على رغم اتخاذها الخطوة الأكبر ضد النظام السوري ودعوتها الرئيس بشار الأسد إلى التنحي، تبقى خيارات واشنطن محدودة في تحقيق هذا الهدف. وتعكس الاستراتيجية الأميركية المرتكزة على عصا العقوبات والتواصل مع المعارضة، ادراكاً بأن المجتمع الدولي أمام أزمة طويلة في سورية، قبل الوصول إلى مرحلة انتقالية حقيقية تلبي تطلعات التغيير هناك. ويوضح الخبير في «معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية» آرام نركيزيان ل «الحياة» أن الأوراق الأميركية محدودة التأثير في سورية في ظل انعدام التبادل التجاري وعدم وجود علاقات ديبلوماسية قوية مع أركان النظام. ورأى أن نجاح العقوبات الاقتصادية سيعتمد على الجانب الأوروبي الذي ينتظر بدوره (وخصوصاً إيطاليا) استئناف عمل المصافي النفطية في ليبيا قبل تطبيق الحظر على النفط السوري. وتعوّل واشنطن، وفق نركيزيان، على وحدة الموقف الأوروبي والتزام جميع دول الاتحاد تطبيق العقوبات. أما الشق الثاني من استراتيجيتها، فيرتكز على العمل مع المعارضة السورية، لكن انقسامات هذه المعارضة وعجزها عن توحيد جهودها التنظيمية بعد ستة أشهر على الاحتجاجات تفرض التريث في الموقف الأميركي حيالها. وتؤكد مصادر موثوقة ل «الحياة» أن واشنطن تحاول مساعدة المعارضة السورية للخروج بهيكلية تنظيمية مقبولة قبل انطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال أسابيع، لمنحها منبراً دولياً للتواصل مع الأطراف الدوليين. أما الخيار العسكري، فتحول عوامل دولية وأخرى اقتصادية ولوجستية من دون جعله محبذاً أو واقعياً اليوم. ويشير نركيزيان إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب سوق الأسهم العالمي يجعل من أي تحرك عسكري غير مرغوب فيه في هذه المرحلة، خصوصاً بعد دروس ليبيا التي امتدت أزمتها فترة أطول مما توقع حلف شمال الأطلسي. ويلفت إلى أن أي تجربة في سورية تضاعف تعقيداتها تلك على الساحة الليبية، خصوصاً أن أي عمل عسكري هناك سيكون له تأثير على الدول المجاورة بما فيها اسرائيل والأردن وتركيا ولبنان والعراق الذي تستعد واشنطن لاستكمال انسحابها منه. ويُضاف الانقسام الدولي حول الملف السوري و «رسم روسيا خطاً في الرمل» في معارضتها أي تدخل عسكري، إلى هذه التعقيدات، وفق الخبير. ولا يساعد دخول كل من فرنسا والولايات المتحدة في مواسم الانتخابات الرئاسية العام المقبل، فرص هذا الخيار، مع سعي حملة باراك أوباما إلى تفادي أي مجازفة في الخارج أو الداخل. وفي ضوء غياب عناصر الحسم السياسي داخلياً وخارجياً، وما يسميه نركيزيان «قناعة مستمرة لدى النظام بأنه أقوى مما هو عليه»، ومع استمرار الانقسامات في المعارضة، تذهب التوقعات الى أن الأزمة ستكون طويلة في سورية، إلى حين إدراك النظام بضرورة مباشرة المرحلة الانتقالية التي تريد واشنطن تسريعها عبر أدواتها الديبلوماسية. ولا تخفي مصادر موثوقة أن تفكير واشنطن بالمرحلة الانتقالية جاء بعد قناعتها الكاملة وعلى مستويات الإدارة كافة بأن نظام الأسد «وصل نقطة اللاعودة»، وأنه أصبح أشبه ب «رجل ميت يمشي» والمعضلة هي في مباشرة المرحلة الانتقالية.