على رغم التشنج الذي تشهده الحدود التركية - السورية والتعقيدات المتزايدة في الداخل السوري، تعكس أجواء العاصمة الأميركية التزاماً بنهج حذر وبراغماتي، يستثني التدخل العسكري، ويرى في سقوط النظام أمراً حتمياً بسبب تراجعه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. أما الاستراتيجية فهي مبنية على التواصل مع اللاعبين في الداخل والاستعداد لحل سياسي ومرحلة انتقالية تضمن خروج الرئيس بشار الأسد. وجاءت تصريحات الوزيرة هيلاري كلينتون، التي دانت فيها القصف السوري داخل تركيا، وتأكيدها على «خطورة الوضع... وضرورة التقاء الدول المسؤولة لإقناع نظام الأسد بوقف النار وبدء عملية المرحلة الانتقالية السياسية»، ليعكس سعي واشنطن إلى التهدئة واحتواء أي تصعيد عسكري. إذ تفضل الإدارة الأميركية، العمل عبر الأممالمتحدة ومجلس الأمن، في ظل استبعاد المراقبين وصول الأزمة التركية - السورية إلى مستوى الحرب، ولأسباب تندرج بانشغال القوات السورية بأزمتها في الداخل، وتردد أنقرة في الدخول في أي مواجهة من دون غطاء دولي ومن دون إجماع داخلي. وتعكس الأجواء الأميركية استمرارية التمسك بخيار الحل السياسي كمخرج للأزمة في سورية، بغض النظر عن انشغال الإدارة في الانتخابات الأميركية. إذ ترتبط الاستراتيجية الأميركية إلى حد أكبر بالمعطيات على الأرض والدروس الكثيرة المستخلصة من التجربة العراقية، والحرص على تفادي تكرارها في سورية بمنع انهيار مقومات الدولة هناك أو تحول مناطق سورية إلى ملاذ آمن لتنظيم «القاعدة». ويرى الخبير في معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أندرو تابلر أن واشنطن «بدأت تستوعب، وعلى مهل، أن الثورة السورية باتت معسكرة». وعبر عن هذه المخاوف من دخول تنظيم «القاعدة» أكثر من مرة وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، كما أثارت التفجيرات الأخيرة في حلب التي تبنتها «جبهة النصرة» القلق من خلايا متطرفة. من هنا، تركز المساعي الأميركية على محورية الوصول إلى حل سياسي، يبدأ من الخطوات التي تحدثت عنها كلينتون بوقف لإطلاق النار وحوار شامل يقود إلى مرحلة انتقالية تضمن خروج الأسد. ويؤكد تابلر الانطباع السائد أميركياً أن الأسد على رغم تمسكه بالسلطة فان قبضة نظامه تتراخى وتراجعت عسكرياً، وسياسياً واقتصادياً. إذ أن تنامي نفوذ المعارضة على المناطق الحدودية مع تركيا والأردن والعراق، واستمرار معركة حلب، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها النظام، تزيد من قناعة الأميركيين بحتمية انهياره. وكان لأحداث مدينة القرداحة وقع ملحوظ في العاصمة الأميركية، وكدلالة على تضعضع الدعم لنظام الأسد بين الطائفة العلوية. وحاولت الإدارة ولفترة طويلة تشجيع المعارضة على التواصل مع كل فئات المجتمع السوري وطمأنة الأقليات إلى ضمان حقوقهم في المرحلة الانتقالية وبعد الأسد. ويقول تابلر، الذي عاش في سورية لفترة سبع سنوات، أن العلويين هم «مفتاح» لاستمرار الأسد في السلطة وبسبب حضورهم في الأمن والجيش وأنه فيما تعكس أحداث القرداحة أن «بعض العلويين بدأ يشعر بالاضطراب فهذا لا يعني أنهم أشرفوا على الانقسام». كما يبدو جلياً تحول الاستراتيجية الأميركية إلى التركيز بشكل أكبر على معارضة الداخل وليس فقط المجلس الوطني الذي تراجع تأثيره في الفترة الأخيرة. وشاركت مجموعة من الهيئات التنسيقية في اجتماعات في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويهيئ نضوج هذه المعارضة إلى الدخول في حوار سياسي حقيقي يمهد للمرحلة الانتقالية، وبسبب عدم وجود حل عسكري فاعل للأزمة. فالانتخابات الأميركية ولو أنها تأتي بحسابات أكثر حذراً في المدى المنظور، فليس لها انعكاسات كبيرة على الملف السوري. ويفسر مراقبون تردد واشنطن في تسليح المعارضة بالمخاوف من انهيار مقومات الدولة أو وقوع السلاح في أيدي متطرفين، ويرون أن التدخل الخارجي غير وارد بسبب عدم وجود غطاء دولي والمخاوف من تكرار السيناريو العراقي. وعدا عن إمكانية استخدام النظام للأسلحة الكيماوية أو نقلها، والتي وصفها أوباما ب «الخط الأحمر» فان فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية، سيحمل استمرارية في نهج واشنطن للاستراتيجية الحذرة في الضغط على الأسد وضمان خروجه بآلية سياسية تحمي المصالح الأميركية في المدى الأبعد.