اعتبر السفير البريطاني السابق لدى الأردن بيتر هينشكلف أن مشكلة المياه في الأردن والكيان الفلسطيني تتمثل في عدم توافر كميات كافية من المياه من المصادر الطبيعية من أنهار وبحيرات وآبار جوفية وأنه ليس هناك حل لهذه المشكلة سوى تحلية مياه البحر. وقال ان مشكلة نقص المياه في لبنان ليست ناجمة عن قلة الموارد المائية هناك بل لأن لبنان لم ينفذ المشاريع الضرورية لاستثمار ثروته المائية، وأكد الديبلوماسي البريطاني إيمانه باستقرار الأردن وقدرة ولي العهد الأمير حسن على إدارة شؤون البلاد بكفاءة. وقال ان سياسة الأردن الخارجية لن تتغير في حال تولي الأمير حسن مقاليد الحكم بعد شقيقه الملك حسين. وشدد الديبلوماسي البريطاني على تحميل الحكومة الاسرائيلية مسؤولية عرقلة مسيرة السلام، وعدم وفائها بوعودها لمنح الأردن كميات المياه المتفق عليها في معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية كما استنكر إقدام اسرائيل على استغلال مياه نهر الليطاني في لبنان. وشغل السفير البريطاني السابق مناصب ديبلوماسية في الشرق الأوسط بينها الأردن والكويت واليمن والعراق، ويدرس العلوم السياسية في الشرق الأوسط حالياً في جامعتي كوينز في ايرلندا وادنبره. وترأس هينشكلف مؤتمراً عقد للبحث في موضوع المياه في الأردنولبنان، ودراسة ما تستطيع الشركات البريطانية تقديمه من مساعدات الى الدولتين لتمكينهما من استغلال ثرواتهما المائية، وشارك في المؤتمر الذي عقد في لندن ممثلون لشركة شرودر - عسيلي اللبنانية وبنك بيروت - الرياض. وتحدث السفير البريطاني في اللقاء التالي عن موضوع المياه: ما هي أهم النقاط التي ناقشها المؤتمر وما هي أبرز النتائج؟ - بحث المؤتمر في فرص العمل للشركات البريطانية في حقل المياه في الأردنولبنان، وركزت كلمتي في افتتاح المؤتمر على أجواء العمل في هذا النوع من المشاريع، والرابط ما بين مشكلة المياه وحلول السلام في المنطقة وأجواء التوتر التي تلقي بظلالها القاتمة على أجواء العمل في الأردن. وقلت ان هناك عدداً من عوامل عدم الاستقرار لسوق العمل والتجارة مثل القلق من تعثر عملية السلام وحالة الجمود الاقتصادي والقلق على صحة الملك حسين، إلا أنني قلت أيضاً ان مشاريع المياه في الأردن هي الأكثر بعداً عن العراقيل لأن التمويل يعتمد على الاستثمارات الخارجية الدولية في حدود تصل الى 90 في المئة. وتحدث المدير العام السابق لهيئة المياه في وادي الأردن الدكتور عبدالعزيز الوشاح وهو من الخبراء المعروفين في شؤون المياه، فشرح بالتفصيل مشروعاً جديداً لتوفير المياه في العاصمة الأردنية. ومن خلال حواري مع الدكتور الوشاح على هامش المؤتمر قال لي ان أساس المشكلة تكتيكي، وأنه كان يجب تكرير المياه وتعقيمها وتصفيتها قبل استخدامها. وكما تعلمون فإن غالبية الشعب الأردني يعتبر اسرائيل المسؤولة عن تسمم المياه الآتية من بحيرة طبرية وأنها ألقت فيها الجراثيم لخلق أزمة حادة في الأردن، كما ان الشعب الأردني يلوم اسرائيل بسبب عدم وفائها بعهودها في شأن المياه التي وردت في معاهدة السلام، وأن أزمة المياه تتضخم بسبب تعثر مسيرة السلام في الأردن والمنطقة. والواقع ان ولي العهد الأردني الأمير حسن يولي هذه المشكلة جل اهتمامه، إلا أنها ستبقى قائمة بسبب تعثر السلام واقتناع الأردنيين ان اسرائيل تلوث المياه مع أنني غير مقتنع بذلك. ومن الواضح أن للشعب الأردني أسبابه لفقدان الثقة في اسرائيل ولاتهامها. فهو شعب يشعر بالاحباط لأن السلام الذي وعدهم به الملك حسين لم يتحقق ولأن الوضع الاقتصادي يمر في حال من الجمود ولأن الاعتقاد يسود بأن اسرائيل هي التي لوثت المياه. هذه المشاعر ليست حكراً على الطبقة المتوسطة والفقيرة بل تسود أوساط الأغنياء والمثقفين. ألا تعتقد أن اسرائيل مسؤولة فعلاً عن كل مشاكل المنطقة بما فيها المياه؟ - مشكلة المياه قائمة بين اسرائيل وجيرانها سواء الذين وقعت معهم معاهدات سلام أو الذين ما زالوا على عداء معها ولا مجال للشك لدى أي مراقب غير منحاز في أن اسرائيل تأخذ أكبر من حصتها من المياه ومن دون عدل في التوزيع، ولكن الواقع أيضاً أن مشكلة المياه هي مشكلة جذرية وطويلة المدى، ولو حصل الأردن على حقه الكامل من المياه من اسرائيل أي من نهر اليرموك فإن حاجته الى المزيد ستبقى قائمة. وما يسري على الأردن في هذا المجال يسري على مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني ومن المؤسف أن لا يدخل موضوع المياه في صلب المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية من الآن ونأمل أن يعطى هذا الموضوع حقه عندما يتحقق السلام. والى أن يتحقق السلام أرى أن الحل يمكن أن يتم وفقاً لرأي الدكتور الوشاح، جر المياه من خليج العقبة الى البحر الميت لانتاج الكهرباء واستغلال هذه الطاقة لتكرير مياه البحر وتزويد عمان وبقية أنحاء الأردن بها فيعطى الأردن 80 في المئة وتعطى اسرائيل 20 في المئة وهذا مشروط باتفاق الدولتين على تمويل مشترك بمساعدة دولية. هل سألت الحكومة البريطانية اسرائيل عن أسباب نكثها بوعدها للأردن في مجال المياه؟ - وفق معلوماتي فإن الكمية التي كان يفترض أن تعطيها اسرائيل الى الأردن هي في حدود 50 مليون متر مكعب، لكن ما وصل منها الى الأردن حتى اليوم 20 مليون متر مكعب. ويدعي الاسرائيليون أنهم يحتاجون الى دعم مادي للوفاء بوعودهم. ماذا عن لبنان؟ - لا أعرف الكثير عن لبنان لكني سمعت اليوم أنه بلد غني بالمياه وأن مشاكله تكمن في طرق استثمارها وجرها الى أراضيه. والواقع ان مستقبل لبنان في مجال المياه جيد، والحكومة البريطانية تدعم الشركات البريطانية التي تشارك في تنفيذ المشاريع الحالية هناك. يقال ان اسرائيل تستولي على مياه نهر الليطاني اللبناني وتجرها سراً الى أراضيها، كما يتوقع البعض أن تكون الحرب المقبلة في المنطقة حول المياه؟ - لقد سمعت الكثير وقرأت أكثر عن مثل هذه الحرب واعتقد أننا إذا أردنا أن نتحدث عنها فإن علينا أن نتحدث عن حرب على المياه بين تركيا وسورية والعراق، فالمشكلة الكبرى تكمن في نهري دجلة والفرات. أما بالنسبة لمياه الليطاني فمعلوماتي تقول ان اسرائيل تأخذ منها كمية غير كبيرة منذ فترة طويلة وهذا تصرف خاطئ وغير قانوني واعتقد أن هذه المشكلة ستحل عندما يحل السلام. كيف تنظر الى الحلف الاسرائيلي - التركي الذي يهدد دول المنطقة مثل سورية؟ - لا اعتقد أن سورية محقة في قلقها من هذا الحلف لأنه لا يهدد استقرارها وأمنها، على أنني أرى ان هناك مبالغات كبيرة في الحديث عن انضمام مرتقب للأردن الى هذا الحلف، لأن التعاون بين الأردن واسرائيل ضئيل بسبب تعثر مسيرة السلام، فضلاً على أن رجال الأعمال الأردنيين لا يفضلون هذا النوع من الأحلاف ولا يرحب الأردنيون بها لا سياسياً ولا اجتماعياً. والحقيقة ان اسرائيل تحتاج كثيراً الى صديق في المنطقة فاتجهت الى تركيا فرأت سورية في ذلك عملاً عدائياً فبدأت تتجه بدورها الى العراق والحل كما قلت مراراً يكمن في تحقيق السلام الشامل