ربما لأن الواقعة التي تورط فيها قبل ايام علي حميدة مطرب الالبوم الوحيد "لولاكي" لا يمكن ان تمر مرور الكرام. ولأن الحادث سيكون - كالعادة - اشارة متفق عليها لبدء موسم الهجوم على الفن والفنانين في مصر، فإن "الحياة" تفتح بهدوء - بعيداً عن المبالغة او التهوين - ملف فضائح اهل الفن، ليس بهدف الاساءة للفنانين وانما فقط لتعرية الجزء الفاسد من الكيان الفني، حتى لا يستخدم كدليل إدانة على سوء سمعة الفن. رغم ان الفضيحة الاخلاقية التي تورط فيها المطرب علي حميدة - البدوي الاصل والذي ألقي القبض عليه في وضع مخل مع فتى - ليست الاولى من نوعها في الاوساط الفنية المصرية، الا انها الاكبر إثارة للاشمئزاز كونها اول حالة شذوذ يعلن عنها في تاريخ الفن المصري، اذ كانت الفضائح السابقة لا تخرج عن اطار العلاقات غير الشرعية بين فنانين وفنانات. وقد ظهرت الفضيحة الفنية الاولى في تاريخ السينما في عام 1974، بعد اقل من اربعة أشهر على انتصار تشرين الأول اكتوبر 1973. ففي يوم 4 شباط فبراير من ذلك العام، نشرت الصحف في مصر خبر القبض على الفنانة - المشهورة انذاك - ميمي شكيب بتهمة إدارة شبكة لممارسة الرذيلة ومعها 11 سيدة منهن ثماني فنانات بين مشهورات وانصاف مشهورات، هن ميمي جمال وامال رمزي وناهد يسري وزيري مصطفي وعزيزة راشد وكريمة الشريف وسامية شكري. وكان ابرز الادلة التي استند اليها رجال المباحث للقبض على كل هؤلاء اتصال هاتفي بين ميمي شكيب وثري عربي طلب منها فيه تسهيل لقائه بفنانة مسرحية مشهورة في ذلك الوقت من بين الفنانات اللاتي سبق ذكرهن مقابل اي مبلغ تحدده شكيب بخلاف مكافأتها الخاصة، ثم اتصال هاتفي آخر، وكان هاتف الفنانة مراقب بإذن من النيابة لشكوك سابقة حولها، بينها وبين الفنانة المسرحية التي وافقت على اللقاء وتركت لشكيب تحديد الموعد. وبسرعة اصدر النائب العام قراراً بالقبض على الفنانة ومداهمة شقتها وتفتيشها، وهناك وجدوا ما اعتبروه ادلة على تورط باقي الفنانات، واستمر نظر القضية امام المحاكم نحو خمسة اشهر افرج خلالها عن ميمي جمال لعدم ثبوت الاتهام عليها وعلى الباقيات بكفالة، ثم صدر حكم المحكمة في تموز يوليو من العام نفسه بتبرئتهم جميعاً لعدم كفاية الادلة اذ لم يتقنع القاضي بالاتصالات المسجلة كدليل ادانة دامغ. وانتهت القضية، ودخلت ميمي شكيب مصحة نفسية للتعافي من الاثار التي لحقت بها نتيجة للفضيحة، لكنها كانت مثل طرف خيط، اذ تبعتها فضائح اخرى وقضايا اكثر إثارة مع بداية عصر الانفتاح الى مصر بأخلاقياته المتدهورة وانفلاتاته في كل المجالات الاقتصادية والسلوكية، والتي كان من بين ابرز افرازاتها ما يسمى بسينما المقاولات مع ما ترتب عليها من دخول العديد من الدخلاء الوسط الفني، وتغير معظم مفاهيم النجاح التي كانت سائدة في هذا الوسط من قبل، وانتجت نجوماً بوزن عبدالحليم حافظ ومحمود مرسي وأحمد رمزي وعبدالمنعم مدبولي وفؤاد المهندس وغيرهم. وأصبح من السهل لأي انسان في ظل سينما المقاولات ان يصبح نجماً بين يوم وليلة، بشرط ان يستطيع تدبير مكونات جلسات "المزاج" لنوعيات معينة من المنتجين والمخرجين. وفي