انتصرت المرأة بعد سلسلة من الحروب المجردة من الاسلحة، واستطاعت اخيراً ان تفرض على دور الازياء تصميم ما تحبه هي وتختاره. وبات الخيار وفق هذا المفهوم رحباً ومتنوعاً، وابتعدت خطوط الموضة عن اسلوب فرض ما تختاره دور الازياء على المرأة فتقول لها مثلاً: زيك لهذا الفصل طويل او قصير، واسع او ضيق... ولونك احمر او اخضر او اصفر. انتهت في اواخر الاسبوع الماضي مواسم عروض ازياء فصلي الربيع والصيف للعام المقبل، وهي عروض كانت بدأت في منتصف شهر ايلول سبتمبر الماضي في نيويورك ثم جالت بعروضها بين لندنوميلانووباريس وعادت لتنتهي دورتها من حيث بدأت في نيويورك. وتميزت هذه العروض بكثافة التصاميم التي حملت اسماء مئات المصممين الذين حاولوا ان يسبغوا على تصاميمهم لمسات في كل مدينة عرضوا فيها من دون ان تؤثر هذه اللمسات في الخطوط العريضة لأزياء العام المقبل. في نيويورك قدمت الازياء في اكثر من سبعين عرضاً وعلى مرحلتين: الأولى في شهر ايلول والثانية في الاسبوع الماضي. وجاء هذا التقسيم بقرار من المصممين الذين حرصوا على بيع ازيائهم لدور الازياء العالمية بين اميركا وأوروبا قبل البدء بالعروض الأوروبية. وبرزت في عروض اميركا اسماء المصممين دونا كارن وكالفن كلاين سبور وهلموت لانغ، في حين شارك اكثر من 300 مصمم ومصممة في خمسين عرضاً للأزياء في لندن و120 مصمماً في 38 عرضاً في ميلانو. اما في باريس، سيدة الأناقة وعاصمة الأزياء، فقد قُدم 170 عرضاً للأزياء شارك فيها 200 مصمم وعارضة ابرزهن نعومي كامبل وكيث موس، في حين لم تظهر الشقراء الألمانية كلوديا شيفر التي يقال انها اعتزلت. وبلغ عدد الأزياء المعروضة في باريس اكثر من 13 الف تصميم... وهو رقم قياسي في عالم العروض. ما هي الرسالة التي تريد ازياء العام المقبل ابلاغها للمرأة؟ مضمون الرسالة واضح جداً وبسيط ومختصر وهو البساطة، ثم البساطة، ثم البساطة. وهذا يعود ربما الى ان المصممين نضجوا وتنبهوا الى حقيقة الاوضاع الاقتصادية السائدة في العالم، فقرروا تقديم ازياء عملية وأنيقة من دون تجديد كبير في خطوطها، وتجنبوا ليس رفع الاسعار فقط وإنما المحافظة على مستواها السابق بل وخفضوا اسعار كثير من التصاميم نسبة الى اسعار العام الماضي. وبرز عنصر جديد هذا الموسم في الأزياء هو تنوع طرق تصنيعها وإدخال مواد جديدة على القطن والكتان والحرير لتوفير نعومة اكبر في ملمسها وفي طريقة تعاملها مع جسد المرأة. ولأن الامر لا يخلو من النقد والانتقاد، فان العروض التي قدمت في نيويورك كانت تكراراً مملاً لأزياء صيف وربيع العام الحالي وإن كان العنصر الجديد الوحيد فيها الألوان. ومن هنا وصفت المصممة الاميركية دونا كارين مجموعتها بمجموعة الألوان الفرحة التي جمعت بين الارجواني والاخضر والاصفر والازرق الفاتح. اما لليل ونجومه فكان هناك اللون الذهبي البراق واللون الفضي، وكثير من التطريز على شكل زهور او فراشات. وبدت المرأة في التصاميم الاميركية امرأة غير مبالية وغير مقيدة بالتصاميم المقفلة على رغم التصاق العديد من الازياء بالجسد، كما كانت البلوزات مصممة على شكل طبقات يعلو بعضها بعضاً. وجاءت قصة التنورة الطويلة غير متوازية اذ ان جهة منها تكون اطول من الاخرى، وظل البنطلون رفيق المرأة العاملة متأرجحاً في طوله بين الارتفاع الى ما فوق الركبة والامتداد الى اخمص القدم. وبرزت في العروض الاميركية مجموعة اوسكار دولارنتا الذي يهتم كثيراً بدقة التفصيل وأشكال الخياطة، في حين لم يبرز جديد يذكر لدى رالف لورين وكالفن كلاين، اذ جاءت قصاتهما كلاسيكية قديمة مع تغييرات طفيفة. في عاصمة الازياء المجنونة والصرعات، لندن، جاءت حفلات عروض الازياء وأماكنها