الفنان التشكيلي صالح العناني ، الذي تبدو احياء القاهرة في لوحاته مختلطة ببشرها اختلاطاً يكاد يقربها من مشاهد المنامات، دعانا الى كباريه شهرزاد في التوفيقية. كانت طاولاته خالية حين دخلنا. النادلون الذين ارتدوا جميعاً ربطات عنق وأطقماً سوداء وقفوا ينتظرون قرب حائطي القاعة المتباعدين. قال صالح ان الكباريه عرف عزاً في الايام السابقة، ربما كان ذلك في الثلاثينات أو الاربعينات اذ بذلك الزمان يذكّر المكان الباقي من دون اي تغيير يذكر، حتى وقفة النادلين بدت لنا هي ذاتها، ومثلها اللوحات العريضة على الجدران والتي يمثل بعضها منظراً طبيعياً ويمثل بعضها الآخر راقصات يتقدمن عازفين جالسين. اما الفرقة الموسيقية الحقيقية، التي بدأت بالعزف من فور جلوسنا الى الطاولة، فكانت أقل أناقة وترتيباً من تلك التي تنقلها اللوحات. لقد تقادم الزمن على كباريه شهرزاد. هو عتق او انه ظلّ في زمانه الذي تعاقبت عليه، أو تعاقبت فوقه، انعطافات في الزمن متعددة، في الستينات مثلاً لم يعد ما كانه في الاربعينات. انتقل جيل السهر الجديد الى مكان آخر مختلف في شارع آخر من شوارع القاهرة. في السبعينات ايضاً انتقل جيل تال الى أمكنة سهر تالية، وهكذا، حتى بدورنا، نحن وصالح العناني، حادسين بالسنين التي تفصلنا عن المكان حيث نجلس. ثم ان زمن الكباريه الثلاثيني او الاربعيني لم يلق عناية من احد. لم تسع مؤسسة او دائرة حكومية الى تجديده او إحيائه أو الاحتفال به. لقد ترك الكباريه يستمر ببقية الحياة التي ما زالت فيه. المغنون ذوو السمعة يغنون في قاعات الفنادق الفخمة، تلك التي ارتفعت مثل ابراج على ضفاف النيل. ومثل ذلك الراقصات ذوات القوام اللواتي، هنّ ايضاً، حظين بشهرة واسعة. في كباريه شهرزاد بدا لنا المغنون الذين تعاقبوا على المسرح كأنما قدموا من وظائف حكومية استغرقت جهدهم في النهار. اما الاجور التي يتلقونها هنا، لقاء وصلاتهم، فلا تكاد، لقِلتها، تشتري لواحدهم ثياباً جديدة بدلاً من هذه القديمة. اما الراقصات، ونحن شاهدنا منهن اثنتين أدت كل منهما وصلة طويلة، فلم يكنّ أحسن حالاً. صالح العناني قال اننا سنشاهد راقصات أخريات يأتين من بعدهما، اكثر أناقة واحترافاً، إن بقينا في الكباريه لمشاهدة ما سيتلو من عروضه. هذا وقد ظلت الطاولات خالية طيلة فترة جلوسنا، باستثناء طاولة أو اثنتين شغلهما رجال ربما كانوا من زبائن الكباريه المداومين. لكن العرض ظل قائماً هناك، على خشبة المسرح. لم تضعف حماسة المغنين والعازفين ولا حماسة الراقصات بسبب خلو القاعة من المشاهدين. الكباريه العتيق، المستمر برفقة الحياة القليلة الباقية فيه، ما زال محافظاً على تقليد صارم قديم، هذا الذي تكاد حتى السينمات تتجاوز عنه إن وجدت في صالاتها عدد نظارة قليلاً. في ايام الثلاثينات كانت الامور تدار بالاصول. وهذه باقية، البدلات التي يرتديها النادلون قديمة بالية لكنها سوداء جميعها وتتوسط ستراتها ربطات عنق سوداء هي ايضاً. ذلك من مظاهر الماضي ومن تقاليده. الماضي الباقي في القاهرة