أعجبني هذا العنوان لديوان الشاعرة التونسية الصاعدة آمال موسى التي وجدت مملكتها في الحلم بحثاً عن ينبوع الأمل المغروس في الأعماق. فالخيار موفق لتشابه بعض الأوصاف بين الأنثى والماء وفيهما كل شيء حي! وعلى رغم تفضيلي الشعر الكلاسيكي التقليدي العريق على الشعر الحديث، فقد وجدت من خلال "نادي الوجدان" الذي تبنيت الدعوة لانشائه ورعايته على مستوى الوطن العربي كله نفحات شعرية راقية ورقيقة عبر عنها الأديب التونسي الكبير محمود المسعدي خير تعبير عندما قال: "ان هذا الشعر الوجداني الرقيق صانته آمال موسى من الآفات حتى يخيل لك حين تقرأها ان نفحة من الروح اليونانية التي ولدت من الماء عرائس البحر المغريات هي التي حدت بالشاعرة الى مغامرة الغوص على طوايا نفسها وأسرار ذاتها والولوج في جدلية ما بين الأنوثة والجسد والماء من نسب سحريقد لا ينكشف سره الا بشبه التجلي الصوفي، حتى كأن الجسد زاد على كونه محل الجمال ان صار معبداً للعشق وأساطير العشاق". وفي هذا الديوان "الانثوي" قصائد "مجنونة" لا تنتهي ولا تتوقف وكأنها أرادت توأمة الأنثى بالجنون والغزل بالجنون والشعر بالجنون. فقد رصدت في مختلف القصائد بصمة الجنون مثل قولها: امرأة الجنون أنا للشعر أتودد سائلة كيف تقيم الأنثى في الأنثى دون ان يتطاير شعاع الأرض! وأيضاً قولها كاهنة الجنون أنا تركت بين الأقفاص قدميَّ وديعة. وتارة اخرى نجدها انثى الجنون… و"ذات الجنون" و"طفلة الجنون" وكأنها تروي "قصة الجنون" الجنون في خانة القصيدة حين تقول: أمامي هو الجنون يكبر حتى أولد النار توقدني اخضراراً ليتني كلي احترق كما فعل بعضي وأعيش الاحتراق! وبعيداً عن الجنون نختار من جنون العشق أو "سَلِ العشقَ": سل الذين بالعشق التحفوا اتزاني اخسر عناقيد العشق ام راعية العشق المبكرة سل ليل العاشقين كيف جواهر صبحي اتلفت فضة الليل سل نرجس العشق كم أغراني لؤلؤ. ولكني عنه طويت الجيد والعنق سل وردة العشق كيف من غفوتها استفاقت حين مسائي لامسها سل: العشاق عن التي بالمرجان رمتهم! وتمضي الشاعرة في طرح الأسئلة لتعبر في "الضوء" عن مكنونات نفسها وتكشف القناع عن جوهرها على رغم كل ما حاولت "طمره" من خلال غموض قصائدها في قولها: قلبي بسيط كأمي تكفيه نبضة حب من رجل بسيط لتضيء ونحن كقراء لا تكفينا نبضة ولا ديوان، وانما نحتاج الى المزيد من الشعر والمزيد من العشق حتى نهنئ الشاعرة بشاعريتها. ونأمل ان يكون "انثى الماء" أول غيث آمال موسى ثم ينهمر ليغمرنا مطر الشعر والوجدانيات وهمسات الرومانسية المفقودة. لقطة يضحك كثيراً من يضحك أخيراً… والله يمهل ولا يهمل.