تُصدر "الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية" قريباً كتاب "الطلاب الجامعيون في لبنان واتجاهاتهم". وهو يعرض لنتائج استقصاء ميداني اجرته الهيئة باشراف الدكتور عدنان الأمين، على عينة ممثلة من الطلاب الجامعيين في لبنان بلغ عددهم 2436 طالباً وطالبة. وقد شارك الدكتور الامين في تأليفه، الدكتور محمد فاعور رئيس قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية في الجامعة الاميركية. يتضمن الكتاب خمسة محاور رئيسية: صورة اجمالية عن الطلاب الجامعيين في لبنان اليوم، التوقعات المهنية، النزعات الثقافية، المواقف الاجتماعية، والاتجاهات السياسية. وهذه المحاور موزعة على 15 فصلاً. محور النزعات الثقافية تتناوله اربعة فصول، واحد عن اللغة، وثان عن الميول القرائية - الكتب، وثالث عن الميول القرائية - الجرائد والمجلات، ورابع عن "الثقافة الجديدة" المتعلقة بارتياد السينما والمسرح والمطاعم والمقاهي والملاهي الليلية، ومشاهدة التلفزيون والاهتمام بالمباريات الرياضية. الدراسة التالية مستلة من مخطوطة فصل "الميول القرائية - الجرائد والمجلات"، وهو يتعلق بالمجلات فقط، وذلك قبل دفع المخطوطة الى الطباعة. بقدر ما وجدنا في استقصاء سابق خيارات الطلاب اللبنانيين ضيقة في الجرائد المفضلة، حيث يتجمعون حول ثلاث جرائد اساسية، بقدر ما نجد هؤلاء الطلاب موزعين في تفضيلاتهم حول عدد هائل من المجلات: 256 مجلة. لم نحدد في الواقع شرطاً لما نعنيه بپ"المجلة المفضلة" عندما سألنا الطلاب عنها، فلا حصرنا الأمر بالأسبوعية مقابل الشهرية والفصلية ولا حصرناها بلبنان، ولا بلغة، الخ. بل تركنا الطالب يحدد ما يفضله، من بين كل الاحتمالات الممكنة. وجاءت النتائج بالتشتت والتوزع. وهو امر مفهوم لأن المجلة مختلفة عن الجريدة في انها مفتوحة زمنيا على مدار الاسبوع، او اكثر ومفتوحة في موضوعاتها ومراكز اهتمامها، فهي اما متخصصة رياضة، نساء، تكنولوجيا، فن او سياسية وعامة، تقدم منوعات مختلفة في داخلها سياسة، اقتصاد، اجتماع، فنون، رياضة، تحقيقات، الخ. وبالتالي فإن المجلة تقدم خدمات من نوع آخر تجعلها اكثر اتساعاً وأكثر توافقاً مع ميول القارئ واهتماماته الحصرية، ويجد فيها القارئ ما يكمل الجريدة. المهم ان خدمات المجلة تفتح الباب امام تفضيل ما هو غير لبناني وما هو عربي بصورة اقوى بكثير مما يتوفر للجريدة. اذن نحن امام 256 مجلة ذكرها 1825 طالباً. عندما قرأنا لائحتها لأول مرة بالكاد تعرفنا على ربعها، وكان لا بد من عرضها على العارفين بها، خصوصاً الشباب. فتبين في النهاية ان 88 منها هي مجلات لبنانية و141 مجلة غير لبنانية، والباقي 27 مجلة لم نستطع تصنيفه في موضوع "الجنسية" وإن صنفنا بعضه في ابواب اخرى. ولم نكن مدركين ان عدد المجلات في لبنان يصل الى هذا الرقم، فكيف اذا كان اعلى منه، باعتبار ان هناك لا شك مجلات اخرى، لم يذكرها الذين استقصيناهم. قبل ان نذهب قدماً في تحليل اصناف المجلات "من يفضل ماذا؟"