والذي لا تموت معالمه موتاً فجائياً مثلما يحدث في بيروت إذ ترتفع البنايات الجديدة محل البيوت ذات الحدائق. القاهرة تنتظر ان يموت الشيء من تلقائه، وفي الغالب يمكن للاشياء المتفاوتة في زمنها ان تتعايش معاً. ليس في ما يتعلق بكباريه شهرزاد فقط لكن ايضاً بالاحياء التي ما زال يقطنها بشر لم يبتعدوا كثيراً عن العصر الفاطمي أو العصر المملوكي. كل ما توالى على القاهرة ما زال قائماً فيها. في بيروت لم يبق شيء من ذلك الزمن الثلاثيني او الاربعيني الذي يعود اليه كباريه شهرزاد. لقد أزالت الحرب ابنيته وتكفّل النسيان بما سوى ذلك. في بيروت نحن الآن في الزمن الواحد الاخير، ذاك الذي نحتاج الى رواة معمّرين كي يذكرونا بما سبقه. وأحسب ان ما فعل ذلك ليس الحرب وحدها بل تفرّق الناس في تواريخهم الخاصة وانصرافهم عن اي شيء قد يكون جامعاً. في القاهرة يجد الزائر المتجول التاريخ باقياً. على الطريق القصيرة المؤدية الى مسجدي السلطان حسن والوالدة باشا تتالت مواكب الاعراس موكباً بعد موكب تتقدمها جوقات موسيقية قليلة العدد. بدا ذلك كما لو ان طقس الزفاف القديم يتكرر منذ مئات السنين، أو كأن القادمين في الموكب الذي سيعقبه موكب آخر بعد دقائق هم دفعة من مواكب ما زالت مستمرة منذ وقت يصعب تحديد أوله. ذاك يتعلق ايضاً باسم رفاعة الطهطاوي الذي عبرنا شارعه، هكذا مثلما يتعلق بسعد زغلول الذي مررنا من أمام نصبه مرات كثيرة. ما تبقيه القاهرة في زمنها المجتمع كله في حاضرها لا يقتصر على سياسييها أو عسكرييها فقط بل يشمل ايضاً روادها المعماريين والفكريين وحتى اللغويين. ذاك ان الواقع الذي يكون لواحدهم في زمانه لا يخفت بعد رحيله. المكانة التي يحتلها احدهم في وقت ما تظلّ له. في مركز بيع الاشرطة الموسيقية الذي يديره القطاع العام لم يحتل المطربون الحاليون الا مساحة قليلة من الواجهات. في بيروت، كما في عمان مثلاً او الامارات، يبدو المغنون الجدد كما لو انهم ألغوا من كانوا قبلهم أو انهم أزاحوهم وجلسوا في كراسيهم. اما في القاهرة فما زال النجوم القديمون حاضرين بالقوة ذاتها التي كانت لهم في زمنهم. احتلت أشرطة المغنية شادية واجهة كاملة، ومثلها كان لأشرطة فايزة احمد، هذه التي لم يذكرها غير المصريين الا باغنيتين من اغنياتها أو ثلاث. مصر تبقي فيها كل ما يطلع منها وهي تبقيه، على رغم انقضاء الاوقات، محتلاً مساحته ذاتها. مكتبة مدبولي ما زالت هي هي مكتبة مدبولي، قائمة تعمل. اما مقهى الغروبي، القريب منها في الميدان نفسه، فيتكلم المصريون كثيراً عن تراجعه وزوال عهده، هكذا كأن اسباباً وعوامل كثيرة حالت دون بقائه كما هو. كل شيء يبقى في مساحته: "استديو مصر" ما زال قائماً يعمل هو ايضاً ، كما ما زالت المنطقة المحيطة به ريفية فقيرة حتى ليستطيع السينمائيون الى الآن، بحسب صديق مصري، ان يصوروا الريف على بعد خطوات منه. لم يهرع المستثمرون الى هناك ليقيموا أبنية حوله، شأن ما يجري في بلدان اخرى، على رغم انقضاء عقود كثيرة على تأسيسه. مبنى دار مكتبة الهلال ما