين الجهات القضائية المختصة للنظر في الحكم وأياً كان شكله، ما أكد لنا تعاوننا مع فرنسا ان هناك استعداداً للحوار ولحل المشكلة في اطار قرارات مجلس الأمن لحادثي لوكربي ويوتا فوق صحراء النيجر. لقد وصلنا مع فرنسا الى حل، وهذه عبرة يجب ان تؤخذ في الاعتبار، وبريطانيا كدولة أوروبية يُفترض ان تسأل فرنسا كيف توصلت الى هذه النتيجة. هناك حلول على رغم ان بريطانيا لا تملك في نظامها القضائي المحاكمة الغيابية حتى ان في الامكان التحاور حول المحاكمة ومكانها وحول الصعوبات التي تواجههم وصعوباتنا نحن ايضاً، ونستطيع ان نصل الى حل... أما اميركا فأمر مختلف لأن موقفها سياسي واضح. هل طلبتم من فرنسا ان تساعدكم مع البريطانيين في هذا الموضوع؟ - لم نطلب ذلك بشكل مباشر، ولكن تمنينا لو ان تجربتنا مع الفرنسيين توضح للآخرين. واعتقد ان البريطانيين سيسعون الى التعرف الى كيفية الحوار الذي تم بين ليبيا وفرنسا. وبكل تأكيد لو قامت فرنسا بهذا الدور فإنه سيكون مفيداً لليبيا ولكن ايضاً لحل مشكلة اقليمية ودولية وسيساعدنا خصوصاً في تجنيب شعبنا المصاعب وعائلات الضحايا معاناة. في اعتقادنا انه مثلما لعبت فرنسا دوراً نقدره في موضوع الأزمة مع العراق وتجنيب الشعب العراقي ضربة عسكرية تستطيع ان تلعب دوراً حتى في التقريب بين وجهة نظرنا ووجهة نظر بريطانيا واميركا. في رسالته الى الرئيس الفرنسي التزم العقيد القذافي دفع التعويضات لعائلات الضحايا بعد المحاكمة فهل حددت هذه التعويضات؟ - الإلتزام الذي أكده العقيد للرئيس الفرنسي هو التعاون مع القاضي الفرنسي وقبول ما يصدر عن المحاكمة، وطبعاً اذا كانت هناك تعويضات للدفع فستحدد لاحقاً وفي اعتقادنا اننا ننتقد المحاكمة ولكننا متفقون على ان ما يصدر عنها سيكون محل الاحترام من جانبنا، ولكن ليس هناك حديث عن تعويض أو قيمة الآن، فلكل حادث حديث بعد المحاكمة. ولقد أبدينا كل استعدادنا لقبول ما ينتج عن المحاكمة.