في ظل الترقّب لدخول العهد الجديد أول اختبار جدّي، هو تأليف الحكومة التي يفترض أن تعكس مدى الرغبة في بدء مرحلة سياسية جديدة، لا بد من التوقف أمام مجموعة من الإشارات، أريد منها إبقاء الإجماع الشعبي والسياسي الذي حظي به انتخاب العماد إميل لحود رئيساً. وأسهمت هذه الإشارات، في تنقية الأجواء بعد الإشكالات الناجمة عن إقحام العهد الجديد في سجال سياسي قبل أن يتسلّم الرئىس لحود مسؤولياته، ما أدى إلى حماية الإجماع وتوظيفه لتجاوز الثغرات التي حصلت في عهد الرئىس الياس الهراوي وكادت تطغى على إنجازاته. وفي معلومات "الحياة" أن الأيام الأخيرة شهدت إتصالات عدة ظلّت في معظمها بعيدة من الأضواء، من نتائجها: - إستقبال الرئيس السوري حافظ الأسد رئيس الحكومة رفيق الحريري، وهو استقبال لافت تدور التكهّنات على أسبابه في ظل غياب المعلومات عما دار خلاله. فاستعيض عنها بمجموعة من الأسئلة عن مغزى اللقاء قبل أيام من انتهاء ولاية الهراوي، وقبل بدء الإستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلّف. وهناك من يستنتج أن للقاء علاقة مباشرة بالأوضاع الإقليمية، إنطلاقاً من الجولة التي قام بها الحريري أخيراً، من دون عزل توقيته عن المناخات السياسية المحلية في إطار الرغبة التي تبديها دمشق في دعم لحود وفي حثّ الجميع على التوافق، بعيداً من الأجواء التي افتعلت والتي لم تدم طويلاً، خصوصاً أن لحود أكد أن لا علاقة له بها. فرغبة دمشق هي دعم العهد الجديد تماماً كدعم عهد الهراوي. ومنعاً للتأويل والإجتهاد، بعثت دمشق برسائل إلى الجميع تدعو إلى عدم استحضار مشاريع خلافية، موضحة أن ما يهمّها إنجاح العهد وتوظيف الإلتفاف حوله لمنع تكرار الأخطاء. - ينتظر أن تنعكس الإتصالات على العلاقة بين لحود والحريري المرجّحة عودته على رأس الحكومة الجديدة، وسط تأييد نيابي يضع حداً لما نجم عن السجال الذي دار على تفسير الفقرة الثانية من المادة ال53 من الدستور قبل أن يطوى. أما في شأن العلاقة بين رئىس الجمهورية الجديد ورئىس المجلس النيابي نبيه بري، فيبدو أن التواصل بينهما قائم على رغم قلّة اللقاءات. وأقفل الأسبوع الماضي على اتصال وصف بأنه إيجابي جداً وستظهر نتائجه في الوقت المناسب. - أخذت العلاقة بين الرئيس لحود ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الوزير وليد جنبلاط تشهد انفراجاً ملحوظاً على خلاف التوقعات والرهانات على تدهورها. ومن أبرز نتائجها اجتماع الأمس بينهما الذي غلبت عليه المصارحة تمهيداً للتعاون. في ضوء كل ذلك، فأن دمشق التي لا تحبّذ التدخل في تأليف الحكومة، نجحت عبر وسائطها في تبديد أجواء التوتر قبل أن تتفاقم، لمصلحة حوار مثمر يفترض أن يزيل العقبات من أمام تأليف الحكومة، في شكل يدعم أجواء الترحيب بانتخاب لحود. وعليه، فموضوع تشكيل الحكومة لن يطرح على عجل لئلا يتسبّب بحرق مراحل التكليف والمشاورات النيابية ومن ثم التأليف على أمل أن يتم بعيداً من تسجيل المواقف والتجاذب، ما دام المعنيون يدعمون المعايير التي تحدث عنها لحود أمام زواره، ومنها أنه لا يطلب لنفسه حصة، وأن اختيار الوزراء يجب أن يخضع لشروط التوجّه الوطني السياسي والكفاية والكفّ النظيف والتمثيل الشعبي. وينتظر أن تطبّق هذه الشروط لتأمين إطلالة للحكومة لا تأخذ بمبدأ المحاصصة لأنه يقود إلى توسيع رقعة الإستيزار والتوزير، فيصاب الناس بخيبة من التغيير الذي يستدعي صدمة إيجابية. وحظ تأليف حكومة غير موسّعة، من 16 وزيراً مثلاً، يبقى الراجح، لأن البديل منها قد لا يكون مضموناً لمنع خرق المعايير المرسومة، وسط الحرص على ألا يتعامل أحد مع التركيبة المقبلة من زاوية وجود نية للإلغاء أو التحجيم بمقدار ما أن الضرورة تقتضي تمثيلاً محصوراً لا يفضي إلى توفير بدائل