عودة الحركة الديبلوماسية بين الولاياتالمتحدة وسورية آخرها زيارة المبعوث جورج ميتشل الى دمشق قبل أيام، تطرح أسئلة حول أفق هذه الديبلوماسية، خصوصاً على صعيد عملية السلام التي تعتبر المحرك الأساسي لجهود الادارة الأميركية في المشرق العربي. ادوارد دجيرجيان، مدير معهد جيمس بايكر للسياسة العامة في هيوستن (ولاية تكساس)، المفاوض السابق والديبلوماسي المخضرم في ثماني ادارات أميركية كان خلالها سفيراً لبلاده في سورية واسرائيل ومساعداً لشؤون الشرق الأدنى ومستشاراً رئاسياً، يرى في جهود واشنطن بداية «لحوار استراتيجي شامل» مع دمشق ورغبة حقيقية منها في حل النزاع العربي - الاسرائيلي وبمساراته المختلفة. دجيرجيان، تحدث ل «الحياة» عن العلاقة السورية - الايرانية وانعكاساتها على أي تسوية سلمية وأعطى تصوراً براغماتياً لاستراتيجية أوباما في عملية بالسلام، متوقعاً أن تركز على المسار الفلسطيني و «تتكيف» مع بقية المسارات. وحذر المفاوض المخضرم ومؤلف كتاب «الخطر والفرصة»، الطرف الاسرائيلي من الهروب من مسار الى آخر أو من استبدال مفهوم الأرض مقابل السلام بمفاهيم أخرى. وهنا نص الحديث: ما أهمية زيارة المبعوث الأميركي جورج ميتشل الى سورية وما دلالاتها بالنسبة الى نهج واشنطن حيال عملية السلام؟ - زيارة ميتشل الى سورية تظهر رغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما في السعي الى سلام وتسوية شاملة في المنطقة ليس فقط بين إسرائيل والفلسطينيين، بل أيضاً بين إسرائيل وسورية وإسرائيل ولبنان. أهمية هذا النهج أنه يلحظ عناصر الربط والتواصل بين هذه المسارات، فمن ناحية يجب أن يكون المسار الفلسطيني - الإسرائيلي المحور الأساسي لعملية السلام بسبب مركزية هذه القضية، انما المهم من الناحية الأخرى إطلاق حوار شامل مع سورية ليس فقط حول السلام بل حول الوضع الإقليمي عموماً، وعلاقتها وتأثيرها في مجموعات مثل «حماس» و «حزب الله» وعلاقتها بإيران. الإدارات السابقة ومن بينها إدارة جورج بوش (2000 - 2008) اعتمدت نهج الانخراط مع سورية، انما اشتكت من عدم حدوث تغيير في سلوك دمشق. هل نحن أمام مرحلة مختلفة اليوم، ماذا يمكن لواشنطن أن تقدم لسورية لتغير تصرفها؟ - أعتقد أن السوريين يريدون اليوم امتحان اقتراح أوباما حول استعداده للدخول في حوار استراتيجي مع انظمة معادية للولايات المتحدة. ان ما تسعى اليه سورية هو حوار متكامل غير محصور أو مرتكز مثلاً حول العراق (ما قام به بوش) بل يشمل السلام والتعاون في ميدان محاربة الارهاب وتنظيم القاعدة وتبادل الآراء حول لبنان وتحديد العلاقة الثانية ومستقبلها بين البلدين. بالنسبة الى موضوع عملية السلام، يقول بعض المشككين أن سورية يهمها فقط الدخول في عملية السلام وليس ابرام اتفاقية سلام. ما رأيك؟ - استناداً الى تجربتي مع الجانب السوري والتي بدأت مع الرئيس الراحل حافظ الأسد وفي اجتماعات متلاحقة مع الرئيس بشار الأسد، لمست ثباتاً من القيادة السورية «في انتهاج السلام كخيار استراتيجي» كما قال لي كل من الرئيسين السابق والحالي. هذا يعني استعداد سورية للانخراط في مباحثات السلام، وانعكس هذا الأمر في انخراط سورية أخيراً في مباحثات سلام غير مباشرة مع اسرائيل عبر الوسيط التركي. ليس لدي أدنى شك في أن سورية تريد الدخول في عملية سلام، كما أكدوا أخيراً وعلى لسان الرئيس الأسد أنه في حال وصول هذه المحادثات الى مرحلة جدية، ستكون المشاركة الأميركية فيها بقدر بالغ من الأهمية، وهم (الحكومة السورية) يريدون ذلك. ما أهمية الوسيط الأميركي؟ - شاركتُ شخصياً في مؤتمر مدريد (1991) وفي صوغ إطار السلام الذي خرج عن ذلك المؤتمر، وتفاعلت مع المسار السوري للسلام حين كنت سفيراً في دمشق وفي إسرائيل ومساعداً لشؤون الشرق الأدنى في الخارجية. من الواضح أن إطار مدريد هو للسلام الشامل بين كل الأطراف، ولحقته فترات من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين سورية وإسرائيل أشرفت عليها حكومات أميركية وإسرائيلية متعاقبة، وهناك ارث تفاوضي مفصل يتعاطى مع مسائل محورية مثل الأرض والسلام والمياه تم التعامل معها بالتفصيل. ليست مبالغة عندما يقول البعض أن 80 في المئة من المسائل في المفاوضات السورية - الإسرائيلية تم حلها. ما نحتاج اليه اليوم هو انخراط سورية والحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية لإنهاء واستخلاص هذه المفاوضات. هل تؤيد فكرة «سورية أولاً»، أي الوصول الى تسوية على المسار السوري قبل بقية الملفات؟ - لا، أنا لا أحبذ فكرة سورية أولاً. يجب متابعة جميع المسارات في شكل متواز وبالنمط والسرعة نفسيهما. أنا ضد فكرة تفضيل مسار على آخر لأن هذا النهج محكوم بالفشل. المسألة الفلسطينية تبقى محور المشكلة السياسية، واذا تم تجاهلها سيكون من الصعب على أي دولة عربية أن توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، ومن دون أي تقدم واضح وأفق محدد على المسار الفلسطيني. هل تنصح أوباما بوضع خطة سلام أو عقد مؤتمر دولي خلال وقت قريب؟ - إدارة الرئيس أوباما تمضي بذكاء في عملية السلام، بدايةً، بتعيين ميتشل المفاوض البارع والذي يجهد اليوم لاعادة تركيز الفلسطينيين والاسرائيليين على القضايا المحورية والبحث عن السبيل الأفضل للمضي الى الأمام. من المهم تحليل الوضع وفهمه قبل البدء بخطوات فعلية، وهذا ما تقوم به تحديداً الادارة الأميركية. أعتقد أن الإدارة اليوم، في ما يتعلق باستراتيجية عملية السلام، هي في مرحلة الحمل، وهم يطورون ما قد يصبح استراتيجيتهم التفاوضية. الاستراتيجية ستكون مركزة على المسار الفلسطيني انما ستتكيف مع أي حركة تتم على المسار السوري. هناك بعض التكهنات بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وبحسب تحالفه السياسي الضيق والصعوبات التي تعترضه في مسألة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس قد يهرب باتجاه المسار السوري. أياً كان قرار نتانياهو لن يكون على حساب المفاوضات الفلسطينية وكونها محور النزاع. ماذا عن التحالف السوري - الإيراني، هل يمكن أن يعرقل فرص السلام مع دمشق؟ - أعتقد أن لدى السوريين والإيرانيين تفاهماً بأن دمشق ستلحق بمصالحها القومية في النزاع العربي - الإسرائيلي والتي تستند الى استعادة هضبة الجولان. مثلاً، لم يثر الايرانيون أي ضجة حول المحادثات التي ترعاها تركيا بين سورية واسرائيل، وهذا الأمر، في رأيي، سيتكرر في حال أضحت المحادثات مباشرة أو مع الولاياتالمتحدة كوسيط. هذا لا يعني أن التحالف سيزول أو ينهار، فالعلاقة ستستمر. في هذه الحال، ماذا عن المطلب الاسرائيلي بتحول استراتيجي في تفكير الحكومة السورية مقابل السلام، أي مفهوم النقلة الاستراتيجية بالتخلي عن دعم «حماس» و «حزب الله» مقابل السلام وليس على مفهوم الأرض مقابل السلام؟ - أي عملية سلام ترتكز على مفهوم «السلام مقابل السلام» سيكون مصيرها الفشل. ان المفاوضات العربية - الإسرائيلية يجب أن تستند على مبدأ «الأرض مقابل السلام» وطبقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338. هذا هو الإطار لمؤتمر مدريد وهذا يبقى الإطار الوحيد الصالح لصنع السلام. ان إحراز تقدم في مفاوضات «الأرض مقابل السلام» يجب أن يتكيف مع مسألة دعم منظمات «حماس» و «حزب الله» والجهاد الإسلامي ومسائل أخرى. انما النقطة المحورية لأي إطار للحل هو «الأرض مقابل السلام». وبكل بساطة، أي نهج لآخر لن يكون في الإمكان المحافظة عليه.