وجه الرئيس ياسر عرفات أمس رسالة سياسية الى الإسرائيليين دعاهم من خلالها الى دعم اقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها "الورقة الأهم في ملف السلام". لكنه في الوقت نفسه، حذر من ان "بنادقنا جاهزة" و"اننا سنشرعها اذا حاولوا ان يعيقونا من ان نصلي في القدس الشريف". ورد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بالتلويح مجدداً بأن اسرائيل ستمتنع عن تنفيذ بنود اتفاق واي ريفر في حال اعلان الدولة. وقال عرفات في خطاب نقله التلفزيون والاذاعة الفلسطينيان لمناسبة الاحتفالات بالذكرى العاشرة لاعلان الاستقلال خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988: "ان الدولة العتيدة ستعمل من اجل ترسيخ سلام الشجعان، ولن تكون الا بوابة عبور للتفاهم والمحبة بين الشعوب المقيمة على هذه الارض المقدسة وفي المنطقة بأسرها. وأقول للإسرائيليين على انتماءاتهم المختلفة، ان تفهمكم لقيام دولتنا في اعقاب النهاية الزمنية الوشيكة لحقبة اوسلو، سيكون حافزاً قوياً واضافياً لمزيد من التفاهم وعلاقة حسن الجوار والمنافع المتبادلة. ان دولتنا ستكون اهم ورقة في ملف السلام، فنلعمل جميعا من اجلها". واستهل عرفات خطابه بالتأكيد على دلالة احتفال الفلسطينيين باعلان الاستقلال في الوقت الحاضر والذي يكتسب اهميته من "كوننا نضع اقدامنا على ارضنا، ونغذ السير نحو اقامة دولتنا وعاصمتها القدس الشريف بقيادة منظمة التحرير". وقال: "لقد قررنا خيار السلام في ذروة صراع مرير خاضه شعبنا على مدى قرن من الزمن ... وكان آخر التحديات الثورة المسلحة التي اطلقت شرارتها حركة فتح وقادت مسيرتها منظمة التحرير وتوجت بالانتفاضة المباركة التي اقنعت العدو قبل الصديق باستحالة تجاهل الشعب الفلسطيني وحقوقه". واستعرض مراحل التفاوض منذ اتفاق اوسلو وعدد المكاسب من اتفاق واي ريفر، قائلا: "كانت المفاوضات صعبة ... إلا أننا مضينا في هذه الطريق معززين باعتراف سياسي من الطرف الآخر وبتصميم لا يلين بعدم التنازل عن أي من حقوقنا، ولا تراجع عن هدف اقامة الدولة الفلسطينية". واضاف: "في حقبة ما بعد اوسلو، بلغ الصراع السياسي والتفاوضي منعطفات في غاية الخطورة وكادت عملية السلام تلفظ انفاسها الاخيرة بعد مقتل رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين وصعود اليمين الى السلطة وفق برامج مناهضة لعملية السلام. لكننا صمدنا طويلاً أمام الحكومة الاسرائيلية الجديدة وقاومنا محاولتها تغيير مرجعية الاتفاقات والتفاوض عليها مجددا"، معتبرا ان هذه المفاوضات كانت "الأقسى والأشد في عنف الصراع". لكنه اضاف: "الا انه في النهاية، لم يؤد كل ذلك الا الى تبديد الاوهام بامكان ان يستطيع أحد فرض أمر واقع على الشعب الفلسطيني من خلال الضغط والحصار وإلى ادراك متزايد داخل الرأي العام الاسرائىلي ان هدر الوقت لن يؤدي الا الى فقدان الامن". وقال إن ما تحقق "ليس إلا جزءاً محدوداً من حقوقنا، إلا أنه يشكل خطوة كبيرة على طريق استعادة هذه الحقوق جميعها، واضعين في الاعتبار ان مفاوضات الحل النهائي ستبدأ قريبا وعلى جدول أعمالها المواضيع التي تشكل جوهر القضية الفلسطينية وعلى رأسها القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه. ولقد شرعنا في اعداد الطواقم التفاوضية وتدقيق الملفات المعدة من دون ان نغفل أهمية التعاون مع الاشقاء العرب والاصدقاء سواء على صعيد الوثائق او الخبراء". وبعدما جدد اعلانه التزام الاتفاقات الموقعة والاستعداد لتنفيذ كل الاستحقاقات، وجه تحذيراً واضحاً وقوياً إلى أطراف في المعارضة الفلسطينية من محاولة اعطاء الحكومة الاسرائيلية أي ذريعة للتنصل من تنفيذ الاتفاق، ودعاها الى حوار وطني يعزز الوحدة الوطنية ويحشد الطاقات نحو بناء الدولة الفلسطينية. وقال: "ان السلطة الفلسطينية لن تسمح لكائن من كان بالعبث في ساحتنا وان يوفر من خلال ذلك، سواء عن قصد او تواطؤ او جهل، أي ذرائع للجانب الاسرائيلي للافلات من التزاماته او اتخاذ خطوات تضر بمصالح الشعب الفلسطيني ... لكن في الوقت نفسه لن نسمح بأي مساس بديموقراطيتنا التي لم نفرط بها في عهد الثورة ، ولن نفرط فيها في عهد بناء الدولة". وكانت المدن الفلسطينية شهدت أمس احتفالات شعبية في الذكرى السنوية العاشرة لاعلان الاستقلال، تخللتها مسيرات وتظاهرات جابت الساحات