زال كما هو بهيكله الداخلي والخارجي كما بمصعده واروقته وابوابه والاثاث الذي لموظفيه. المنشورات التي تصدر عنه ما زالت طباعتها هي ذاتها ايضاً لم تتغيّر. في الكشك الذي على الرصيف، والذي أقيم لبيع منشورات الدار، حدس متصفح الكتب ان المصريين ما زالوا يقرأون، على الورق نفسه، حروف الطباعة ذاتها التي شرعوا بقراءتها وهم بعد صغار. لم يتغيّر شيء كثير في صناعة الكتب فالمطابع، كما المبنى الضخم، عتيقة وقديمة ولم تجدّد. في بيروت لا يعمِّر شيء ولا يطول عهد شيء. الرثاء الذي يلقاه مقهى "الغروبي" في مصر، مع انه ما زال قائماً وإن من دون عزّه السابق، لم تلقه مقاهي بيروت السابقة مجتمعة. في الكتاب الذي أعده شوقي الدويهي عن مقاهي بيروت إحصاء لمقاهي الاحياء التي لم يبق منها الا مقاه معدودة. ذلك جرى في غفلة حتى من ساكني الاحياء أنفسهم، أولئك الذين يطالهم التغيّر، شأنهم شأن مطارحهم، فلا يعودون ينتسبون الى أمكنتهم السابقة. في بيروت ايضاً تبدو الابنية كأنها تسابق بعضها بعضاً في لحاقها بموضة العمارة المستجدة. اننا في عصر أبنية الزجاج، كتب المهندس المعماري رهيف فياض منتقداً بدء الموجة الجديدة في البناء البيروتي وملاحظاً، في الوقت نفسه، كيف ان المطاعم التي تضمها الابنية تتغير هي ايضاً مستبدلة ما كان معالم بيروت بمطاعم لوّنت واجهاتها بألوان فاقعة صارخة. المصريون قد يشكون من ذلك كأن يقولوا ان هذه بناية ارتفعت في مكان بيت كان جميلاً. لكن هذا قليل. ابنية موجات المعمار الجديد قليلة ايضاً وهي، في أي حال، لم تكتسح مشهد القاهرة للطائف متفرّجاً فيها. بيروت تبدو كأنها تزاحم نفسها في تقدمها السريع الى الامام وفي اهمالها لكل ما تخلفه وراءها وإماتته، اما القاهرة فتضم الى صفحتها العريضة الواسعة كل ما تعاقب عليها من أزمنة. وهي القاهرة، تبقي أهل تلك الازمنة موجودين ايضاً في أحيائهم، أي في أزمنتهم. بهذا لا يكون وجود كل جماعة منهم متفاوتاً في انتسابه الى وجود المدينة الواحد، كأن يكون الاغنياء أقرب الى ذلك المحور الواحد مبعدين عنه، بالتفاوت، الطبقات الاخرى ولافظينها الى الظل. يبدو أهل القاهرة كأنهم متوزعون في محاورهم الكثيرة. فلمنطقة الحسين مثلاً وجود لم تسقطه المدينة ولم تقلل من قوّته. القاهرة الواسعة الضخمة يلزمها طاقة هائلة لتتقدم الى الأمام بمعنى ما تفعل بيروت اذ تغيّر هيئتها ومعمارها كل مدة من الزمن. المثقف والصحافي المصري نبيل عبدالفتاح قال ان الإرث المتراكم الباقي كله يجعل حركة مصر بطيئة إذ سيكون عليها، في خطوها الى الأمام، ان تحمل معها ثقلها كله. ثم ان هذا الإرث المتراكم الذي يطبع هيئة المدينة قلما يتيح انفصال نخب متغايرة في أفكارها عن المجموع. وبحسب نبيل عبدالفتاح ايضاً فان الهوة الفاصلة بين المثقفين وسواهم من ابناء تواريخ المدينة لا تلبث ان تعود فتضيق من بعد كل اتساع يلحق بها. في القاهرة، يوم انتصار فريق كرة القدم المصري على فرق افريقيا واحرازه كأس الدورة، هرع مئات الآلاف الى الشوارع يحتفلون بانتصار