مثل المحامي كريم بقرادوني وكيل قائد "القوات اللبنانية" المحظورة الدكتور سمير جعجع أمام المجلس العدلي برئاسة القاضي منير حنين وحضور المدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم في دعوى اغتيال الرئيس رشيد كرامي، شاهد حق عام. واستحوذ مثوله أهمية خاصة نظراً الى ما قدّمه في رده على اسئلة الرئاسة من وقائع سياسية تتعلق بالظروف التي كانت سائدة بين عامي 1986 و1987 في شرق بيروت وغربها والخلافات داخل ال"القوات" والوضع اللبناني عموماً لكنه جعل الحضور في القاعة يشخص اليه في انتباه تام، اذ بعدما أيد كل ما ورد في افاداته في كل الدعاوى السابقة وأمام المجلس العدلي لجهة ان الإمرة هي لقائد "القوات اللبنانية" وخصوصاً في المجالين العسكري والأمني، قال "انني منذ قراءتي وتأملي في القرار الصادر عن المجلس العدلي في متفجرة كنيسة سيدة النجاة، صرت أعيد النظر في النظرية القائلة بالإمرة المطلقة لقائد القوات على كل أجهزتها، اذ لفتني ان هناك خلية اسرائىلية عملت ولمدة طويلة من داخل القوات ومن دون علم قائدها، ففجّرت الكنيسة، ولفتني حيثية اخرى تقول ان بعض عناصر القوات المرتبطين باسرائىل كانوا يجمعون معلومات عن الدكتور جعجع بالذات ليفيدوا بها المخابرات الاسرائىلية". وحصل في بداية الجلسة نقاش ومشادات احياناً بين عضوم وجهة الادعاء من جهة، وبقرادوني وجهة الدفاع من جهة اخرى في شأن سماع الشاهد كونه الى ذلك وكيل دفاع لكن الرئاسة حسمت الامر بجعل بقرادوني يقسم اليمين قبل سماع اقواله. وفي إفادته، قال بقرادوني انه سمع نبأ اغتيال كرامي من الاذاعات وكان في منزله في غدراس، فاتصل على الفور بجعجع وبالرئيسين كميل شمعون وامين الجميل والدكتور جورج سعادة، "فاتفقنا على: جمع أكبر حجم من المعلومات عن الحادث واصدار بيانات استنكار وادانة للاغتيال واعلان الحداد الوطني ليوم واحد. ومن ثم اتصلت بالدائرة الاعلامية للقوات لتحضير مشروع بيان باسمها وبالمعنيين بالاسواق والمدارس لتأمين الاضراب والحداد. وقد تم ذلك". واكد ان "القوات" "لم تتمكن من المشاركة في مأتم الرئيس كرامي نظراً الى الاوضاع الامنية آنذاك، وكذلك الحال بالنسبة الى الفاعليات في المناطق الاخرى في ما يتعلق بالمشاركة في مأتمي بشير الجميل وبيار الجميل". ولما سألته الرئاسة هل جعجع كان الآمر الناهي خلال العام 87؟ أجاب "احياناً كنا نكابر وفي جزء من ذلك لم نكن نتصور ان احداً لا يستطيع اختراقنا في مدة معينة، ومثلاً لم نفكر ان استشهاد بشير الجميل هو اختراق كبير للقوات ولكن مع الوقت يصبح الانسان أكثر تواضعاً". وكيف يفسر ان القوات كانت مخروقة خلال ال87 فيما استمرت رحلات عناصرها الى اسرائىل حتى بعد العام 1990؟ أجاب: "اسرائىل استفادت من هذا الامر. وأبرز رواية لعلاقات الموارنة باسرائىل ما جاء في كتاب جوزف ابو خليل الذي أكد انها كانت علاقة اضطرار لا خيار، علماً ان اسرائىل اتّبعت سياسة "البيانو" في لبنان وكانت تلعب بكل الطوائف وتثير الفتنة بينها". وسئل: هل كان ولاء غسان توما مطلقاً لجعجع؟ أجاب "ان توما كان من اول الذين التحقوا بجعجع في ثكنة القطارة عام 1977، وعندما اصبح جعجع قائداً ل"القوات" عينه رئىساً لجهاز الامن فيها. اما بالنسبة الى الولاء فبين مزدوجين الله أعلم". وسئل هل حصلت مساجلات كلامية عنيفة بين جعجع وكرامي خلال المدة التي سبقت اغتيال الاخير، أجاب "الخطاب السياسي لا يمكن فصله عن الظرف السياسي وهو اثناء الحرب يختلف عنه اثناء السلم. الخطاب السياسي كان تعبوياً عند كل الاطراف والمشادات الكلامية لم تكن محصورة بين كرامي وجعجع بل بين الاحزاب والقوى في الشرقية والغربية". وفسر ما ورد على غلاف مجلة "المسيرة" بعد اغتيال كرامي مات ليحيا لبنان، بأنه تكريم له، موضحاً انه لم يكن يشرف مباشرة على وسائل الاعلام القواتية لأنه كان يثق بالقيمين عليها. فرد عليه حنين بالقول ان الادعاء لا يعتبر ذلك تكريماً، فعلق بقرادوني "احترم رأيه". ونفى ان تكون القرارات الامنية تتخذ على مستوى القيادة او ان يكون اطلع شخصياً مسبقاً على التخطيط لتفجير مطرانية زحلة اثناء وجود الوزير إيلي حبيقة فيها بتكليف توما احد الاشخاص القيام بالعملية. وقال انه لم يكن يتعاطى الشؤون العسكرية والامنية والمالية، وان عمله كان محصوراً بالسياسة.