ذكرت مؤسسة التمويل الدولية آي. آي. اف الخميس الماضي ان تدفق رؤوس الأموال الخاصة الى عدد من الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط ارتفع من 4.6 بليون دولار عام 1996 الى 1.14 بليون دولار عام 1997. وتوقعت ان تتراجع الى 4.12 بليون دولار سنة 1998 مع استمرار تراجع تدفق الأموال الى الأسواق الناشئة في العالم بعد انفجار الأزمة المالية الآسيوية. وكانت الأزمة الآسيوية وضعت في الظل آخر تقرير صدر عن المؤسسة الدولية تحت عنوان "تدفق رؤوس الأموال الى الأسواق الناشئة"، كما سببت الأزمة تراجعاً حاداً في صافي رؤوس الأموال الخاصة الى الأسواق الناشئة الپ29 التي ترصدها المؤسسة الدولية. وبعدما ازداد تدفق رؤوس الأموال باطراد على مدار أعوام عدة لتصل الى ذروة مقدارها 2.295 بليون دولار عام 1996، تراجعت الى 5.199 بليون دولار عام 1997. وتكهنت المؤسسة الدولية، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها وتمثل مصارف العالم الرئيسية، باستمرار تراجع تدفق الأموال الى الأسواق الناشئة السنة الجارية ولن تتجاوز اكثر من 172 بليون دولار، شرط ان تفلح الجهود المبذولة حالياً لاعادة الاستقرار الى اقتصادات الدول الآسيوية. وشدد المسؤولون في المؤسسة الدولية على ان التراجع في تدفق الأموال يعود الى تراجع الأموال المخصصة للاستثمار في آسيا. وقال المسؤولون الخميس الماضي ان عدوى ما حصل في آسيا كانت محدودة على ما يبدو حتى الآن إذ لم تتأثر الأسواق الناشئة الأخرى كثيراً بالأزمة الآسيوية كما كان العاملون في هذه الأسواق يخشون. وفي العام الماضي تراجع صافي رؤوس الأموال التي وجهت الى اندونيسيا والفيليبين وماليزيا وكوريا الجنوبية وتايلاند من 93 بليون دولار 1996 الى 12 بليون دولار فقط. لكن رؤوس الأموال الذاهبة الى دول ناشئة رئيسية أخرى، بما في ذلك دول آسيوية لا تواجه ثقل الأزمة المالية، بقيت على حالها حتى الآن، بل ازدادت على نحو متواضع الى 212 بليون دولار عام 1997 بعدما كانت 202 بليون دولار عام 1996. وأشار تشارلز دالارا المدير الاداري لمؤسسة التمويل الدولية الى ان المؤسسة تنتظر تدفقاً كبيراً من الأموال الى الأسواق الناشئة غير الآسيوية وعودة متدرجة الى العافية في مجال الاقراض المصرفي والاقراض من الأسواق الرأسمالية. وقال ان هذا التدفق غير مضمون لأن المنتظر ان يزداد تمييز المستثمرين والمقرضين حدةً وأن يزداد تحليلهم دقةً للشؤون المالية والاستثمارية بعدما "ذاقوا مرارة الأزمة الآسيوية". وترصد مؤسسة التمويل الدولية 29 دولة ناشئة رئيسية معظمها في آسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا. وتضم "فئة دول أفريقيا/ الشرق الأوسط" التي ترصده المؤسسة خمس دول فقط هي الجزائر ومصر والمغرب وتونس وجنوب افريقيا، مما يعكس الاهتمام الكبير الغالب بآسيا وبأن رؤوس أموال ضخمة ذهبت بالفعل الى أميركا اللاتينية وأوروبا. وقال المسؤولون في مؤسسة التمويل الدولية انهم ينوون البدء برصد الأردن قريباً وأن رصد دول عربية ناشئة أخرى هو قيد الدرس. وأشار المسؤولون ايضاً الى ان حجم الأموال المتدفقة الى "افريقيا/ الشرق الأوسط" ربما يقلّل من شأن التدفق الى اقتصادات المنطقة كلها فيما يبدأ المستثمرون الاهتمام بهذه الاقتصادات. السعودية وقال المسؤولون ان السعودية ستتلقى مزيداً من صافي رؤوس الأموال الخاصة السنة