دعت سلطة الحكم الذاتي بلسان محمود عباس المعارضة الوطنية الفلسطينية للمشاركة في "مفاوضات الوضع الدائم". وهذه الدعوة تتم بعدما غاصت مجموعة تونسالفلسطينية وأهل اوسلو في مسلسل طويل من عمليات التفرد والانقسام وتدمير البيت الفلسطيني فأوصلت المعادلة الفلسطينية الى درجة من الضعف والوهن حتى جعلت من اي مفاوضات للحل الدائم تقع تحت سقف الاشتراطات والمشاريع التوسعية الاسرائيلية ما دامت الامور محكومة بسقف اتفاقات اوسلو وواي ريفر وتطبيقاتها. في كل الأحوال نقول أن المسألة المطروحة أساساً بالاجابة عن: اولاً، على اي قاعدة سياسية تنعقد مفاوضات الوضع الدائم. ثانياً: بأي مرجعية وطنية فلسطينية. وثالثاً: بأي مرجعية دولية؟ ان الجبهة الديموقراطية وبجانبها فصائل وشخصيات وازنة فلسطينية عملت وتبنت سياسة واقعية عملية وطنية تدعو الى: 1 - اعادة بناء القاعدة السياسية لمفاوضات الوضع الدائم على اساس وفي اطار قرارات الشرعية الدولية خصوصاً القرارين 242 و338 اللذين لا يجيزان الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالقوة ويعتبران القدس والضفة وقطاع غزة اراضي محتلة، والقرار 194 بحق اللاجئين العودة الى ديارهم، وحق النازحين تحت ضغط عدوان 1967 بالعودة بدون قيد ولا شرط عملاً بقرار مجلس الأمن الدولي 237 الصادر في حزيران 1967. 2 - ان تكون المرجعية الوطنية الفلسطينية للمفاوضات ائتلاف منظمة التحرير وعلى اساس البرنامج السياسي المشترك لمنظمة التحرير المستند الى الشرعية الدولية وليس سلطة الحكم الذاتي الواقعة تحت المطرقة الاسرائيلية والسندان الاميركي. 3 - ان تكون المرجعية الدولية هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، الولاياتالمتحدة حتى يتم وضع المفاوضات تحت رعاية دولية مشتركة وفي اطار مجلس الأمن الدولي ومن ثم رد الاعتبار للأمم المتحدة وقراراتها الخاصة بالحقوق الوطنية الفلسطينية وقضايا الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. 4 - وقف المفاوضات الى ان يتوقف الاستيطان ومصادرة الأرض وألا تستمر اسرائيل في تمديد عمليات الاستيطان باعتبار الأرض متنازعاً عليها وليست محتلة، فالآن بعد اتفاق واي ريفر تم البدء ببناء 6 مستوطنات جديدة وشق 14 طريقاً التفافياً ومصادرة 10 في المئة من مساحة الضفة الفلسطينية. هذه القواعد الأساسية الأربعة هي التي تضع مفاوضات الوضع الدائم على سكة السلامة الوطنية والدولية من بداية نفق المفاوضات حتى نهايته وفق قرارات ومرجعية الشرعية الدولية، وتقطع الطريق على سياسة الصفقات الصغيرة التي جعلت الأرض المحتلة "ارضاً عقارية متنازعاً عليها" وليست ارضاً وطنية لشعب فلسطين العربي. وهذه القواعد الأربع تضع نهاية لتمدد سرطان الاستيطان الذي تفاقم بعد اتفاق "واي ريفر"، حيث مصادرة اكثر من 5000 دونم وشق 12 طريق التفافي فقط منذ التوقيع على اعلان واي ريفر. وعليه نقول، ندعو السلطة الفلسطينية التي تدعو المعارضة الوطنية بلسان محمود عباس للمشاركة في مفاوضات الوضع الدائم الى اعلان استعدادها قولاً وعملاً الالتزام بقواعد الشرعية الدولية بدءاً من وقف المفاوضات حتى يتوقف الاستيطان. فهذان نقيضان لا يلتقيان في الاعراف الدولية، لكن السلطة تنحني لهما تحت ضغط نتانياهو وبرنامجه