"علمتني الحياة"، جملة تعودنا ان نسمعها من كبار السن، يقولونها وهم يهزون رؤوسهم هزة العارف ببواطن الامور. لكنها لم تعد مقتصرة عليهم. فالشباب، هم ايضاً، "علمتهم الحياة" على رغم سنواتهم القليلة في معتركها، وصارت ألسنتهم تردد كلمات كبيرة مثل "المصالح، كلام الناس، الغيرة والحسد، عدم الثقة، الحرام والعيب، الحرمان والطموح المقتول..". مشكلات كثيرة تصادفهم، يتجاوزونها، احياناً بعزيمة اكبر وإصرار على عدم الندم على ما فات، وأحياناً اخرى بجملة "ليت احدهم اخبرني بما كان سيحصل معي". لكن في الحالتين هم مقتنعون بأن الانسان لا يتعلم الا من كيسه. الحذر الدائم هي المشكلة التي توردها الفتيات تلقائياً، والسبب خوف الاهل، خصوصاً بعد الدخول الى الجامعة حيث تكثر الاسئلة: "متى تعودين؟ ومع من؟ هل تتابعين كل المحاضرات؟ لا تحكي مع الناس...". سوزان مكوك 20 سنة يزعجها هذا الامر لكن "اهز رأسي وأجيب ببال طويل، لكني افعل ما اريد". - ماذا تفعلين؟ - "هنا المشكلة، فأنا لا افعل شيئاً... اتمنى احياناً لو اقوم بما يبرر كل هذا الخوف.. خوفهم الزائد عليّ يجعلني اراقب نفسي حتى اذا تنفست". أما غادة 21 سنة فهي لم تعد تتقبل كل هذه الاسئلة: "أرد عليهم حسب طريقة السؤال، اذا كان استفزازياً او لا"، لكنها في الوقت نفسه تبرر خوف اهلها: "إنهم يخافون من كلام الناس، وهذا ما يجعلني دائمة الخوف والحذر في علاقاتي". الاستجواب الطويل الذي تخضع له الفتيات، لا يتعدى سؤالاً واحداً يطرح على الشاب: "الى أين؟"، ورغم ذلك فأحمد حوا 20 سنة ينزعج منه كثيراً: "لا احب الشعور اني مسؤول امام احد، اتهرب من الاجابة رغم انها لا تكلفني شيئاً، لا اعرف لماذا؟". أما علي سليمان 20 سنة فيعتبر ان من حق اهله ان يعرفوا الاماكن التي يقصدها: "حتى لو لم يسألوني انا اخبرهم". الحب: مشكلة محرجة.. هذا الخوف الزائد لدى الاهل سببه عدم الرغبة في "تورط" اولادهم في "العلاقات العاطفية"، الموضوع الاساسي الذي يشغل تفكير كل من الجنسين. فالحب او العاطفة هي المشكلة المؤجلة دائماً حتى لحظة الاصطدام بها، ربما لأن الحديث عنها لا يزال محرجاً للطرفين الاهل والاولاد. يحب أحمد زميلته في الجامعة: "عندما قلت لها احبك لم اكن اكذب عليها وقد اعطيتها ثقة كبيرة، لكني اشعر احياناً بفتور نحوها، ربما لأن علاقتنا تطورت كثيراً"، ويقدم تحليله الخاص لما حصل معه: "كنت اسمع كثيراً عن الحب، انه شيء جميل ورائع، فأحببت ان احب ولم احب فعلاً؟ او اني كنت اريد ان اصل الى شيء العلاقة الجنسية. ما اعرفه جيداً هو اني اشعر انني اقترفت خطأ كبيراً لم اعد اريد الاستمرار به". - هل قلت لها؟ - "لا، إنها تحبني كثيراً، خصوصاً ان علاقتنا تطورت كما قلت لك، افكر انه كان يجب ان يخبرني احدهم عن هذه الامور". شادي هنوش 19 سنة قصته مختلفة، فهو حتى الآن لم يحب لكن هناك فتاة تعجبه، لا ينوي ان يعترف لها بحبه لأن هذه الكلمة تنهي كل شيء جميل. هذه الحجة التي تبدو مقنعة بعض الشيء لرومانسيتها، تخفي السبب الحقيقي الذي يورده شادي لاحقاً حين يقول: "ليس سهلاً ان يقول الشاب للفتاة انه يحبها، لماذا يعرض نفسه للرفض". واذا كان الشباب يذكرون قصصهم العاطفية مسبوقة بكلمة: "كنت حابب حب". فإن الفتيات يذكرونها ب"احلى حب في حياتي هو حب المراهقة". تقول غادة: "كان عمري 14 سنة، وهو رفيقي في المدرسة، يهتم بي كثيراً، لا يتركني انتظر في زحمة الدكان، هل تصدقين لم نسلم مرة واحدة على بعضنا باليد". الكلام