، سنلقي نظرة اجمالية على المجلات التي حاز كل منها تفضيل 10 طلاب على الأقل، الامر الذي يقدم فكرة اولية عن مراكز التجمع الثقافي للطلاب حول المجلات. ثمة 37 مجلة فقط، من اللائحة الطويلة، يفضل كل منها 10 طلاب على الأقل، لكن العدد الاجمالي للطلاب الذين يفضلونها ليس 310 بل 1302، اي اكثر من ثلثي الذين عبروا عن خياراتهم. من بين هذه المجلات الپ37 ثمة 19 اي النصف منشورة بالاجنبية. وتوزيع اقبال الطلاب على هذه المجلات يثير الفضول. فأعلى وتيرة تفضيل حصلت علىها مجلة Science et vie الاجنبية فرنسية وذات الموضوعات الحصرية والجدية والموجهة الى المهتمين. يليها مباشرة مجلة لبنانية "الشبكة" ذات موضوعات فنية نجوم الفن، تقوم على التسلية الخفيفة والموجهة الى العامة، بحيث يثير تفضيلها من قبل طلاب السنة الثالثة الجامعية الدهشة، ويطرح علامات استفهام حول امكانية وجود استقطاب بين هذين النوعين من الثقافة لدى الطلاب، اذا ما صدق الپ109 طلاب الذين اختاروها. لكن فرضية التشتت الثقافي تتأكد مع المجلات الثلاث التي تلي: واحدة نسائية "الحسناء" والثانية عامة/ سياسية فرنسية Paris Match والثالثة عربية موسوعية مبسطة "العربي". يلي هذه المجموعة في اللائحة، ما يشير الى التقابل مرة اخرى بين مجلة عامة/ سياسية تصدر في لندن "الوسط" وبين مجلة "سنوب" النسائية، الفنية الخفيفة، و"المختار" العربية الموسوعية المبسطة ايضاً ومجلة الپTime الاميركية. وبعد ذلك، من المجلة 10 الى المجلة 27، نجد سلسلة من المجلات الفرنسية اللغة المتنوعة، بين عامة ونسائية ورياضية. بينما في المجموعة الاخيرة من المجلة 28 الى المجلة 37 نجد التنوع اياه مع اضافة مجلة عقائدية "الطريق" التي لم تحظ الا بتفضيل 11 طالباً. يكشف هذا التشتت اللاتجانس القوي في المرجعيات الثقافية للطلاب الجامعيين، لا سيما اذا اضفنا الى لائحة ال 37 مجلة ان هناك 219 مجلة اخرى حظي كل منها بأقل من 10 طلاب يفضلون كلا منها، بينها 117 مجلة ذكر كل منها طالب واحد فقط. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما اذا كان هذا التشتت متلعقا بأمزجة الطلاب الفردية، ام انه يخضع لقواعد اعم، اي لتجمعات ثقافية لها ملامح معينة. لذلك سوف ندرس توزيع هذه المجلات الپ37، بعد تجميعها في تسع مجموعات، استناداً الى ملامحها المشتركة والى عددها، ونرى مدى التغيير الذي يحدثه عدد من المتغيرات ثمانية في تغطيتها، مكتفين فقط بالحالات الطرفية العليا. الفكرة الأقوى التي تتكون نتيجة هذا النوع من المعالجة، ان تفضيل المجلات هو امر فردي اكثر مما يخضع لوضعيات عامة مثل القطاع الجامعي او الوحدة الجامعية، او المستوى الاجتماعي، او غيرها من العوامل. ولا نستطيع ان نجد وضوحاً في التوزع على قاعدة معينة الا بالنسبة لوضعيات نكاد نعرفها. ذلك ان فروع الجامعة اللبنانية 1 و3/4/5، تلتقي مع الثانوية الرسمية والاسلامية، والفئات الدنيا والصغرى، والمسلمين، بمختلف طوائفهم، والمقيمين في الجنوب و/ أو البقاع، حول قراءة المجلات العربية المنحى مجلة "العربي" وغيرها، مجلة "الوسط" وغيرها والفئات المقابلة تلتقي حول المجلات الاجنبية المنحى "التايم" وغيرها، المجلات النسائية واللبنانية الفرنسية اللغة. كذلك ينفصل الذكور، لجهة قراءة مجلات الرياضة "اوتوسبور" وغيرها عن الإناث، لجهة قراءة المجلات النسائية العربية والاجنبية. ويمكن وضع مجموعة Science et vie في الخانة اللغوية المجلات الاجنبية ولو انها ترتبط بالاهتمامات الاكاديمية اكثر من ارتباها