ظل هذا المناخ، انفجرت فضيحة الممثلة عايدة رياض التي كانت تمضي شهر العسل مع المطرب المعروف محرم فؤاد في شتاء عام 1982، حين نشرت الصحف خبر القبض عليها بتهمة الاشتراك في شبكة اداب مع سبع فتيات. وبعد ان قضت في السجن ما يقرب من ثلاثة اشهر شهدت العديد من جلسات المحاكمة التي كان اشهرها واحدة غنى فيها محرم فؤاد "حزينة يا مصر" تعبيراً عن تضامنه مع زوجته ورفضه الاتهام الموجه اليها، افرج عن رياض بعد ثبوت براءتها، وإن كان عليها مواجهة الحياة من دون مساندة محرم فؤاد الذي كان قد ارسل اليها ورقة الطلاق على سجن القناطر حيث كانت تقضي ايام الحبس الاحتياطي. وعلى خلاف عقدي السبعينات والثمانينات اللذين لم يشهد كل منهما سوى قضية واحدة، فإن عقد التسعينات شهد العديد من الساقطات والقوادين بصورة لافتة ما جذب انتباه معظم الصحف الفنية لها، وباتت تلك المشكلة محوراً دائماً في اي ندوة او تحقيق عن احوال الوسط الفني في مصر. وكان من بين ابرز القضايا العثور على الفنان انور اسماعيل قتيلاً عارياً في شقة مفروشة في منطقة العجوزة في القاهرة خلال تحقيقات النيابة لفك رموز الحادث تكشفت امور مثيرة عن الحياة الخاصة للقتيل، منها انه استأجر الشقة مع صديق له ليلتقيا فيها بفتاة تعمل في العلاقات العامة في احد الفنادق، وهي التي وجهت لها النيابة تهمة قتله قبل ان تتكشف الحقيقة انه توفي نتيجة جرعة هيروين زائدة. وعن الإنحراف في اوساط الفنانين الشبان، فحدّث ولا حرج، فهناك مثلاً شبكة الآداب التي كان يديرها الممثل الشاب علاء عوض نجل الممثل الكوميدي الراحل محمد عوض مع فتاة الإعلانات نسرين. وكذلك ضبط سعيد صالح وحاتم ذو الفقار في أوكار المخدرات غير مرة، واخيراً هناك قضية الآداب المشهورة التي اتهمت فيها الفنانتان حنان ترك ووفاء عامر والممثلة الناشئة عنبر بالتورط فيها قبل ان تفرج عنهن النيابة بكفالة لحين انتهاء التحقيقات. لماذا انحدرت سمعة الفن المصري الى هذا الدرجة من السوء؟ ومن المسؤول عن دخول كل اولئك المنحرفين الى الوسط الفني؟! سؤال اكثر وصعوبة من انفراج عملية السلام ذاتها. فالفنانون يحملّون الدولة مسؤولية ما حدث وما يحدث، بينما المسؤولون المعنيون يرون ان اللوم يجب ان يوجه للفنانين وسلبية نقابتهم وتساهلها تجاه ما يحدث. يقول نقيب الممثلين يوسف شعبان ان ما يحدث نتيجة طبيعية للعصر الذي نعيشه، فالمجتمع الذي لا يقدم قيماً حقيقية لشبابه وانما يربيهم على ثقافة الفساد والفهلوة والكسب السريع لا يجب أن ينتظر من اولئك ان يكونوا قديسين، وكذلك لا يمكن لمجتمع يعاني مشاكل جوهرية تمس صلب كيانه ودعائمه التي قام عليها منذ مئات السنوات ان يقدم فناً راقياً او رياضة راقية او أي نشاط إنساني متميز. ويضيف شعبان: "وعني اسألك ما معايير النجومية في العصر الحالي في التمثيل او الغناء؟! هل هي الموهبة والجهد والتعب ام العلاقات العامة و"النصاحة"؟! وكم موهوب يدفن يومياً تحت رمال التجاهل لأنه لا يعرف النفاق؟! طبعاً الإجابات واضحة، ولهذا لا يجب ان تسأل عن اسباب سقوط الفن". ويدافع عضو مجلس النقابة الفنان أحمد عبدالوارث الاتهام الموجه