تعقيباً على مقال الصحافي اللبناني كمال طربيه المنشور في "الحياة" العدد 12999 تاريخ 6 تشرين الأول/ اكتوبر 1998 والمعنون "لماذا لا ينتخب الرئيس اللبناني بالاقتراع الشعبي المباشر" أود مشاركة الكاتب بعدد من الملاحظات. يقترح طربيه هذه الآلية لانتخاب الرئيس اقتناعاً منه بعدم امكان التحكم بپ"إرادة ثلاثة ملايين مواطن". ويأتي طرح الكاتب من موقع اللبناني الديموقراطي الذي يأمل في قيام "نظام علماني ديموقراطي قائم على المواطنية والمساواة والعدل في الرعية". الأخذ بهذا الاقتراح الوجيه يتطلب بيئة سياسية لم تولد بعد في لبنان وبسبب خطيئة فرنسية ارتكبتها سلطة الانتداب الفرنسي. فمن الناحية الدستورية والقانونية خرجت شعوب المنطقة جميعها تقريباً من العصر العثماني الذي كان يحدد علاقة الفرد بالدولة من خلال ملته، باستثناء شعب لبنان، إذ أبقى الفرنسيون، ووافق زعماء الملل اللبنانية، على النظام العثماني وألبسوا هذا النظام عباءة ديموقراطية حديثة الدستور اللبناني وجاء اتفاق الطائف ليعدل نسب وعلاقات التوزيع السياسي المللي الأمر الذي أبقى النظام الملي العثماني حياً. المفارقة التاريخية في هذه المسألة هي أن الملل المسيحية التي كانت تشكو من النظام الملي العثماني تحولت إلى رائدة لهذا النظام، لا لشيء، إلا لأن العباءة الديموقراطية الفرنسية دستور الجمهورية الثالثة ضمنت لها حصة الأسد في الترتيب القديم - الجديد. وهكذا بقيت علاقة الفرد اللبناني بالدولة من الناحية السياسية محددة بعلاقة ملته أو طائفته بالدولة. الفرنسيون، إذن أقاموا دولة ملية في لبنان وأخفقوا في إقامة جمهورية. والرئيس اللبناني منذ الاستقلال حتى اليوم كان دوماً رئيس دولة لا رئيس جمهورية. لن تقوم الجمهورية اللبنانية إلا بعد إلغاء هذا النظام الطائفي، ومن دون ذلك سيظل لبنان دولة فيديرالية من الطوائف أو "شركة طائفية مساهمة". فالانتقال من حال "الشركة الطائفية والمساهمة" إلى حال "الجمهورية" يتطلب حواراً تاريخياً بين اللبنانيين من أجل التوصل إلى وفاق حول القيم العليا للجمهورية اللبنانية والمؤسسات التربوية. ولإيضاح هذه النقطة، ومع الاحترام الكامل للروح الديموقراطية التي سادت مقال الكاتب طربيه، فإني أقول بأن اقتراحه بالاتيان برئيس الجمهورية عبر الاقتراع المباشر من الشعب يشبه اقتراحاً بالاتيان بأمين عام الأممالمتحدة من طريق الاقتراع الشعبي المباشر من كافة سكان الأرض.