"... ومع ذلك لم نكن لنطمح في اكثر من ان نقلد السعوديين ونحصل على ما حصلوا عليه من شركة آرامكو، هم الذين لم يكونوا من غلاة الثوريين، ولا من غلاة المعادين لشركات النفط. فلماذا لم نُعط ما تمكنوا هم من الحصول عليه؟". بهذه الكلمات البسيطة، عبر احد النواب الايرانيين التقدميين في ربيع العام 1951 عن المرارة التي كانت ايران كلها تستشعرها ازاء ما كان يحصل لها على صعيد النفط وعلاقة ايران مع الشركات النفطية، معتبراً ان ثمة من الظلم المحيط بايران ما لا يقبله عقل ولا منطق. فالحال ان المملكة العربية السعودية كانت، في خلال العام 1950، في شخص الملك عبدالعزيز بن سعود قد تفاهمت مع شركة الزيت العربية - الاميركية ارامكو على اتفاق بدا يومها مفيداً للطرفين معاً، وهو الاتفاق الذي سيعتبر منذ ذلك الحين نموذجياً ومثلاً يحتذى. اذ عبره حققت السعودية من السيادة على نفطها وعلى سيادتها القومية ما لم تتمكن دول نفطية اخرى من الحصول عليه، الا بعد ذلك بسنوات طويلة. فالسعودية التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية كواحدة من اغنى دول العالم من حيث مخزونها النفطي، استفادت من الدرس الذي انطوى عليه الاتفاق الذي عقدته فنزويلا قبل عامين ويعطيها الحق في 50 في المئة من ارباح النفط التي تحققها الشركات الاميركية العاملة في أرضها، فجاء ذلك الاتفاق يمنح السعودية النسبة نفسها، ما مكّن حكومتها من ان تحقق العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية ومن شق الطرقات واقامة البنى التحتية. وكان الدرس السعودي، اذ يأتي بعد الدرس الفنزويلي، ثميناً يقول ان بالامكان - بالنسبة الى بلد منتج للنفط - ان يحصل على حصته من ثروة بلده دون ثورات او خبطات مفاجئة. والايرانيون حاولوا الاستفادة من ذلك الدرس، لذلك دعوا شركة النفط الانكليزية - الايرانية التي كانت تحتكر التنقيب عن النفط واستخراجه في معظم الحقول الايرانية، الى التفاوض للوصول الى اتفاق يشبه الاتفاق السعودي. وبالفعل بدأ التفاوض، لكن الشركة البريطانية تباطأت في الوصول الى قرارات وحاولت ان تتملص من ذلك كله، مستفيدة من تراخي وتواطؤ الطبقة السياسية الايرانية التي كانت في معظمها مؤيدة لكل ما تريده الشركة، معارضة لأي شيء يطالب به الشعب الايراني وممثلوه في البرلمان. هنا، أمام تقاعس الشركة النفطية وامام تخاذل الحكومة الايرانية، اجتمع مجلس النواب يوم 17 اذار مارس 1951 واتخذ قراره بأن الأوان قد حان ليس لمطالبته الشركة بحصة من الارباح، بل لتأميم النفط وليكن ما يكون. المعارضة الاولى للقرار البرلماني، وقبل ان تأتي من لدن الشركة جاءت من رئيس الحكومة راذ مارا، فلم يلبث ان اغتيل على يد اعضاء في منظمة "فدائيي اسلام"، واثر هذا الاغتيال بدا واضحاً ان الاوضاع سوف تتفاقم، وان الشعب الايراني في قواه الاساسية لن يعود قابلاً بالتراجع عن التأميم. وادرك شاه ايران هذا الواقع، فآثر السلامة على المجابهة، ودعا السياسي العريق محمد مصدق ليطلب اليه تشكيل الحكومة الجديدة، وكان مصدق معروفاً بكونه من اكبر مناصري تأميم النفط في البلد، وهو كان قد خاض الانتخابات النيابية وفاز فيها على "أساس برنامج وطني معاد للامبريالية وعلى اساس المطالبة بتأميم النفط". بدا واضحاً هنا ان الاوضاع سوف تسير الى مزيد من التفاقم، حيث ان اختيار مصدق لتشكيل الحكومة الجديدة، بدلاً من ان يهدىء الاوضاع، كما كان الشاه والانكليز يأملون، زاد من حدتها، لان الشعب ادرك ان اختيار مصدق انما كان، من قبل الشاه، علامة ضعف واقرار بقوة الشارع، ولذلك يجب مواصلة التحرك،. هكذا فهم الانكليز خطورة الموقف وبدأوا يرحّلون موظفي شركة النفط وعائلاتهم، في بواخر استقدمت خصيصاً لذلك الغرض في الصورة موظفو شركة النفط على متن السفينة البريطانية موريشيوس. وكل هذا ادى الى استفحال حركة الشارع واحسّ محمد مصدق انه بات حراً في تحركه، وان عليه ان يواكب حركة الرأي العام، فراح يفاوض الانكليز من جديد، غير ان هؤلاء لم يكونوا - رغم كل شيء - راغبين في تقديم اي تنازل. وهكذا عاش الوضع الايراني شهوراً خطيرة وغريبة، حاول مصدق خلالها ان يعقلن الاوضاع انما من دون ان يقدّم اية تنازلات لشركة النفط تسير ضد ارادة الشارع الذي بات واعياً لمصالحه. وحين احس مصدق في نهاية الامر ان شركة النفط لا تفعل اكثر من محاولة كسب الوقت، عمد في شهر آب اغسطس من العام التالي، الى التمسك بالقرار الذي كان مجلس النواب قد اتخذه في 17 اذار من العام الفائت، فأمم شركات النفط تأميماً حاسماً، مما أثار غضب الانكليز، فقدموا دعوى لمحكمة العدل الدولية ولمجلس الامن التابع للامم المتحدة. غير ان المؤسستين الاخيرتين اعلنتا عدم صلاحيتهما لبحث الامور المشابهة. وبدأت عملية عض أصابع بين الايرانيين والانكليز، انتهت كما نعرف الى هرب الشاه ثم عودته ونهاية مصدق، لكن تلك حكاية اخرى بالطبع.