يبدي الشاب زكي الغراش، حماساً، وهو يمارس حرفته في صناعة الفخار بإتقان، وبروح الجدية والكفاح، محُيِياً جانباً من تاريخ طويل في هذه المهنة، التي كادت تندثر من بعض محافظات المنطقة الشرقية، التي اشتهرت بها منذ القدم، وبخاصة الأحساء والقطيف، «موطن صناعة الفخار في السعودية». وتعد صناعة الفخار إحدى الصناعات التقليدية اليدوية، حتى أن الجرار الهجرية (نسبة إلى الاسم القديم للأحساء) الكبيرة، استخدمت كمقياس معتمد لكل سكان الجزيرة، على مدى قرون طويلة. وذُكرت في الكتب المدونة في القرون الإسلامية الأولى. وللفخاريات الهجرية أشكال وأنواع وأحجام وأسماء متعددة، وأيضاً استخدامات عدة، منها الجرة «الحب»، والمصخنة، والمبخر، وغيرها من الأوعية الفخارية، والمجسمات، والمزهريات. واشتهر أهل بلدة القارة في الأحساء، بهذه الصنعة، لقربها من جبل القارة، وهو مصدر الطين المستخدم في صناعة الأواني الفخارية. ومن أهم المصنوعات: الزير، والتنور، والجرار. ويشرح الغراش (35 سنة)، الذي اكتسب اسم عائلته من هذه الحرفة، لزوار مهرجان «عيد أرامكو السعودية الثقافي» في مدينة الظهران، مراحل صناعته في شكل «مشوق»، قائلاً: «إن صناعة الفخار تتم على مراحل، إذ تبدأ بفصل رمل الفخار عن عروق الشجر العالقة بها، ثم يتم نقعه في الماء في أحواض معدّة لهذا الغرض، تليها عملية استخراج الطين، الذي يُداس بالأقدام بقوة، حتى تمتزج العجينة بالماء جيّداً. وبعد ذلك تأتي مرحلة «التلويت»، أي فرك العجينة باليد حتى تصبح قوية ومتماسكة وجاهزة للتشكيل بواسطة آلة «المرجل»، التي تُدار بالأرجل بواسطة دولاب مصنوع من الحجر. فيما يدور الدولاب السفلي ويتحرك الدولاب العلوي الذي يحمل الفخار، فيقوم الصانع بتشكيل الفخار بيده، بحسب الحجم والشكل». وتتم آخر مراحل صناعة الفخار فيما يعرف ب «بيت النار»، أو الفرن الذي يحرق فيه الفخار، وهو مصنوع من الطين الجاف. وتجري عملية الحرق بإشعال النار في حفر تقع على جوانب الفرن، بحيث تمتد ألسنة النار إلى الفوهة التي تقع أعلى الفرن. ويتم رص الفخار وتغطيته تماماً بقطع الفخار المكسور، لضمان عدم تسرب الحرارة منها. وأضاف الغراش، أن «الطين يعتبر المادة الرئيسة المستخدمة في صناعة الفخار. فيما يعتمد الصناع على الدولاب، الذي يدار بواسطة القدمين، وكذلك مشط خشبي صغير للزخرفة، وفرن لحرق الفخار»، مبيناً أنه «بعد إحضار الطين الناعم يُخمّر في الماء لمدة يوم واحد، ثم يوضع على لوح خشبي لمدة يوم واحد أيضاً، حتى يصبح عجيناً، إذ يُداس بالقدمين حتى يكتمل عجنه، ثم يقطع منه، ويوضع على سطح مكتبة دولاب الفخار، وبعد ذلك تدار بواسطة القدمين، وتشكل عجينة الطين بواسطة اليدين خلال دورانها بحسب الطلب. وتعمل عليها الزخارف بالمشط الخشبي، ثم توضع في الشمس حتى تجف، وبعد ذلك تحرق في فرن الفخار حتى تصبح قوية ولا تذوب في الماء». يُشار إلى أن مهرجان «عيد «أرامكو» تمكن من خلال استضافته لعدد من الحرفيين، من تجديد صورة الماضي بمصنوعات أثرية وقديمة، تعود إلى حقب تاريخية متعددة. ساهمت في تكوين صورة لهذا الماضي على الواقع المعاش، وذلك من خلال استقطاب هذه الحرف، والمصنوعات، التي لاقت إقبالاً كبيراً. ويجد زائر المهرجان بغيته من هذا التاريخ الطويل، تحت خيمة تراثية، تحتضن داخلها روح الماضي وأصالته، إذ تتشكل المصنوعات وتتقاسم في فكرتها، وتاريخها، الزمن الذي يحكي عن وجودها.