أبطالهم. هؤلاء ربما كانوا ابناء الاحياء والحارات... لكن في مكتب الوزارة، كما في مكتب رئيس تحرير الصحيفة، كما في غرفة استقبال الشركة السياحية، كان الجميع منهمكين في التفرج على التلفزيون، ذاك الذي كان ينقل وقائع المباراة حية ليساهم في إحيائها حقيقة، وعلى نحو فائض، بنزول الحشود الى الشوارع في مساء اليوم نفسه. قليلون قالوا في يوم الاحتفال ذاك "أنا ماليش في الكورة"، تلك التي لم يعد الانتصار فيها انتصاراً رياضياً بل وطني قومي. صحافي مصري قال انهم بحاجة الى اي انتصار ليسموه انتصاراً. ربما كان الانتصار في شيء هو من قبيل التقدم الى الامام، ذلك الذي تعيقه بؤر المدنية ومحاورها الضخمة الكثيرة. ثم ان المصري يريد ان يحقق انتصاراً من اجل ان يختبر عزّة مصر وقوتها، تلك التي - على رغم التجارب القاسية - يرى انها لم تختبر حقيقة بعد. لذلك دور في ثقل مصر، الثقل الذي هو معاكس للخفّة التي نجدها لبيروت مثلاً، تلك التي يجد اهلها ان مدينتهم تسبقهم وهم عاجزون عن اللحاق بها. لذلك دور في ثقل مصر وفي تشكيل هيئتها. المتحف المصري مثلاً يبدو وكأنه ينبغي له ان يكون شبيهاً بالصورة التي لادارات مصر العامة، على رغم استقباله السياح من جميع انحاء العالم. في أروقته يشعر الزائر بأن شيئاً لا يستطيع عزل المتحف عن هيئة المدينة التي في الخارج. بعض الزائرين قالوا انه أشبه بمخزن للآثار اذ تراكبت القطع الثمينة بعضها لصق بعض، ولم يطرأ على عرضها تحديث تقني يذكر، منذ أربعين سنة ربما أو خمسين. استضافة الروائيين العرب في مؤتمرهم الاول يرى فيها المنظمون المصريون انتصاراً لبلدهم وإن اختلف نوعاً ووقعاً عن انتصار فريق كرة القدم المدوّي. لم يسبق للروائيين من مختلف الدول العربية المتباعدة ان التقوا هكذا في مكان واحد. وفي قاعة الأوبرا، في يومي الافتتاح والختام، بدا ان الاحتفال بالرواية يتعدى كونها فرعاً من فروع الكتابة. بدونا، في حفل الافتتاح، كأننا في واحد من المهرجانات الشعرية القديمة، يوم كانت رقعة الشعر متسعة الى ما يتعدى رجاله والمشتغلين به. لم يكن اللقاء في يوم الافتتاح ذاك اجتماعاً لمختصين قدموا من اجل مناقشة شؤونهم بل احتفال أقيم لتكريس الرواية، الجديدة نسبياً على تقاليدنا الكتابية، فناً أوّل. يرى المنظمون ان في انعقاد المؤتمر في القاهرة انتصاراً لدورها او استعادة له. وهذا ربما كان ليس غايتهم وحدهم بل هو ايضاً غاية المدعوين الذين، في هذين العقدين الاخيرين، أدركوا كم ان "الادب العربي" آخذة أطرافه بالتباعد والانغلاق في حدود أمكنة اصداره. ثم ان الكتّاب العرب، اذ يُدعون الى القاهرة، يأتون مختلفين عن الحال الذي يكونون عليه في بلدان داعية اخرى. فهنا، في القاهرة، يُطلب الاعتراف ويُسعى اليه، فيما يمكن الغض عن ذلك أو تجاهله أو عدم الاكتراث له في مدن عربية غير القاهرة. مؤتمر الرواية هو الاوّل لها، في فترة من ازدهار بيروت وصعود نجمها كمركز للثقافة العربية أقيم، في سنوات مطلع السبعينات، الملتقى الاول للشعر العربي الحديث. الخطوة