تسود حال من القلق بين المستثمرين في الأسواق الناشئة التي واجهت انخفاضاً في تدفقات المحفظة، كما برزت مخاوف من عودة عدم الاستقرار إلى أسواق المال في أسعار الصرف وأسواق الأسهم. وأشار «المعهد المالي الدولي» إلى أن تدفقات رؤوس الأموال شهدت تباطؤاً حاداً خلال آب (أغسطس) الماضي إذ بلغت في الأسواق الناشئة 9.3 بليون دولار، وهو أدنى مستوياتها منذ كانون الثاني (يناير) الماضي. ولفت تقرير أصدرته «مجموعة بنك قطر الوطني» أمس إلى أن «هذا الانخفاض كان أكثر حدة في الأسواق الناشئة الأوروبية، كما أن إفريقيا والشرق الأوسط شهدتا تدفقات خارجية، بينما تباطأت تدفقات رؤوس الأموال بشدة إلى الأسواق الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية». وأضاف أن «البيانات الحديثة أشارت إلى أن تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة ستبقى متقلبة، ولكن الاتجاه العام يبقى سلبياً، ما يشير إلى أن المستثمرين لا يزالون قلقين إزاء الأسس الاقتصادية في الأسواق الناشئة ويقللون من توجههم نحوها». وأشار التقرير إلى أن «في مقابل المستويات العالية لتداولات أسواق الأسهم أخيراً في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة، هناك قلق من أن يشكل تراجع تدفقات المحفظة نقطة تحول قد تؤدي إلى تصحيح محتمل للسوق مستقبلاً». ويُتوقع أن ينتهي برنامج شراء الأصول في الولاياتالمتحدة، أو ما يعرف بخفض التيسير الكمي، في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ما يُقلق المستثمرين من التأثير الاقتصادي السلبي المحتمل لزيادة تشديد السياسة المالية ولرفع أسعار الفائدة على المستوى العالمي. أزمة 2008 وكانت تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة ارتفعت في شكل كبير خلال برنامج التيسير الكمي الذي تلى الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ دفعت أسعار الفائدة القريبة من الصفر في الاقتصادات المتقدمة رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة المرتفعة العوائد، ولكن ومنذ إعلان مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي، «المركزي»، في أيار (مايو) 2013 نيته خفض برنامج التيسير الكمي، عانت الأسواق الناشئة موجات هروب رؤوس الأموال، إذ ارتفعت العائدات في الاقتصادات المتقدمة، ما أدى إلى إضعاف عملات الأسواق الناشئة ورفع عوائدها. وللمرة الأولى، نشر «المعهد المالي الدولي» معطيات حول تدفقات المحفظة بحسب المناطق، إذ سلطت الضوء على أكثر المناطق التي يخشاها المستثمرون حالياً. وقدر صافي التدفقات الخارجية للمحفظة في الأسواق الناشئة الأوروبية ب7.3 بليون دولار خلال آب الماضي، وهو الرقم الأكبر منذ كانون الثاني 2010، عندما بدأ المعهد إصدار بياناته. وأكد تقرير «بنك قطر الوطني» أن حالة عدم الاستقرار السياسي في أوكرانيا ساهمت في فقدان المستثمرين الثقة في المنطقة، إذ وصلت التدفقات الخارجية في أوكرانيا إلى 1.1 بليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة، كما أن النسبة العالية لعجز الحساب الجاري، والبالغة 5.5 في المئة من الناتج المحلي، وانخفاض احتياط النقد الأجنبي، والحصة الكبيرة للملكية الأجنبية في الديون السيادية خلال عام 2013، يجعل أوكرانيا عرضة للتدفقات الخارجية للمحفظة. وللتعويض عن هذه التدفقات الخارجية، تتلقى السلطات دعماً لميزان المدفوعات في إطار برنامج جديد لصندوق النقد الدولي. وقُدر صافي التدفقات الخارجية من إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط ب1.5 مليون دولار في آب الماضي، ولكن التفاصيل التي قدمها المعهد لا تعطي معلومات كثيرة عن الدول التي شهدت هذه التدفقات. ويؤكد المعهد أن إفريقيا، وليس الشرق الأوسط، هي التي شهدت الجزء الأكبر لهروب رؤوس الأموال من المنطقة. أميركا اللاتينية ولفت إلى أن «تدفقات المحفظة في أميركا اللاتينية بلغت 8.3 بليون دولار الشهر الماضي، وقد يكون هذا التدفق الموقت مرتبطاً بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل، حيث تدهورت الآفاق الاقتصادية وتراجعت ثقة المستهلكين ورجال الأعمال بعد دخول البلد في ركود اقتصادي خلال النصف الأول من السنة». وفي ما خص الأسواق الناشئة الآسيوية، قدرت تدفقات المحفظة ب9.7 بليون دولار في آب، واستحوذت الهند على الحصة الأكبر ب4.7 بليون دولار. ويبدو أن المستثمرين الأجانب تفاعلوا مع إطلاق سلسلة من المبادرات والإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحفيز النمو منذ انتخاب الإدارة الجديدة لرئيس الوزراء نارندرا مودي في أيار الماضي. ولكن الهشاشة في الأسس الاقتصادية لباقي الأسواق الآسيوية تبقى طاغية.