منذ عملية اغتيال عدد من القيادات الأمنية في النظام السوري الأسبوع الماضي ثم الفيتو الروسي - الصيني في مجلس الأمن الدولي، بدأت الولاياتالمتحدة تتكيف بشكل أكبر مع العسكرة المتسارعة للأزمة في سورية. وتحاول واشنطن زيادة تأثيرها على معارضة الداخل وعلى الساحة الدولية بعيداً عن مجلس الأمن لهندسة مخارج للأزمة وتفادي «الخط الأحمر» بفقدان السيطرة على الأسلحة الكيماوية. وتقول المحللة في معهد الشرق الأوسط رندا سليم ل «الحياة» أن فكرة «الهبوط الآمن» للأزمة السورية والتي تحدث عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما في آذار (مارس) الفائت «لم تعد موجودة اليوم» وأن واشنطن بدأت تتكيف للتعامل مع حقائق جديدة على الأرض، تنطلق من ازدياد قوة المعارضة المسلحة وقدرتها على «الاستحواذ على مساحة أكبر من الأراضي» كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. كما يعزز هذا التوجه فشل الجهود الديبلوماسية في مجلس الأمن الدولي أمام الفيتو الروسي - الصيني، وتأكيد سفيرة الولاياتالمتحدة لدى المنظمة سوزان رايس أن واشنطن ستعمل خارج المجلس للدفع بحل للازمة. وما زال التدخل العسكري مستبعداً في واشنطن لأسباب ترتبط بالتعقيدات الكبيرة على الأرض، وغياب التوافق الدولي، واقتراب الانتخابات الأميركية، وعدم وجود تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي باستنثاء الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام. وفي اعتماد هذه الاستراتيجية ترى سليم أن واشنطن ستركز على التواصل مع معارضة الداخل، سواء كانت من الثوار أو المجالس التنسيقية. اذ ومع استمرار الانقسامات بين أركان المعارضة وعدم قدرة المجلس الوطني السوري من امساك زمام القيادة على النحو الذي أمسكه المجلس الانتقالي في ليبيا، تحاول واشنطن استيعاب وزيادة تأثيرها في أوساط معارضة الداخل ومع المنشقين والذين سيكون لهم دور في المرحلة الانتقالية. وفيما ترى الادارة في المجلس الوطني «ممثلا شرعياً» للشعب السوري، لم تمنحه لقب «الممثل الشرعي» وانتظرت طوال فترة ما يقارب التسعة أشهر على تأسيسه وقيامه بخطوات لتوحيد رؤية المعارضة أو وضع خطة انتقالية وزيادة شعبيته في الداخل. أما لناحية المعارضة العسكرية لنظام الأسد، فتعتبر سليم أن سورية هي أمام مرحلة «كر وفر» في المعارك بين الجانبين. فلا النظام لديه القدرة على طرد الجيش الحر بالكامل وبسط سيطرته على كامل الأراضي، ولا الثوار لديهم القدرة على الامساك لفترة طويلة بمكاسب جغرافية كبيرة. ومن هنا تتوقع الخبيرة الاميركية مرحلة شد حبال بين الجانبين، واستخدام النظام ما تبقى له من «قوته النارية» مقابل ازدياد قوة المعارضة بسبب الانشقاقات واستعداداً للحسم. وترى سليم أن واشنطن ليس لديها تأثير كبير على المعارضة المسلحة لسببين: الأول غياب حضورها القوي داخل سورية، والثاني بسبب سعيها لتفادي «تجربة طالبان» في أفغانستان حين سلحت مجاهدين لمحاربة السوفيات، ما أدى لاحقاً الى صعود الحركة وسيطرتها على البلاد وصولاً لاحتضانها تنظيم القاعدة واعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وتقول سليم إن واشنطن ستمتنع عن تسليح المعارضة لهذه الأسباب، وأنها ستبقى على مسافة من هذا الأمر. وتوضح الخبيرة بأن الخط الأحمر الوحيد لواشنطن في سورية اليوم هو مسألة السلاح الكيماوي، والذي سيبحثه وزير الدفاع ليون بانيتا مع الجانب الاسرائيلي نهاية الأسبوع، وعدا عن هذا العامل فإن سياسة الادارة هي «رد فعل وليس التحرك».