للنقابة بالسلبية تجاه المنحرفين من اعضائها، فيقول "هناك شرطان للالتحاق بالنقابة اولهما الاخلاق الحسنة وثانيهما الموهبة، والاولى نحكم عليها من خلال السيرة الذاتية، اما الاخرى فتقيّمها لجنة خاصة تحوي فنانين كبار، لكن هناك ملحوظة يجب ان توضع في الاعتبار هي ان معظم المتهمين والمتهمات في قضايا تمس الشرف من اعضاء النقابة لم يدانوا، وحتى سعيد صالح وحاتم ذو الفقار اللذين صدر ضدهما حكم بالحبس لا نستطيع فصلهما لأن هذا يتطلب عقد جمعية عمومية للنظر في الامر، لأن المجلس ليس مخولا بسلطة فصل الاعضاء، ثم ان اي سلبية التي توصم بها النقابة بينما الدولة تشترط على الراقصات مثلاً عمل ملف في الآداب، بما يعني اعترفا صريح بأن هذا القطاع فيه منحرفات وساقطات؟!". على الجانب الآخر، يقول رئيس صندوق دعم التنمية الثقافية والمسؤول عن مهرجان الافلام الروائية الذي تقيمه وزارة الثقافة السيد سمير غريب "لا ارى ازمة في الموضوع، فوجود عدد من المنحرفين في الوسط الفني امر طبيعي، مثلما هم في كل المهن. والفارق ان الناس تهتم بمنحرفي الفن انطلاقاً من اهتمامها بالوسط كله واخباره، وربما لأن الصحف تسلط الاضواء عليه اكثر من غيره، ورأيي ان مهمة تنظيف الفن من الدخلاء عليه الذين يسيئون لسمعته هي مهمة الفنانين انفسهم من خلال هيئاتهم الشرعية وهي النقابات، فهذه لا بد وان تقف وقفة حازمة من اجل اعادة الامور الى نصابها الصحيح". لماذا زادت ظاهرة الإنحراف عن ذي قبل؟! تجيب الفنانة هند رستم "اعتقد ان الجيل الحالي من الفنانين غير حريص على الحفاظ على سمعته، فمعظم الموجودين يعطون للصحف مادة دسمة من الإشاعات بسلوكياتهم الغريبة، ووضع انفسهم موضع الشهبات، واذا كنت تريد المقارنة بين هذا الجيل وجيلنا يكفي ان اقول لك انه لم تكن لدي حياة خاصة، رغم انني كنت ممثلة الإغراء الاولى في مصر في الستينات والسبعينات، وكنت أحرص على ان امضي كل وقتي خارج العمل في بيتي مع زوجي وأولادي، واعيش معهم حياة أسرية هادئة ولهذا لم تطلق علي إشاعة واحدة طوال حياتي الفنية، وكان هذا هو حال معظم نجمات جيلي". ويؤيد الفنان كمال الشناوي هذا الرأي فيقول: "ألاحظ ان كل الممثلين الشباب تقريباً لديهم قناعة بأنهم كلما حققوا النجومية، لا بد وان يكون لهم سهرات خاصة وخمور ومخدرات، لأنها التي تفتح الطريق للنجومية وقد لمست هذا من خلال احتكاكي بعدد كبير منهم، وهم مظلومون لأن هناك من الصحف ما تبالغ في اقتحام حياة الفنانين واطلاق الاشاعات حولها، او السينما التي ظلت لفترة طويلة تختزل المجتمع المصري في جلسات المخدرات والخمور والحريم". ومن الجيل الجديد يرد الفنان أحمد عبدالعزيز قائلاً: "اعترف بأن معدلات الإنحراف زادت في هذا العصر، لكن هذه المشكلة ليست خاصة بالفن فقط. ويكفي ان تقرأ صفحات الحوادث اليوم لتعرف مدى ارتفاع معدلات الجريمة بشكل عام في مصر، ومن ثم الانحراف باعتباره احد تنويعاتها. إذن فالمشكلة في عصر بظروفه وقيمه وليست في جيل". ويبقى في النهاية سؤال ما الحل؟ والاجابة بصدق ليست لدى احد من العاملين في الوسط الفني، ولذلك فليس أمامنا سوى ان ننتظر ونرى