نفسه تردده سوزان: "اما انا فقد كان ابن الجيران، يلحق بي الى الدكان ويشتري لي الشوكولاته" لكنهما تؤكدان: "الآن عندما نتذكر نحكي عن المواقف وليس عن الاشخاص، بالتأكيد اليوم لا يمكننا التفكير بهم". تحكي زينة بركات 18 سنة عن الموضوع: "كان عمري 13 سنة عندما لفت نظري، كان يبتسم لي، لم يكلمني يوماً لكنه كان دائماً رفيق احلامي، عندما التقيت به بعد سنوات ضحكت على نفسي، فهو ليس الشخص الذي افكر به. كنت اعتقد ان الحب هو ما عشته من نظرات". أسأل: هل تمنيتم لو ان احداً اخبركم بما قد يحصل معكم من قصص لتتفادوها؟ ويأتي الجواب واحداً تقريباً: "ونحن داخل المشكلة كنا نعتقد ذلك، لكن بعد مرور فترة ...، لأنها تجارب ضرورية للاستمرار في هذه الحياة". تؤكد منال هذا الجواب قائلة: "لا يمكن لأحد ان يعرف ماذا سيحصل معه، كنت اسمع كثيراً عن الذين يحبون اشخاصاً من اديان مختلفة ولم افكر بالامر الا عندما حصل معي. الحب شعور لا يترك مجالاً للتفكير، هو تركني وكان قوياً في قراره لكني لا اتذكر هذه الحادثة بندم، وإنما بأسف". ... واقتصادية والمشكلات العاطفية لا تقتصر فقط على توتر المشاعر والبحث عن الحب الحقيقي، انما تتعداها الى المشكلة الاقتصادية كما هو الحال مع نادر 26 سنة: "أحب فتاة منذ ثلاث سنوات، لم نرتبط لأني لا املك شقة بعد، كان اهلي يقولون لي ان العلم هو الاساس، صرت اشك في هذا، المال هو كل شيء". سمر 22 سنة هي ايضاً تنتظر حبيبها: "لا يمكنني ان ارتبط بغيره لأني احبه، لكن امي تقول لي دائماً اني اكبر وهو قد تعجبه فتاة اصغر مني، والعريس الذي يأتي اليوم لن يأتي غداً". غادة، هي ايضاً تسمع كلاماً مشابهاً من امها، ولأنها لا تحب تقول: "احياناً لا اصدقها لأن معظم الشباب الذين قابلتهم كانوا يبحثون عن رغباتهم، لا يحبون الفتاة الا اذا اطاعتهم.. لا يريدونها ان تفكر". الدراسة شادي، هو ايضاً، هناك من لا يريده ان يفكر، وهنا نأتي الى مشكلة النظام الدراسي: "عندنا في الجامعة يقولون للطالب: لا تقلق سنخرجك بعد اربع سنوات شرط ان تحفظ كل ما نقدمه لك، لا تحاول التفكير لأنه ليس ضرورياً. نظام مماثل يقتل كل طموح. يكفي اني لم ادرس الاختصاص الذي احبه بسبب الظروف المادية". العلاقات الى هذه المشكلات، تبرز اخرى متفرقة مثل المصالح، التي تحكي عنها غادة: "عندما دخلت الى الجامعة تعرفت الى عدة فتيات وصرنا اصدقاء، لاحقاً عرفت انهن ترافقنني لاستغلالي، تردن من ينفق عليهن طيلة الوقت، كان يحصل احياناً ان تدعوني احداهن الى الغداء ثم تتظاهر بضياع اموالها. كل الناس مصالح، صعب ايجاد صديق حقيقي". الحسد، تحكي عنه زينة كيالي 20 سنة: "كانت صديقتي المفضلة منذ فترة قصيرة اكتشفت انها تحكي عني بالسوء في غيابي وأمام اشخاص يهمني امرهم". "قلة الذوق" هي ايضاً مشكلة جعلت هادي 21 سنة يغير رأيه في العديد من الاشخاص: "كنت اعمل في المختبر مع احدهم عندما دفعني دفعاً لأنه يريد ان يمر، وكأنه لا يمكنه الاستئذان". علي سليمان الذي لا يعطي للمشكلات الخاصة اية اهمية، تكمن مشكلته في وجود الانسان على هذه الارض: "إنه وجود غلط لأن الحياة غير عادلة، انسان فقير وآخر غني". ثم يضيف مشكلة "عامة" اخرى: "مجتمعنا يخلق وعياً مغلوطاً لدى الافراد بحيث انهم يرضون بالواقع مطلقين تبريرات واهية ويصدقونها". هنا نتساءل، أليس تبرير "لكل مشكلة خصوصيتها" هو ايضاً واه ويتطلب اعادة النظر في كيفية اقامة علاقة افضل مع الشباب، من دون ان تبقى مشكلاتهم مؤجلة؟