الاولى، هنا وهناك، تعني الريادة تطلبها، بمعنى ما، الجهة المبادرة اليها، مع ان بين المبادرتين، المؤتمر والملتقى، اختلاف ربما دلّ على اختلاف زمنيهما، كما على اختلاف مكانيهما ايضاً. الملتقى الشعري بدا كأنه اقيم من اجل تكريس الشعر الحديث، ليس بمواجهة الشعر السابق عليه فقط بل ايضاً بمواجهة ثقافة كاملة رأى الشعراء ان هزيمة العرب المدوية في 1967 كانت من ثمارها. آنذاك، في مطلع السبعينات ببيروت، تعرّضت رموز الثقافة العربية كلها الى النقض، بدءاً من لغة الشعر نفسه وصولاً الى رموز العرب الغنائية والعقيدية. وكان معيار الشعر، لدى سامعيه والمحتفلين به، هو مدى قربه أو بعده من الحداثة المحتفى بها آنذاك" كما مدى خبراته في الاعلان عن نقضه ورفضه. ملتقى الشعر العربي الحديث، الاول، كان كما لو انه يعيّن انفصاله او يعلن قطيعته عن المحيط الثقافي الذي يحيط به ويحاصره. في سبيل ذلك، وليكون لهذا الملتقى شكل التجمع الحزبي، جرى ضمّ الشعراء الكاتبين بالفرنسية الى شعر العرب الحديث، هكذا، من اجل ان تكون جبهة المواجهة واسعة عريضة. في ملتقى الرواية الاول بالقاهرة لم يكن الامر كذلك. إذ، من الرواية العربية ذات التاريخ القصير نسبياً ايضاً، لم يظهر بعد ان شيئاً قد يخرج من شيء. لقد اجتمع الروائيون كلهم، هنا، من دون ان يخالف بينهم تعارض في الاصوات أو زعم بعضهم ان الزمن الذي ينتسبون اليه هو زمن ثقافة جديدة. بدت الرواية العربية في مؤتمرها الاول هذا كأنها نتاج مذهب كتابي واحد متصل لا تؤدي الاختلافات التي فيه الى اضطرابه أو الى إقلاقه. رواية واحدة تشترك في كتابتها أجيال روائيين. لم يظهر ان المتأخرين ساعون الى انعطافة تخرجهم من التجارب التي سبقتهم. أو على الاقل، لم يبد ان صوتاً مثل هذا ارتفع عالياً في حلقات المؤتمر وندواته. كأن المدعوين اتفقوا في ما بينهم على الوقوف موقفاً متشابهاً من الاعمال الروائية ذات الاتساع والصيت. هكذا، كأن وقت الانفصال او التجديد لم يحن بعد. ثم ان ما كان يمكن لواحدنا ان يشاهده في اي من المؤتمرات التي كانت تعقد قبل السنوات الاخيرة هذه، من اختلاف الناس أدبياً مثلاً انطلاقاً من اختلافهم السياسي والعقائدي، لم يظهر شيء منه هنا، في مؤتمر الرواية بالقاهرة. كأن زمن الاختلافات العقائدية انقضى بفوات عهد الحزبية وانقضائه. لم يتجمع الروائيون، أو لم يتفرقوا، كتلاً واتجاهات كما كان يمكن، في سابق السنوات، ان يحدث في اي مؤتمر او ملتقى. ذلك يدل طبعاً على سمة وقتنا هذا الذي لا يقتصر انعدام وجود السياسة فيه على بلد عربي دون آخر. أقصد السياسة التي تقيم حولها تيارات وتحلّ أفكاراً محل افكار، لا السياسة المحققة الإجماع على المعارضة "المتطرفة" المعزولة ثقافتها والمبعدة من أي سجال. آخر التسعينات يختلف عن مطلع السبعينات. كأننا، الآن، عدنا الى سوية حاولنا الخروج عنها فلم توصلنا الى ما كنا ننتظره. اختلف الزمن عما كانه، ثم ان مصر، اذ تبدأ شيئاً، تكون تسعى الى ان يكون شمله مجتمعاً، هكذا مثلما هي العائلة الكبيرة.