قلة من الديبلوماسيين الأميركيين عاصرت الرئيسين السوريين، السابق حافظ الأسد والحالي بشار الأسد. أدوارد دجيرجيان، مدير معهد جايمس بيكر للديبلوماسية العامة ومؤلف كتاب «الخطر والفرصة»، تمتد تجربته في الشرق الأوسط عبر ثماني إدارات أميركية، بينها توليه حقيبة سفير سورية بين 1988 و1991 وزياراته المتعاقبة لدمشق بعد ذلك. دجيرجيان قال في حوار مع «الحياة»، إن الوضع في سورية وفي غياب أي حدث استثنائي، «يتجه نحو مواجهة طويلة» لن تأتي «بمنتصر أو مهزوم»، لكنه ينوِّه بعوامل إقليمية وأخرى داخلية تجعل من الوضع القائم «غير قابل للاستمرار» للنظام. ويتحدث الديبلوماسي المخضرم من خلال تجربته مع الرئيسين، عن أوجه الشبه والاختلاف بين الأسد الأب والابن، معتبراً أن الابن «ليس لديه السيطرة الكاملة على مقاليد الحكم» أو «ميزة الحسم في القرارات». دجيرجيان كشف عن رأي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق رابين بالأسد الأب، ورأى أن إيران وحزب الله سيكونان الخاسرين الأكبرين في حال سقوط النظام السوري. وهنا نص الحوار: هل وصل الوضع في سورية الى نقطة اللاعودة، بالنسبة الى النظام هناك؟ - باستثناء حصول حدث محفز ونوعي يغير الواقع على الأرض بين النظام والقوى المعارضة في سورية، أتخوف من الدخول في مواجهة طويلة ومأسوية في المدى الوشيك من دون منتصر أو مهزوم. النظام السوري قال بوضوح إنه يطبق الإصلاحات ضمن شروطه فقط، وطبقاً لجدول زمنه، وقال أيضاً إنه سيستخدم القوة القاتلة ضد شعبه الذي يطالب من خلال الانتفاضات الشعبية والتظاهرات بتغيير في الهيكلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على غرار الصحوة العربية في المنطقة. موقف (الرئيس السوري) بشار الأسد منذ البداية الأولى لعهده كان الحديث عن الإصلاحات، إنما مع تأجيل تطبيق الشاملة منها الى أجل غير مسمى. أذكر نقاشي معه في سنة 2003 في دمشق، والذي كتبت عنه في كتابي «الخطر والفرصة–رحلة سفير أميركي عبر الشرق الأوسط». عندها، وحين كرر أمامي الأهمية التي يعطيها للإصلاحات، أشار الى أنه ليس على عجلة في تطبيقها. في أحد النقاشات قال لي إن الشعب يجب أن يكون مستعدّاً للإصلاحات، وإن الخطوة الأولى هي «في إصلاحات إدارية». هذا كان تراجعاً واضحاً عما أوحى به كرئيس اصلاحي شاب في العام 2000 عند تسلمه السلطة. إن الموقف اليوم في وجه الانتفاضات الشعبية في سورية، يعزز استمرار النهج العنيد للنظام في وجه أي أجندة إصلاحية جدية. إذا أخذنا في الاعتبار انقسامات المعارضة وغياب قدراتها التنظيمية، وحقيقة أننا لم نر حتى الآن انشقاقات أساسية في النظام، فأين المخرج؟ هل تخاف من حرب مذهبية؟ - غياب الوحدة وعدم وجود اتجاه سياسي متماسك لدى المجموعات السورية المعارضة، يصبان من دون شك في مصلحة النظام وفي استمراره بالتشبث في السلطة. وسيطرة الفئة العلوية على قوى الأمن والجيش، الى جانب ولاء مجموعات مستفيدة حتى الساعة، يعطي النظام شريان حياة، إنما لا أعتقد أن هذا الأمر قابل للاستمرار في المدى الطويل. هناك عوامل تاريخية وإقليمية متداخلة هنا، والصحوة العربية تمثل تحولاً في الطبيعة السياسية للشرق الأوسط. ان استمرار المواجهات الدموية بين المتظاهرين والجهاز الأمني للنظام، وتفاقم الوضع الاقتصادي المتدهور بسبب العقوبات الدولية، وازدياد عزلة سورية، تضع شرعية النظام قيد التساؤل اليوم، دوهي بالفعل صارت مفقودة في نظر الكثير من الدول. إن نقطة التحول في هذا الواقع، هي عندما يصبح الشارع السوري في حلب ودمشق مركزاً للتظاهرات، على غرار ما يجري في درعا وحمص وحماة واللاذقية ودير الزور وأماكن أخرى. إن تحذير رئيس الوزراء التركي (رجب طيب) أردوغان في القاهرة من خطر الحرب المذهبية في سورية، قد يصبح واقعاً بالفعل. هكذا سيناريو يمثل خطراً واضحاً على الشعب السوري أولاً وعلى المنطقة ككل. ما هو تقويمك لمواقف إدارة الرئيس باراك أوباما من دعوة الأسد للتنحي، إلى فرض عقوبات والعمل مع المعارضة؟ - من الملفت في رأيي أن دول المنطقة والمجتمع الدولي، أعطت بشار الأسد في بداية الاحتجاجات مساحةً للمناورة وللقفز أمام حركة الاحتجاجات والقيام بإصلاحات جدية، لكنه لم يستفد من ذلك الوضع، هو «قال الأقوال إنما لم يَسِرِ المسار» كما نقول بالإنكليزية. وروسيا تحضه حتى اليوم على الانخراط مع المعارضة لبدء هذه الإصلاحات، وإدارة أوباما أعطته فائدة الشك بداية، إنما مع قمعه الوحشي لشعبه وتصديه لتطبيق أي إصلاحات حقيقية، تخلصت واشنطن من الوهم هي وحكومات أخرى. من مصلحة الولاياتالمتحدة أن تكون في الجهة الصحيحة من التاريخ في الصحوة العربية، وأن تدعم المطالب المشروعة للشعب العربي بالحرية وحق تقرير المصير والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. هل يمكن العقوبات أن تؤدي الى انهيار نظام الأسد، أو هل يمكنه تكرار نموذج صدام حسين؟ - العقوبات الدولية فاعلة طالما أنها شاملة ومن أكثر من طرف. أما العقوبات الفردية، فيمكنها أن تضر، وهي غالباً رسائل سياسية. ان انضمام دول أكثر الى قافلة العقوبات ضد النظام السوري، سيعني ضغوطاً أكبر على الأسد، وسيكون لها مفعول. المهم في ذلك حصد موافقة دول محورية في مجلس الأمن الدولي مثل روسيا والصين. هل الخيار العسكري واقعي اليوم؟ إذا كان الجواب: لا، فما الذي سيغير المعادلة؟ لا أعتقد أن الخيار العسكري واقعي في الإطار السوري، بالتأكيد يكون من الطائش للولايات المتحدة في رأيي أن تنخرط في عملية عسكرية أخرى في الشرق الأوسط الكبير، في ضوء التزاماتنا العسكرية في العراق وأفغانستان ومع حلف شمال الأطلسي في ليبيا. لسنا أمام واقع في سورية يمكن إدارته مباشرة من الخارج، فديناميّات التغيير في سورية ستأتي من الداخل. في إمكان المجتمع الدولي أن يدعم قوى التغيير في سورية لا أن يقودها. تغيير المعادلة يكون إما بحدث محفز ونوعي غير متوقع، أو بثورة الشارع في حلب ودمشق. أنت عاصرت وتعاطيت مباشرة مع الأسد الأب والأسد الابن. ما هي أوجه الشبه والاختلاف الأبرز بين الرجلين؟ - وجه الشبه الذي أراه بين حافظ الأسد وبشار الأسد، هو أن الابن استكمل في الجزء الأكبر خطوطَ السياسة الداخلية والخارجية التي أسسها الأب. أما وجه الاختلاف الأساسي، فأراه في سمات القيادة، حيث كانت لحافظ الأسد سيطرة كاملة على حكومته وهيكلية السلطة والبلاد، وكان شديد التأني والتروي في عملية صنع القرار، وعندما يأخذ قراراً يكون (القرار) حاسماً. هذه الصفة، وللمفارقة، لمسها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إسحق رابين وأخبرني إياها قبل ذهابي لدمشق سفيراً للولايات المتحدة في 1988. رابين قال إن هذه كانت تجربة إسرائيل مع حافظ الأسد. نقلت موقف رابين لحافظ الأسد في آخر لقاء لي معه كسفير في 1991، وردَّ الأسد قائلاً إنه بإمكاني إخبار رابين بأنه على حق. لا أرى السيطرة نفسها وميزة الحسم في بشار الأسد. هناك غموض في أسلوب قيادته يترك الكثير من الأسئلة من دون إجابات، ويطلق الشكوك حول مدى تقديره للخطوط الحمر في المسائل السياسية الحساسة. كيف يمكن لسورية من دون الأسد أن تغير المنطقة؟ ما ستعنيه لحزب الله وللاستقرار الإقليمي؟ ما من شك في ذهني في حال تغيَّرَ النظام في سورية، أن الخاسرَيْن الأساسيين والفوريين هما إيران وحزب الله. سورية تمثل يد إيران الطولى في العالم العربي وفي المشرق، ووكيلها المسهِّل مع حزب الله والمواجهة مع إسرائيل. ان تراجع تأثير إيران في المنطقة وخسارة حزب الله لسورية كحليف سياسي ونقطة عبور للدعم الإيراني، سيغير دينامية المنطقة في شكل مهم. ومع ذلك، فان غياب أي تقدم حقيقي ملحوظ في مفاوضات السلام العربية-الإسرائيلية نحو الحل، في المسألة الفلسطينية والجبهات السورية واللبنانية، سيبقي المنطقة خطيرة ومزعزعة الاستقرار.