بالتمايز الاجتماعي. ومن هنا انضمام اللبنانية الموحدة الى قرائها. لكن هناك وضعيتين جديدتين تتعلقان بمجلة "الشبكة" وبمجموعة "الحسناء"، اذ يتبين انهما اقرب الى ان تكونا "شعبيتين" ليس بسبب اللغة فحسب، بل لأن موضوعاتها تشكل جزءاً من الثقافة الشعبية واهتماماتها. كذلك يتبين للمراقب ان الثقافة الذكرية تتضمن، بالاضافة الى الرياضة، الشؤون العامة والسياسية، بخلاف الاناث. وبالتالي فإن الثقافة النسائية ما زالت بعيدة، حتى بين الطلاب الجامعيين، عن الشأن العام. مجلة "المسيرة" التي اخرجت من الجدول يزيد الاقبال عليها في جامعة الكسليك، والمعنى هنا سياسي، اما مجلة "الطريق" فأرقامها قليلة جدا ولم تظهر فيها حالات طرفية. ومن الجدير ذكره ان مجلة "البلاد"، اذا ما فصلت عن مجموعة "الوسط" تبدو شيعية بقوة يفضّلها 11 طالباً منهم 10 شيعة، وهنا المعنى سياسي ايضاً. نحمل هذه القواعد ونذهب نحو جميع المجلات المفضلة. ولهذا الغرض سوف نجمع هذه المجلات في تصنيفين اثنين. الأول يتعلق بالجنسية/ اللغة: لبنانية بالعربية، لبنانية بالاجنبية، غير لبنانية بالعربية، غير لبنانية بالاجنبية. والثاني يتعلق بنوع المجلة: عامة، ومتخصصة، والمتخصصة موزعة ايضاً في اصناف: رياضة وشباب، ديكور ودعايات وتسويق، علوم وتكنولوجيا، نساء، تسلية، انسانيات دين، تربية، اقتصاد، ادارة، غير ذلك، صحة، فن وموسيقى وخلاعة، سيارات - طيران - دفاع، وغير ذلك اطفال، مجلات مدرسية، وغيره. وسوف ندرس كلاً من هذين التصنيفين استناداً الى المتغيرات المختارة، التي تعكس انتماءات الطلاب وأوضاعهم. نشير اولاً الى ان اعلى نسب التفضيل في موضوع الجنسية/ اللغة حصدتها المجلات الاجنبية غير العربية اللغة 41 في المئة تليها المجلات اللبنانية العربية اللغة 34.2 في المئة. اما المجلات غير اللبنانية العربية اللغة فتأتي في المرتبة الثانية 17.4 في المئة. اما في موضوع نوع المجلة فأعلى نسب التفضيل حصدتها المجلات العامة/ السياسية 42.65 في المئة، تليها المجلات النسائية 18.4 في المئة، فالمجلات التي تعالج الشؤون العلمية 11.2 في المئة. وهذه الاصناف الثلاث تجمع 82.2 في المئة من خيارات الطلاب. فيما مجلات الرياضة لم تحظ الا بنسبة 3.5 في المئة، مما يقرب من حصة مجلات السيارات - الطيران - الدفاع، والصحة، والديكور، والفنون، والانسانيات. ولا تتفوق على هذه الاصناف الاخيرة الا المجلات التي صنفت في باب التسلية 7.2 في المئة. اما دراسة اثر العوامل التي نختارها عادة، والتي تنتمي الى المراتب فئات اجتماعية، مستوى تعليمي، والى المحاور طوائف، مناطق جغرافية، جنس والى المؤسسات الجامعية قطاع، وحدات، فتظهر ان جميع هذه المتغيرات فاصلة في تفسير نزعات الطلاب في اختيار جنسية/ لغة المجلات. وذلك بشكل منتظم لا يرقى اليه الشك : المسيحيون والفئات الاجتماعية العليا والوحدات الجامعية المرموقة، بالاضافة الى فروع الجامعة اللبنانية التي تشتمل على اغلبية مسيحية الفرع الثاني، والكليات الموحدة، والمناطق الجغرافية المركزية في جهة، والمسلمون، والفئات الدنيا، والوحدات التي تقع في ادنى السلم الجامعي والمحافظات البعيدة في جهة ثانية. وعندما نقول "المسلمين" و"المسيحيين" فهذا ينطبق على جميع الطوائف في كل دين من