معرض الكتاب ومهرجان القرين الثقافي يتحولان كل عام إلى مادة تجاذب سياسي في الكويت، تطغى على النشاطات الثقافية فلا يلتفت الرأي العام بما يكفي إلى اتجاهات التأليف وأساليب العروض الفنية وإلى مدى استيفاء الندوات لموضوعاتها. واضطر عبدالحليم كركلا لأن يتناول في مؤتمر صحافي بداهات يعرفها الجميع عن فرقته بعد حوالى ثلاثين عاماً من انطلاقتها، بأنها فرقة باليه شعبي "تقدم بالموسيقى وحركة الجسد أعمالاً ايقاعية مشهدية درامية لإيصال رسالة حضارية عربية لا مجرد رقص". وكلام كركلا توضيح يبطن رداً على سؤال وجهه النائب الإسلامي وليد الطباطبائي إلى وزير الاعلام يوسف السميط حول طبيعة رقص الفرقة. ويتندر أحد حضور العرض الافتتاحي بأن راقصات فرقة كركلا محتشمات أكثر مما يجب فيظهرن في عدد من اللوحات الراقصات محجبات بل منقبات. "الأندلس: المجد الضائع" عرض كركلا في الكويت، بعد بعلبك وليون وواشنطن ومونتريال وريو دي جانيرو وساو باولو والقاهرة ودبي ومسقط، عمل يركز على رقص المجاميع ليعرض الوجه الحضاري لفتح الأندلس، وكيف أدت صراعات القادة إلى هزيمة العرب هناك. وفي مقاطع من العرض شعر لسعيد عقل بصوته: "أتُرى غرناطة تُنسى... هنا/ إن إليها طرفُ إزميل رنا/ آهتِ الحمراء والقصرُ انضنى/ مجدُ، عُدْ، أنتَ ولا العطفُ العطوف/ ضحكةُ الشمس وهمسُ الأنجم". وما من مقعد بقي فارغاً في عروض كركلا الذي خصص الثلث الأخير من "الأندلس: المجد الضائع" لعودة لبنان، لاعباً بمهارة بالأجساد والألوان والايقاعات، مكسراً الفولكلور ليحوله إلى مفردات يعيد تأليفها بأشكال تبدو بلا نهاية. مهرجان القرين الثقافي في دورته الخامسة هذا العام يقع في منزلة بين منزلتي سليمان العسكري ومحمد الرميحي، الأمينين العامين السابق والجديد للمجلس الوطني للثقافة، وقد بدأ الرميحي سلسلة تعديلات وإضافات منها استحداث سلسلة كتب شهرية عنوانها "الابداع العالمي" تستوعب سلسلة "من المسرح العالمي" وتحل محلها، ومنها إعادة تشغيل المكتبة الوطنية واستحداث مكتبة عامة جديدة في مركز عبدالعزيز حسين الثقافي. مهرجان مديد ومتنوع، سيجري اختصاره وتكثيفه في الموسم المقبل، لئلا يتراجع الجمهور وتضيع الأولويات، كما يحدث في معرض الفنانين الأندونيسيين السبعة الذين أهملهم النقد وفوّت فرصة للانفتاح على تجربة تشكيلية مميزة عبرت عنها اللوحات المعروضة. وعلى رغم نشاطات كثيرة مثل المهرجان الشعري الرابع لدول مجلس التعاون والندوات المصاحبة له، وحفلات موسيقية وغنائية كويتية وسورية، وندوة عن "فن الصوت في الخليج العربي"، فإن السجال السياسي حول معرض الكتاب والممنوع وغير الممنوع فيه كان المادة الطاغية في مجلس الأمة وفي الصحافة وفي هيئات المجتمع. واكتشف متابعو المعرض كتباً معروضة تمس بالكيان الكويتي وتطول وحدة المجتمع، على رغم منع مئات الكتب. وتشكل الأسئلة والاستجوابات عنصر ضغط على وزير الاعلام بعدما أدى ما يماثلها في العام الماضي إلى تغيير وزير الاعلام السابق الوزير الحالي للنفط الشيخ سعود الصباح وإلى تجميد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة. ويبدو أن النواب الإسلاميين وأنصارهم الذين انشأوا 11 صندوقاً للأوقاف تحصل على ميزانيات من وزارة الأوقاف ومنها ما هو مخصص "للثقافة والفكر" يمارسون من خلال هذه الصناديق عملية مزاحمة للهيئات الحكومية، خصوصاً على الصعيد الثقافي، لأن الإسلاميين يتميزون بالحيوية فيما تسود التيارات القومية والليبرالية حال من التراخي والعيش في الماضي. هذا الوضع يضفي الدقة وشيئاً من الحرج على موقف محمد الرميحي الذي يحاول الانفتاح على التيارات السياسية كلها ليستطيع المحافظة على الصورة الثقافية المعهودة للكويت في العالم العربي. ولا يزال المثقفون الكويتيون يتندرون باسماء بعض الكتب التي منعتها الرقابة، مع قدر كثير من الدهشة، ومن مؤلفي الكتب الممنوعة هذه: إدوارد سعيد، ادونيس، عبدالله العلايلي، روجيه غارودي، سعدالدين إبراهيم، جورج خضر، رياض نجيب الريس، فالح عبدالجبار. ومن الممنوعات أيضاً أعمال ابداعية لجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ويوسف القعيد ووصال خالد وفؤاد التكرلي ورضوى عاشور وسعدالله ونوس... ومن أغرب الممنوعات الكتاب التذكاري "عهد الندوة اللبنانية - خمسون سنة من المحاضرة".