الرابط بين استمرار الاستيطان واستمرار المفاوضات. ان دعوة الأخ ابو مازن ليست جدية ابداً، فهو يريد فقط اطلاق دعوات اعلامية شكلية بلباس وحدوي فضفاض وبمضمون لاديموقراطي يخول نفسه فيه المرجعية الفلسطينية، كما يريد توريط المعارضة الوطنية الواسعة جداً لاتفاق واي بلانتيشن في ذات الهاوية التي تورط فيها منذ اوسلو 1 و2 الذي اهمل القدس والسيادة والمياه والحدود وتركها كلها بيد اسرائيل وأهمل بالكامل اللاجئين والنازحين 62 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني، وبروتوكول الخليل الذي ادى الى تقسيم مدينة خليل الرحمن وفتح قلبها لتفاقم الاستيطان، وأخيراً اتفاق "واي" الذي ترك بالمفتوح الأرض متنازعاً عليها وليست محتلة وفق قرارات الشرعية الدولية التي ادار لها اتفاق اوسلو وواي ريفر الظهر حتى يومنا. دعوة ابو مازن تريد مفاوضات الوضع الدائم مبنية على اتفاق واي وبالتالي تكريس مظالم اوسلو وواي ريفر. وبهذه المفاوضات ستكون النتيجة مأسوية ضم القدس " 52 في المئة من الضفة " 37 في المئة من قطاع غزة بالحد الادنى حسب خرائط التوسع الاسرائيلي ووفق خارطة موردخاي، بينما ترفع خرائط شارون منسوب التوسع الى 64 في المئة، وشارون يمثل الطرف الاسرائيلي في مفاوضات الحل الدائم مع سلطة الحكم الذاتي، بأفكاره وبخريطته التوسعية. على السلطة مراجعة سياستها اولاً، ويد اغلبية المعارضة ستكون بالتأكيد ممدودة لحوار مسؤول يتم فيه بناء برنامج قواسم مشتركة بين الجميع باستراتيجية نضالية جديدة تبدأ من اعلان بسط سيادة دولة فلسطين في 4/5/1999 على كل الأراضي المحتلة حتى حدود 4 حزيران يونيو 1967، واستراتيجية سياسية تفاوضية جديدة وفق الشرعية الدولية. الكرة في ملعب السلطة الفلسطينية فإما ان تستمر في الصعود نحو الهاوية او تعود الى البيت الفلسطيني وبرنامج وحدة الشعب وقرارات الشرعية الدولية. وبدون ذلك لن تخرج عملية تسوية مدريد - اوسلو من نفقها ودهاليزها المظلمة، ويدفع الشعب الفلسطيني الخسائر الصافية يومياً كثمن للسياسات الانقسامية القصيرة النظر التي لا تزال تعلق اوهاماً كبيرة على دور اميركي ضاغط على اسرائيل وتتجاهل ضرورة العمل لدفع كل الخريطة السياسية الدولية للمشاركة بصنع وإحلال السلام في الشرق الأوسط. ان البقاء تحت المظلة الاميركية في رعاية عملية تسوية مدريد - اوسلو كما يريد محمود عباس في دعوته للمعارضة، لن يعطينا في مفاوضات الحل الدائم سوى حلول البانتوستانات تحت السيادة الامنية والعسكرية الاسرائيلية فضلاً عن اضاعة كل العناصر الرئيسية للقضة اللاجئون، القدس... وتركها تحت هبوب الريح الاسرائيلية. ان الدعوة الصادقة والمخلصة والجدية والعملية تكون بالعمل لتلاقي الجميع الى طاولة حوار فلسطيني - فلسطيني استراتيجي يؤسس لاعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية وأعني بها منظمة التحرير الواحدة الموحدة ببرنامجها الوطني وائتلافها الواسع لكل القوى الديموقراطية اليسارية والوطنية القومية والاسلامية المجاهدة وصولاً الى برنامج سياسي فلسطيني ائتلافي مشترك يولد المناخات الضرورية لاعادة تأسيس العملية التفاوضية وارسائها من جديد على الأساس الفعلي للمرجعية الدولية. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.