دون استثناء. في الجهة الأولى تقع المجلات الاجنبية اللغة اكانت لبنانية او غير لبنانية، وفي الجهة الثانية تقع المجلات المنشورة بالعربية اكانت لبنانية او غير لبنانية. وهذا دليل ساطع على الانشدادات الثقافية الطاردة في المجتمع اللبناني، والموروثة من الماضي القريب. صحيح ان الاناث والذكور لا يظهرون في الجدول، لأنه يتضمن الحالات الطرفية فقط، الا ان القيمة الاحصائية بالنسبة للجنس دالة، ونزعة الذكور هي اقوى من نزعة الاناث في تفضيل المجلات غير اللبنانية عربية اللغة، ونزعة الاناث اقوى في تفضيل الانواع الاخرى. تظهر هذه المعلومات صورة التراكم ما بين النزعة المسيحية نحو الثقافة الاجنبية، والنزعة المماثلة للشرائح الاجتماعية العليا، وما بين نزعة المسلمين والفئات الاجتماعية الدنيا، والمناطق البعيدة، نحو الثقافة العربية. وتذهب بنا الى استنتاجين مهمين: الأول ان مسألة اللغة، بما هي لسان الحامل او بما تتضمنه من ثقافة المحمول، منغرسة في شرايين المجتمع اللبناني، وهي ليست مسألة تقنية، والثاني ان طلاب لبنان لا يتباعدون، عن طريق جامعهم، في شؤونهم الدراسية والاكاديمية، بل في مصادرهم ومراجعهم الثقافية، بما في ذلك الحيز الثقافي الاسبوعي، نقصد المجلات. فلو اخذنا مجلة Paris Match ومجموعتها نجد مثلاً ان هناك اربعة طلاب في اللبنانية الفرع الأول يفضلونها 1.9 في المئة، وثمانية في فروع المناطق 3.4 في المئة مقابل ما بين 23 و31 في المئة في الجامعات الاميركية واليسوعية والكسليك واللويزة واللبنانية - الاميركية. اما مجلة مثل "الوسط"، فإن نسبة قرائها تنخفض الى 0.8 في المئة في اليسوعية والى صفر في المئة في الكسليك، وترتفع الى 7.5 في المئة في اللبنانية - الفرع الأول، وفي الجامعة العربية. ولو قارنا بين مجلة "الحسناء" من جهة ومجموعة Femme Actuelle من جهة ثانية، فان الظاهرة نفسها تتكرر مع الاناث، ان داخل الجامعة اللبنانية او بالمقارنة بينها وبين الجامعات الخاصة: 17 في المئة من طلاب اللبنانية - الفرع الأول يفضلون "الحسناء" مقابل 2.9 في المئة من طلاب الفرع الثاني. و13 في المئة من طلاب اللبنانية - الفرع الثاني يفضلون المجلات النسائية الاجنبية، مقابل 2.6 في المئة من طلاب الفرع الأول. وتتفق مع هذين الفرعين في نزعتيهما، جامعتا الاوزاعي والعربية من جهة، واليسوعية والكسليك واللبنانية - الاميركية من جهة ثانية. اما طلاب الجامعة الاميركية فهم اقل تمسكاً بالمجلات الاجنبية من الجامعات الثلاث المذكورة. هذه الصورة تكونت من خلال عناصر سابقة، ولا سيما في فصل الألسنة المتعددة، لكن ما تقدمه لنا المجلات، فوق اللغة والجنسية، هو موضوعها. فهل ترتبط هذه الموضوعات بفئات من الطلاب اكثر من غيرها؟ لقد صنفنا المجلات في عشرة ميادين: عامة/ سياسية، رياضة، ديكور، علوم، نساء، تسلية، انسانيات، فن، صحة، وسيارات. فهل نستطيع ان نلصق نزعة نحو ميدان ما بفئة ما، اكانت هذه الفئة محددة طبقا للمستوى الاجتماعي ام للدين، او الجنس او غيرها؟ وهل تسمح لنا معطياتنا بتقديم اجوبة تقع في منطقة ابعد في سوسيولوجيا الثقافة؟ ثمة سبع نزعات رئيسية: 1 - الفئات الاجتماعية العليا اكثر اهتماما بمجلات الديكور الفن والسيارات، فيما الفئات الاجتماعية الدنيا والصغرى اكثر اهتماما بمجلات الرياضة، والصحة، والنساء، والتسلية، والانسانيات. 