ماجد كيالي المشروع "الشرق أوسطي" مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي 1998 180 صفحة يتعرض العالم العربي، في المرحلة الحالية - مرحلة ما بعد الحرب الباردة - وللمرة الثالثة في اثناء هذا القرن لمحاولة صياغة جديدة لأوضاعه بتشكيل خارطة جغرافية - سياسية تستهدف تعميق تجزئته وتبعيته على أسس جديدة غير تلك التي قامت عليها المحاولتان الأولى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية والثانية إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور المشروع الصهيوني في فلسطين على حقيقته. وكما في المحاولتين السابقتين، يجري، في المحاولة الثالثة، العمل على فرض ارادة القوة وتجاهل ارادة شعوب المنطقة، العرب خصوصاً، التي يراد لها ان تشكل حاضنة المشروع "الشرق أوسطي" بما يتلاءم مع مصالح القوى الكبرى، وخصوصاً القوة الأكبر - الولاياتالمتحدة التي تقود ما صار يعرف بالنظام العالمي الجديد. فما هو النظام الشرق أوسطي، ما الدول التي يتشكل منها، ما أبعاده الدولية، ما وظيفته ومرتكزاته، ما مؤسساته وآليات عمله، ما آفاق نجاحه وما معوقاته، وما البديل منه عربياً، أم انه قدر لا بد منه؟ هذه الأسئلة وغيرها مما يربط هذا المشروع بجذوره وأهدافه وآفاقه وتناقضاته، هي موضوع دراسة الباحث الفلسطيني ماجد كيالي. الدراسة التي تحاول رسم تصور شامل، وان بإيجاز، للمشروع، من خلال المراجع الاساسية التي تتيح فهم هذا المشروع، "من خلال الادراكين الاميركي والاسرائيلي لا بناء على رغباتنا وأفكارنا الذاتية..."، دون ان يعني هذا غياب وجهة نظر الباحث هنا وهناك. في مقدمة وتسعة فصول وخاتمة، يرسم الباحث ملامح "المشروع الشرق أوسطي: أبعاده، مرتكزاته، وتناقضاته"، بدءاً من اعتباره نظاماً اقليمياً - جغرافياً، لا توميا، تعددياً، قاعدته الاساسية هي المصالح، ويولد تفاعلات وتأثيرات تعزز دور المؤسسات الاقليمية والديناميات الخاصة بها على حساب المؤسسات الوطنية المحلية، مروراً بوظيفته السياسية على المستويين الاقليمي والدولي، وانتهاء بوجود التفاوت بين أطرافه، حيث "لا يمكن الحديث عن نظام اقليمي مثالي يقوم على أساس توازن المصالح أو التكافؤ بين الأطراف، ففي أي نظام اقليمي لا بد من وجود أطراف تتفاوت في قوتها وفي نفوذها، كما قد يوجد مركز وأطراف، أو طرف مهيمن وأطراف تابعة أو مهمشة". وفي حالة النظام الاقليمي الشرق أوسطي، الذي يأتي في سياق الهيمنة المطلقة لأميركا ومحاولاتها فرض تصوراتها، فإن المشروع الذي جاء متزامناً، ومتداخلاً، مع مشروع تسوية الصراع العربي - الصهيوني، قد حمل منذ البداية تصوراً لطمس الهويات - والهوية العربية تحديداً - في المنطقة، لمصلحة هوية واحدة جديدة، ففي الوقت الذي تصبح "اسرائيل" عضواً طبيعياً فيه، يجري فصل المغرب العربي... حتى يكون العرب أقلية بين قوميات اخرى ايرانوباكستانوتركيا. وبرغم محاولات اظهار المشروع بوصفه اقتصادياً، عبر اختزاله احياناً في مصطلح "سوق شرق أوسطية"، فإن الطابع الغالب على هذا المشروع، بحسب الباحث، طابع سياسي، حيث الجانب الاقتصادي "أحد العناصر المكونة له" وحيث "الجانب الاقتصادي، بحد ذاته، يتضمن بعداً سياسياً واضحاً". وفي هذا تأكيد على أقوال باحثين مثل يوسف صايغ وثناء عبدالله حول ضبابية المفهوم وسياسيته وكونه يهدف، في واحد من أهدافه "تبرير شرعية الوجود الاسرائيلي"، هذا الوجود الذي يهدد استمراره بالويلات للمنطقة، حيث اسرائيل مشروع سياسي له دور وظيفي يقوم على خدمة مصالح المركز المهيمن على الصعيد الدولي بريطانيا سابقاً والولاياتالمتحدة حالياً. في هذا الفهم للمشروع الصهيوني تتركز الميزة الأساسية لرؤية الباحث الذي ينطلق من هذه الرؤية في رؤية العلاقات المتشابكة بين أطراف المشروع أولاً، وفي رؤية ارتباط كل طرف وعلاقته مع المركز المهيمن ثانياً. ومن هنا تنشأ خصوصية هذا البحث وعلاقته بمجموعة الابحاث والدراسات التي عالجت المشروع الشرق أوسطي. ان محاولة الباحث إظهار الحد الأقصى الممكن من الموضوعية، عبر اطلاعه وإفادته من مجموعة كبيرة من الدراسات والتقارير والمؤتمرات لا تمنعه من توظيف المعطيات المتوافرة له في خدمة تصور عروبي - قومي، تتضح ملامحه في "خاتمة" البحث عندما