والمواد التي صنعت الملابس منها اهم من الازياء نفسها. واتفق المعلقون على القول ان سيناريو حفلات العروض كان اهم من محتوياتها، ومن الامثلة التي تؤكد هذا الرأي ان احد المصممين عرض ازياء في الهواء الطلق تحت جسر تمر عليه مئات السيارات في الساعة، ونشرت مصممة اخرى على منصة العرض الآلاف من حبات البابيت البراقة، وأضرم مصمم ثالث النار على المنصة لاضفاء جو من الغرابة على العروض. وقدم كاجاووندر المصمم المعروف فستاناً مصنوعاً من شفرات الحلاقة. قال انه استوحاه من فيلم "فييس اوف"، في حين عرض ماثيو ويلمسون فستاناً حيك قماشه على شكل عنكبوت، وأنهى الكسندر ماكوين عرض ازيائه بفستان من المعدن المذهب تحرسه دوائر متشابكة ومزينة بحبات الماس الصناعي، وعرضت كين غلايان زياً للشاطئ من البلاستيك ووضعت على رأس العارضة قبعة بلاستيكية وقائية بدت فيها وكأنها هابطة من الفضاء الخارجي. ورافقت كل هذه العروض الغريبة ازياء معقولة لم تقدم على المنصات وجاءت في مجملها على شكل تنورة طويلة فضفاضة او ملتصقة بالجسد ومصنوعة من قماش السترتش على مختلف انواعه كي لا تنزعج المرأة او تقيد حركتها. وظهرت الطبقات في التنورة والبلوزة بأقمشة ناعمة جدا وشفافة، واعتمد الكثير من المصممين على قماش المخمل الحرير او المزين بالدنتيل. عروض الأزياء في ميلانو بدت عادية هي الاخرى بل وقاتمة كما وصفها بعضهم، وإن طغى فيها اللون الكاكي وجاءت القصات كلاسيكية عادية من دون ان تفقد قدرتها على تزيين مجموعة كل سيدة. وهناك اعتقاد سائد بأن الازياء الايطالية هي الازياء التي تحترمها المرأة وتقبل على ارتدائها، لتمتعها بميزات كثيرة منها انها لا تفقد بريقها لسنوات بل ويبقى بعضها مسايراً لتقلبات الموضة الى الأبد. واحتفل جياني فرانكو فيري المهندس المعماري، الذي اقتحم عالم الازياء فأحدث ثورة في مؤسسة كريستيان ديور التي عمل فيها لثلاث سنوات، بمرور عشرين عاماً على احترافه مهنة تصميم الأزياء الى عرضها خليطاً مختاراً من تصاميم ابتكرها على امتداد السنوات العشرين. وصممت دوميثلا فرساتشي شقيقة المصمم الشهير الراحل جياني فرساتشي مجموعة من الفساتين والتنورات القصيرة وركزت اهتمامها على الاقمشة المزهرة واللامعة. وأنقذ جورجيو ارماني وحده سمعة الأزياء الايطالية بتقديمه عرضا امتزجت فيه التصاميم الكلاسيكية بالتصاميم البسيطة المصنوعة من الاقمشة الباهظة الثمن. واعتبر الاسبوع الايطالي عادياً ومتثائباً وخالياً من المفاجآت. نأتي اخيراً الى اسبوع الازياء الفرنسي فنكتشف انه كان حافلاً بالصرعات والأزياء الكلاسيكية، وبدا الصراع واضحاً فيه بين المصممين الشبان والمخضرمين. وقدم ايف سان لوران الستيني عرضه الاخير للأزياء الجاهزة التي يضع هو تصاميمها، ويقال انه قد يتقاعد نهائياً ويتوقف عن تصميم الازياء الراقية ويبيع امبراطوريته كلها التي تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات. وقدم تيري موغلي ضمن عروضه زياً للسياحة مصنوعاً من البلاستيك المطاطي الأبيض، كما قدم فساتين مطاطية تقابلها مايوهات من الصوف الناعم. وأزياء راقية عرضتها المصممة سونيا رايكل. ومر وسط هذه العروض عرض لمصمم بلجيكي قدم فستاناً مزيناً بالعصافير الحقيقية الميتة ما أثار استهجان الجميع واستنكار جمعيات الرفق بالحيوان. اما شيلا ماكارثي ابنة مطرب البيتلز الشهير جون ماكارثي فقدمت مجموعة خاصة بذكرى والدتها ليندا مرغريت كلوبين للأزياء، وقوبلت ازياؤها الشابة بالاعجاب. يبقى ان تعرفي سيدتي انك المستهدفة اولاً وأخيراً بكل هذه "الهمروجة"، لكن القرار يبقى ملكك وما عليك الا ان تختاري ما يليق بك بذكاء وصدق، وأنا واثقة من انك ستفعلين!