استوقفتني اثناء قراءة هذا الكتاب الممتع درجة الانسجام التام بين الموقف التقليدي من التجميل والعناية بالجسم والوجه والشعر في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وبين نزوع كثرة من الناس في الغرب في التسعينات الى استخدام وسائل ومواد مستمدة اكثر من الطبيعة في السعي الى تحسين صحتهم وعافيتهم. ومن الامثلة على هذا التوجه نجاح متاجر مثل "بودي شوب"، التي تستخدم مكونات طبيعية في مستحضرات التجميل، وانتشار التدليك والمعالجة بالعطور باستعمال زيوت عطرية. مؤلفة الكتاب ويندي بونافينتورا، وهي من أب ايطالي من صقلية وأم انكليزية، راقصة معروفة ورائدة في تطوير الرقص العربي كفن في الغرب. ونشرت "دار الساقي" قبل بضع سنوات كتابها "أفعى النيل" عن النساء والرقص في العالم العربي، ليصبح من المؤلفات الكلاسيكية عن الموضوع. جالت ويندي انحاء الشرق الاوسط واوروبا، وقامت بتدريس الرقص وتقديم عروض في مهرجانات. وساعدها عملها كراقصة والصداقات التي اقامتها مع نساء من الشرق الاوسط وشمال افريقيا في ان تتعرف على الكثير من العادات المتعلقة بالتجميل في المنطقة. وعنوان الكتاب "الحسناء والشرق" Beauty and the East يتضمن تلاعباً بكلمات "الحسناء والوحش" Beauty and the Beast - عنوان الرواية الشهيرة التي اُنتجت في فيلم. وهو كتاب ممتع، مشحون بروائح الشرق وألوانه وأحاسيسه، ويشمل الهند وبعض البلدان الاسيوية الاخرى بالاضافة الى الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ويخرج القارىء منه باحساس بالانتعاش والراحة. ويقترن النص بتخطيطات جذابة وصور ايضاحية بالالوان اعدتها ايسوبل إدي. وتستند صورة الغلاف على صورة فوتوغرافية لصديقة ايرانية لويندي اسمها فينوس صالح. قد يقلب الكتاب رأساً على عقب فكرة خاطئة شائعة في الغرب مفادها بان المجتمع الشرق اوسطي يتبنى موقفاً متزمتاً من الجسد. وتلفت ويندي الى ان النصوص الاسلامية، بخلاف الديانتين اليهودية والمسيحية، تتناول المتع الحسية. وتقول ويندي ان لديها ذكريات بهيجة عن أكل البرتقال مع صديقاتها في حمام البخار والاستلقاء تحت أشعة الشمس بينما تزيّن قدماها بتصاميم دقيقة بالحناء. وهي تأمل في ان يشجّع الكتاب كل من يقرأه على ان يجرّب بعض العادات التي تعرضها. وتحدد ويندي الروائح والعطور باعتبارها سمة مشتركة لكل العادات سواء من افريقيا او اسيا او الشرق الاوسط. ويُستخدم الورد والتوابل والزيوت المعطرة بوفرة. وهي لا تُستخدم لتنظيف الجسد وتعطيره فحسب بل تستعمل ايضاً لاضفاء نكهة على الطعام واعطاء الملابس رائحة رقيقة وتعطير الاثاث، في طقوس متنوعة ترتبط بحسن الضيافة. ونشأت في بابل قبل الاف السنين فكرة مزج زيوت معطّرة بالملاط عند البناء، لتنبعث رائحة شذية من الجدران في حر النهار. يحتوي الكتاب وفرة من التفاصيل التاريخية، مثل عادة التدليك باستخدام زيوت معطّرة تشبه العلاج بالعطور في الوقت الحاضر قبل خمسة آلاف سنة في العالم القديم، واستعمال السومريين والبابليين لماكياج محضّر من مواد صبغية ملوّنة، وعادة تعطير الشعر المستعار للضيوف في مصر