الجارية بعدما بلغ مقدار هذا الصافي تقديراً نحو ثلاثة بلايين دولار العام الماضي. وقدرت المؤسسة الدولية متوسط نسب النمو الاقتصادي في افريقيا والشرق الأوسط بأنه قد يصل الى أربعة في المئة وهو أفضل متوسط بين أسواق العالم الناشئة. وسيكون متوسط نسب النمو في شرق آسيا نحو 8.2 في المئة وهو أدنى متوسط منذ نحو عشرين عاماً، علماً بأن هذا المتوسط كان 2.6 في المئة عام 1997 و8 في المئة عام 1996. والمنتظر ان يتدنى متوسط نسب النمو في أميركا اللاتينية الى 3.3 في المئة بعدما كان 1.5 في المئة عام 1997. وحذرت المؤسسة الدولية في تقريرها من ان تكهناتها قد تخطئ بسبب الشكوك المحيطة بأوضاع آسيا الاقتصادية. وتنتظر المؤسسة، على افتراض ان الجهود الدولية المبذولة لتحقيق استقرار في المنطقة الآسيوية ستنجح، ان صافي رؤوس الأموال الخاصة المتدفقة الى الأسواق الناشئة سيكون نحو 170 بليون دولار سنة 1998. وحذرت المؤسسة الدولية ايضاً من "ان هذا التكهن محاط بمخاطر لا يستهان بها". وإذا اخفقت الجهود التي تبذلها دول آسيا مع صندوق النقد والبنك الدوليين في اعادة العافية الى الأوضاع المالية الآسيوية ربما تراجع تدفق رؤوس الأموال كثيراً وأثّر لا على الدول الآسيوية فقط بل على دول صمدت حتى الآن أمام عاصفة الأزمة الآسيوية. رد على الاتهامات وسعى المسؤولون في مؤسسة التمويل الدولية في تقريرهم الى الرد على بعض الاتهامات القائلة بأن المصارف ساهمت في انفجار الأزمة الآسيوية. وقال وليم رودس، نائب رئيس مجلس ادارة مؤسسة التمويل الدولية، في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي ان المسؤولين في المؤسسة أبدوا قلقاً حيال مقدار السيولة المتدفقة الى الأسواق الناشئة وحيال التراجع المطرد في الفروق بين العائدات عامي 1995 و1996. وأضاف: "حضّت مؤسسة التمويل الدولية المقرضين والمستثمرين، مرات عدّة عام 1997، على القيام بأبحاث مكثّفة وعلى عدم الاتكال على تصنيفات الأهلية للاقتراض او الاقراض. وجاءت الأحداث بعد ذلك لتثبت ان هذا الحض كان في مكانه ولازماً". وأشار تقرير المؤسسة الدولية الى ان الأزمة المالية الآسيوية أقل خطورة من أزمة الديون التي عصفت بأميركا اللاتينية في الثمانينات، وخلص التقرير الى القول: "تشير المقاييس التقليدية الى ان عبء الديون الاسيوية، من وجهة نظر الطاقة على خدمتها على المستوى القومي، أخف من عبء ديون أميركا اللاتينية. كما ان حدة الأزمة الآسيوية، بالنسبة الى استثمارات الأنظمة المالية في الدول الصناعية، أقل من حدة الأزمة الأميركية اللاتينية". وفي حسابات مؤسسة التمويل الدولية وصلت نسب الديون الأميركية اللاتينية الى قمتها عام 1986 وبَلَغت 390 في المئة نسبة الديون الخارجية الى قيمة الصادرات من السلع والخدمات و55 في المئة نسبة الديون الخارجية الى الناتج المحلي الاجمالي. لكن بالنسبة الى الدول الآسيوية الخمسة المتأزمة عام 1997 كانت النسبتان 101 و47 في المئة على التوالي. وكانت سبع عشرة دولة مثقلة بالديون مدينة للمصارف الأميركية التسعة الأكبر، عام 1982، بما بلغ 194 في المئة من رؤوس أموال هذه المصارف كلها. وأشار تقرير مؤسسة التمويل الدولية ان حظوظ حل الأزمة الآسيوية جيدة بسبب القوة الاقتصادية الأساسية التي ينعم بها معظم دول شرقي آسيا، وبسبب التزام هذه الدول البيّن والتصدي للأزمة بالتدابير الصعبة الضرورية.