2 - المسلمون اكثر اهتماما بالمجلات النسائية والصحة، فيما المسيحيون اكثر اهتماما بمجلات الديكور والعلوم، والسيارات. وهذا الانقسام يتسق، في جزء كبير منه، مع الانقسام بين الفئات الاجتماعية. والفارق يكمن في مجلات العلوم التي نرجح انها ترتبط بالنشاط الاكاديمي. 3 - لم تظهر فروقات بين الطوائف تمثل نزعات واضحة، وهذا ما شجعنا على اخراجها من الجدول. جلّ ما في الامر ان الشيعة يظهرون نسباً اعلى في الرياضة والصحة والمجلات النسائية، والموارنة في الديكور والعلوم. وهما امران يتسقان مع النزعتين الواردتين اعلاه. 4 - يمكن الحاق الفروقات العائدة للمستوى التعليمي للأبوين بالفروقات العائدة للمستوى الاجتماعي، فاهتمامات الطلاب من ابوين اميين/ ابتدائيين شبيهة باهتمامات الفئات الدنيا والصغرى واهتمامات الطلاب من ابويين ثانويين/ جامعيين شبيهة بتلك الخاصة بالفئات الاجتماعية العليا. كما يمكن الحاق الفروقات العائدة لمناطق الاقامة بالفروقات العائدة للجماعة الدينية مسلمون: بقاع، جنوب، مسيحيون جبل لبنان، شمال. 5 - اما النزعات العائدة للجنس فهي منتظمة: الذكور للرياضة والديكور والعلوم والانسانيات والسيارات، والاناث للمجلات النسائية، والمجلات الصحية. وهذا تقسيم واضح للعمل الثقافي يبشر بأننا سنقع على نزعات تقليدية حول الجنسين لاحقاً. 6 - ما نجده في الوحدات الجامعية ليس حاصل عملية جمع بين نزعات الجماعة الدينية والفئات الاجتماعية كما كان يحصل عادة في موضوعات اخرى، والسبب ان هناك نوعا من المجلات لم يظهر بعد في نزعات الفئات الاجتماعية والجماعات والجنسين، الا وهو المجلات العامة/ السياسية. والاهتمام بهذا النوع من المجلات لم يبد مختلفا لا تبعا للمستوى الاجتماعي ولا للجماعة ولا للجنس، ولا للمتغيرات التي أمكن الحاقها بأي منها. وبما ان 42.6 في المئة من الخيارات ذهبت للمجلات العامة، بحيث صارت الحالة الطرفية تتمثل بپ51.1 في المئة وما فوق، فان بعض الوحدات الجامعية فقط ظهرت فيها نزعات نحو هذه المجلات: الاميركية، اليسوعية، الكسليك، الاوزاعي/ المعهد. وهذه الوحدات لا تجتمع فيها صفة اجتماعية، او دينية، او جنسية. ما يجمعها وجود اهتمامات سياسية، اما بسبب المستوى الاجتماعي اميركية، يسوعية او بسبب الانخراط السياسي، المسيحي او الاسلامي الكسليك والاوزاعي. لنقل ان المتغير هنا ضمني، وهو على الارجح النشاط السياسي. 7 - اخيراً يبدو طلاب الجامعة اللبنانية عموما اكثر ميلاً نحو المجلات النسائية، والتسلية ومجلات الصحة مثل الفئات الاجتماعية الدنيا، فيما يبدو طلاب القطاع الخاص اكثر ميلاً نحو المجلات العامة والرياضية والفن والسيارات. وهاتان النزعتان مفاجئتان بعض الشيء، لأن المجلات الاكثر ديناميكية مفضلة في القطاع الخاص، بحيث يبدو أن طلاب اللبنانية قد شهدوا تحولا، بل قل نكوصاً، اليوم، بالمقارنة مع السبعينات، نحو الثقافة الهامشية. في المقابل، اذا تابعنا قراءة عمود الوحدات الجامعية، فاننا نجد ازاء كل نوع مجلة خليطا غير قابل للتفسير، الا نادراً، وبصورة جزئية مع العوامل الاخرى، كأن نقول ان الاهتمام بمجلات الديكور في الاميركية يصاحب اهتمام الفئات العليا بها، وما الى ذلك. الى اي حد نستطيع القول ان النزعات المذكورة اعلاه حقيقية، ويعتد بها في وصف ثقافات الفئات المذكورة؟ انها حقيقية بمقدار ما تكون مفهومة ومبررة. يفترض ان نقر اولا ان هناك نزعات فردية في الاهتمامات تتجمع بطريقة او اخرى لتحدث بعض الاتجاهات. وهذا ما يخفف من ثبات النزعات طبقا للفئات. ولكن يمكن في الوقت نفسه قبول فكرة ان ابناء الفئات العليا مثلاً هم اكثر اهتماما بمجلات الديكور والسيارات، وان ابناء الفئات الدنيا اكثر اهتماماً بالرياضة، لا سيما ان الرياضة الاكثر شعبية بين طلابنا هي كرةالقدم. اما المجلات النسائية فيصعب ربطها بالفئة الاجتماعية الا اذا كانت فئة ما تشتمل على نسبة اكبر من الاناث في معطياتنا. كذلك فان مجلات التسلية، على غرار "الشبكة"، يصحّ ان تقرن بالفئات الدنيا والصغرى اكثر من الفئات العليا، طالما ان اهتمامات الفئات الاخيرة تذهب نحو مجلات اخرى. وبمقدار ما يستطيع المرء ان يتفهم وجود ثقافتين عليا - وسطى ودنيا - صغرى، استنادا الى المجلات المفضلة وبرامج التلفزيون وأفلام السينما وما الى ذلك فانه يصعب ان يستخرج علامات لصيقة بالجماعات الدينية والطوائف، من بين انواع المجلات المذكورة. الا اذا سلم المرء بتمايز اجتماعي للمسيحيين عن المسلمين، وبالتالي فتكون اهتمامات المسيحيين اجتماعية وليست مسيحية، وكذلك نزعات المسلمين. كذلك فان اهتمام الطلاب المسيحيين بالعلوم يمكن اعتباره ظاهرة عددية. لأن الاهتمام بهذا النوع من المجلات هو اقرب الى ان يكون "اكاديميا"، لا سيما لدى الطلاب غير المتميزين اجتماعياً، والذين، في الوقت نفسه، يتآلفون مع اللغة الاجنبية، ويلتحقون بدراسات تحتاج الى جهد اكاديمي. هذه الاسباب مجتمعة تجعل المسيحيين اكثر من المسلمين من مفضلي مجلات العلوم وهي عندنا اساساً مجلة Science et vie، كنتيجة عددية لغلبة الطلاب المسيحيين الذين يدرسون باللغة الاجنبية، وهم من فئات اجتماعية غير عليا: اللبنانية الموحدة، اللبنانية 2، الكسليك، اليسوعية. بالاضافة الى اهمية العامل الاجتماعي هناك عامل للجنس، اي الفروقات التقليدية بين اهتمامات الذكور والاناث، وهذا العامل يتفاعل مع العامل الاجتماعي لاحداث النزعة نحو المجلات النسائية في الجامعة اللبنانية، والرياضية في الجامعات الخاصة. بالاضافة الى العامل الاجتماعي، وعامل الجنس، والعامل الاكاديمي ثمة عامل آخر يصعب التنبؤ به، الا وهو العامل السياسي او الايديولوجي، فالاهتمام بالمجلات العامة/ السياسية ليست لصيقة بالاميركية واليسوعية والكسليك والاوزاعي، الا بسبب الاختلاط والجدل الذي تحدثه الاميركية اوبسبب الايديولوجيا اليسوعية، الكسليك، الاوزاعي. وهذا يفترض ان نجد قدرا اكبر من الاهتمام السياسي والمواقف الواضحة في هذه الجامعات لاحقا الفصلان الاخيران. وحالة الجامعة الاميركية تدفعنا الى اضافة عامل الاختلاط على لائحة العوامل التي نحاول بواسطتها فهم النتائج. وأهمية هذا العامل انه يخلق مناخا يغذي السجال والاهتمام بالقضايا العامة. والفارق بين هذه الوضعية ووضعية الاوزاعي والكسليك مثلاً، ان الاهتمامات في هذه الاخيرة يرجح فيها ما هو قبلي، وان الاهتمامات في الجامعة المختلطة من عدة جماعات دينية، تزيد فيها اهمية الاهتمام البعدي.