يضع الوحدة العربية القائمة "على اسس جديدة وملائمة لمسار تطور الدولة القطرية - الوطنية من جهة، ولمسار تطور العمل العربي المشترك من جهة ثانية" وحيث "العناصر التاريخية والحضارية والنضالية يمكنها ان تغني مسار التكامل والتوحد العربيين، اذا بُني هذا المسار على مراعاة مستوى التطوير والتفاوت السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول العربية، و... على أساس تحقيق مصالح ومنافع حيوية للدول العربية، في اطار من المرونة والتكافؤ في علاقات مختلف الأطراف"، يضع هذه الوحدة في مواجهة المشروع الشرق أوسطي الأميركي الصهيوني في أهدافه البعيدة المدى. ولا يصل الباحث الى هذه الپ"خاتمة" إلا عبر قراءة متسلسلة وهادئة، لا معمقة في "العوامل المحركة للمشروع الشرق أوسطي" وكل من "التصور الاميركي" و"التصورات الاسرائيلية" و"المواقف العربية الرسمية" وموقف وموقع تركيا في هذا النظام - المشروع، وما الآليات والمرتكزات التي تحركه، وما هي، رغم ذلك، المعوقات التي جعلت المشروع يبقى تصورات على الورق؟ فالمشروع امتداد لمشروعات اميركية - دولية، من ترومان الى ايزنهاور وكارتر وريغان أساسه نظرية ملء الفراغ في مواجهة الخطر الشيوعي والقومية الراديكالية والاسلام الأصولي لآن، وكان من تجسيداتها: النقطة الرابعة، حلف بغداد، الاجماع الاستراتيجي... الخ. وباستعراض مواقف الأطراف في المنطقة، نجد تباين مواقف الانظمة العربية الى ثلاث فئات: القبول المطلق، القبول المشروط، والرفض المطلق ولكن غير القادر - ربما - على المواجهة. وبالنظر الى "طبيعة" دولة اسرائيل، بوصفها ذلك المشروع السياسي - الوظيفي، يتتبع الباحث موقفها العام، ومواقف حزبيها الرئيسيين، من المشروع، على المدى البعيد، كما في نطاق الراهن المتعلق بوقائع تسوية الصراع في المنطقة.ويكاد القارئ يتيقن - إن لم يتأكد حقاً، مدفوعاً بمطالعة الباحث للوقائع - من ان المشروع غير قابل لأن يغدو واقعاً مفروضاً، ليس بحكم معارضة العرب له - فغالبتيهم تقبل به، وإن بشروط - بل بحكم تركيبة الكيان الصهيوني. فلا تصورات ليكود/ نتانياهو، ولا رؤى العمل/ بيريز، أو حتى باراك، يمكن ان تنتج مفهوماً "واقعياً" لشرق أوسط تحتفظ فيه اسرائيل بنقائها وتفوقها وأمنها في آن. أما "النجاحات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية التي حققها المشروع الشرق أوسطي والتي تتمثل بجوانب مهمة..." يورد المؤلف منها "القبول العربي باسرائيل، والاتجاه نحو خيار المفاوضات لحل قضايا الصراع العربي - الاسرائيلي، والاستعداد للدخول في مشروعات تعاون ثنائية واقليمية معها..."، فهي ليست مما يسمح بالمبالغة في التفاؤل لأنصار المشروع. لكن العكس، أي التسرع في اعتبار المشروع "في طور الاحتضار" ليس امراً سهلاً، ذلك - بحسب الباحث - ان شمعون بيريز يصر، برغم كل مواقف حكومة نتانياهو، على ان "الشرق الأوسط الجديد الذي حدثتكم عنه، وفيه تبدو اسرائيل مندمجة في العالم العربي وبموقع طليعي، هو ليس حلماً". وعلى رغم اشارات الباحث الى تجميد ايرانوالعراق، في هذه المرحلة من مراحل العمل على المشروع فقد كان من الضروري بمكان النظر الى الدور الذي تنهض به ايران، عبر سورية وبعض دول الخليج، في مناوأة المشروع. ففي التحالف السوري - الايراني، وما ينطوي عليه من صور التعاون، تقف ايران داعماً حقيقياً وراء مناهضة سورية للمشروع ككل، وللرؤية الاسرائيلية للمشروع ايضاً، بما في ذلك الرؤية الاسرائيلية ل "السلام". وحتى العراق، وبرغم كل ما أصابه منذ الحرب الأخيرة، يمكن النظر الى دور يلعبه في اتجاه المشروع، وذلك من خلال العلاقة التي يقيمها مع الدول العربية ومع دول العالم - الكبرى فرنسا، روسيا، الصين. أما باكستان، فقد تجاهلها البحث، وكأنها - رغم إدراجها في الدول التي يتشكل منها المشروع - غير موجودة، أو ليست لها أية فاعلية في هذه الاطار. أشير أخيراً الى نقطة اساسية في البحث تجعل مشروع الشرق الأوسط أمراً مرحلياً - أعني النقطة التي ترى في المشروع نتاجاً لتحولات معينة، في معنى ان في امكان أية تحولات جديدة على الساحة الدولية ان تعصف به، وربما كان المشروع الأوروبي "المتوسطي" البديل الأكثر قبولاً في المنطقة العربية - بحسب الباحث دائماً.