العامة، ألقيت خلالها كلمات خطابية بهذه المناسبة، وضمت فعاليات وقوى سياسية. لكن الحدث الأبرز في سياق الاحتفالات باعلان الاستقلال، تمثل بانعقاد المؤتمر الاقليمي الأول لحركة "فتح" في القدسالمحتلة بمشاركة عرفات في جانب منه وإلقائه كلمة أمام نحو ألف مندوب حضروا هذا المؤتمر. وكان تقرر عقد المؤتمر في قاعة مسرح الحكواتي في القدس، لكن السلطات الإسرائيلية منعت عقده، مما اضطر المنظمين إلى عقد جلسته الأولى في "بيت الشرق"، في حضور مسؤول ملف القدس في السلطة الفلسطينية فيصل الحسيني وزياد أبو زياد والنائب المقدسي حاتم عبدالقادر وشخصيات رفيعة المستوى في الحركة. ثم اعلن رفع أعمال المؤتمر والانتقال إلى رام الله لمتابعة جدول أعماله. ومن بين المواضيع المطروحة على جدول المؤتمر انتخابات اللجنة الاقليمية الحركية لمدينة القدس. وفي رام الله، ألقى عرفات خطاباً عاطفياً، وسط هتافات المشاركين في المؤتمر. كما تحدث فيصل الحسيني باسم اللجنة المركزية لحركة "فتح". وقال عرفات: "بنادقنا جاهزة ومستعدون لأن نشرعها إذا حاولوا منعنا من الصلاة في القدس الشريف". وأضاف: "نحن الآن على بعد خطوات من القدس ... وليس فينا أو منا من يفرط بذرة من ترابها". وتابع: "اننا نبني دولتنا شبراً على شبر وحجراً على حجر، وسنتابع ذلك حتى قيام الدولة وعاصمتها القدس"، مشدداً ان اعلان الدولة سيتم في موعده في أيار مايو المقبل، "فهذا حقنا ولنكن أوفياء لاعلان الاستقلال". نتانياهو يحذر إلى ذلك، قال نتانياهو إن التصريحات الخاصة باعلان الدولة تشكل "خرقاً فاضحاً" لاتفاق أوسلو، وتشير إلى نية عرفات نسف اتفاقيتي أوسلو وواي ريفر واقترح على الفلسطينيين التوقف عن الادلاء بهذه التصريحات، قائلاً: "إذا كان لا يهمهم التزام الاتفاقات، فلن نلتزم بها نحن أيضاً". ونقلت الاذاعة الإسرائيلية عن نتانياهو قوله في اجتماع حكومته الأسبوعي: "لا يمكننا القيام بالتزامات ما دام الفلسطينيون يخرقون الاتفاقات ولا يهمنا ما سيقوله الأميركيون". ورأى ديفيد بار ايلان، المسؤول الاعلامي في مكتب نتانياهو، ان تصريحات عرفات "معناها إلغاء اتفاقات أوسلو والخليل وواي ريفر". ودعا الوزير الإسرائيلي موشيه كتساب في الجلسة ذاتها إلى تأجيل البدء في عملية إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي المقرر ان تبدأ اليوم حسب ما نص عليه اتفاق واي. وأكد نتانياهو على هذا الصعيد ان إسرائيل ستبقى تحت سيطرتها الأمنية الكاملة 82 في المئة من مساحة الضفة الغربية حتى بعد المرحلة الأخيرة من إعادة الانتشار، مذكراً بأن الفلسطينيين "كانوا يعتقدون بأنهم سيتسلمون نحو 92 في المئة منها". وتزامنت تصريحات الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي المتبادلة مع مواصلة المبعوث الأميركي لعملية السلام دنيس روس اجتماعاته مع كبار المسؤولين الإسرائيليين بعد ان التقى نتانياهو مرتين منذ وصوله إلى المنطقة مساء الخميس الماضي. ورغم تأكيد روس أنه "لم يأت للتفاوض، بل للاشراف على تنفيذ اتفاق واي ريفر"، بدا أن البنود التي اتفق عليها تحتاج إلى مزيد من التفاوض، إذ لم تحدد إسرائيل عدد الفلسطينيين الذين سيطلقون في نهاية الأسبوع الجاري، فيما لا تزال المحادثات الخاصة بفتح الطريق الخاص بين قطاع غزةوالضفة الغربية مستمرة في ضوء طلب المتزمتين اليهود عدم فتح هذا "الممر الآمن" في أيام السبت والأعياد اليهودية الأخرى، وهو الأمر الذي يقول الفلسطينيون إنه يخالف نصوص الاتفاق. وفي ما يتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من أراض اضافية في الضفة والذي ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن نتانياهو تعهد لعرفات بأن يتم من اثنين في المئة من أصل 13 في المئة الخميس المقبل خلال اتصال هاتفي مساء الجمعة الماضي، عرض الطاقم الوزاري الذي يشرف على الانسحاب خرائط الانسحاب على المستوطنين لوضع تعديلاتهم عليها للمرة الثانية خلال أسبوع، فيما لم يتم عرض هذه الخرائط على الفلسطينيين أنفسهم حتى الآن. وقالت مصادر إسرائيلية ان الحكومة الإسرائيلية ستعقد اجتماعاً لها الأربعاء بعد تصويت الكنيست البرلمان الإسرائيلية على اتفاق واي للنظر في ما إذا التزمت السلطة الفلسطينية التعهدات التي قطعتها في الاتفاق قبل أن تبدأ إسرائيل بتنفيذ المراحل الأولى من الاتفاق.