القديمة باستخدام زيوت معطرة. وتمزج ويندي هذه الخلفية التاريخية بمجموعة من افكار التجميل المفيدة والوصفات والنوادر المسلية التي التقطت بعضها من دائرة صداقاتها الواسعة التي تشمل نساء عربيات وايرانيات وتركيات. ومن ضمن التقنيات المتنوعة التي تعرضها إزالة الشعر بواسطة مزيج السكر وتخضيب الشعر بالحناء وتنظيم اللؤلؤ في الشعر. كما يتضمن الكتاب اقساماً حول تاريخ واستخدام بعض مستحضرات التجميل التقليدية الاكثر اهمية، مثل الورد والليمون وزيت الزيتون والمسك والكحل وخشب الصندل والبخور والبرتقال والحناء وخشب الأرز والمرّ. تكتب ويندي بالتفصيل عن دور حمامات البخار في الشرق الاوسط تاريخياً وفي عصرنا الحاضر، وتقدم وصفاًً طريفاً لاول زيارة لها الى حمام في استنبول في السبعينات. وكانت الحمامات العامة تقليداً شائعاً في الشرق الاوسط، ويُعتبر الاهتمام بالنظافة من متطلبات الدين بالاضافة الى كونه احد اوجه العافية. وفي القرن العاشر، بلغ عدد الحمامات في بغداد 27 الف حمام. بالمقارنة مع ذلك، لم تصبح عادة الاستحمام شائعة في الغرب الاّ قبل وقت قريب نسبياً. ومع ان الرجال العائدين الى اوروبا ايام الحملات الصليبية حاولوا ان ينشئوا حمامات بخار، فان مثل هذه الاماكن انحطت واكتسبت سمعة سيئة فاُغلقت. وتلفت ويندي الى انه في الوقت الذي تحاول صناعة التجميل ان تُقنع النساء بشراء منتجات غالية، مع ادعاءات مبالغ بها عما ستحققه من نتائج، فان علاجات التجميل البسيطة يمكن ان تُحضّر بسهولة في المنزل ولا تقل فاعلية عن تلك التي تصنّعها شركات عالمية. وفي بلدان كثيرة في الشرق الاوسط يُستخدم اللبن كأساس لقناع التجميل للوجه، خصوصاً للبشرة الجافة. وتقول ويندي: "اذا كان لديك في مخزن الاطعمة زيت الزيتون وليمون ولبن وبيض وفواكه وعسل ودقيق الشوفان، فانك تملكين كل المكونات الضرورية للحصول على بشرة ناعمة تحصل على تغذية جيدة، من دون الحاجة الى منتجات تجارية مكلفة". ومن المثير للاهتمام ان شركات كبيرة منتجة لمستحضرات التجميل بدأت في السنوات الاخيرة تضيف فيتامينات وحوامض مستخلصة من الفواكه الى منتجاتها، فيما كانت النساء في الشرق الاوسط يعرفن مثل هذه الاشياء بشكل غريزي منذ الاف السنين. كان الشَعر على امتداد الاف السنين موضوعاً للفولكلور والميثولوجيا والكتابات الدينية في انحاء العالم. وتعرض ويندي في كتابها وصفات لعلاجات متنوعة للشعر، وتقول ان افضل معالج للشعر - اطلاقاً حسب رأيها - بما في ذلك كل المنتجات الغربية التي جرّبتها، هو الغسول المغربي: مزيح من الطحلب واوراق الورد والاعشاب المسحوقة. ويختتم الكتاب بفصل عن البيئة والاحتفال بالمناسبات، بما فيها حرق البخور في المنزل وطقوس الزواج والرقص. وتقول ويندي انها ستبتعد عن المواضيع الشرق اوسطية في مشروعها الكتابي المقبل الذي سيتضمن روايات خيالية قصيرة. ولنا ان نتوقع، اذا اتخذنا من كتاب "الحسناء والشرق" مقياساً، ان تكون هذه الروايات ايضاً نابضة بالحياة وحس الفكاهة والحيوية. Beauty And The East BY: Windy Buonaventura Saqi Books-London 1998 ISBN 0-86356-081-