كان من المفترض أن يَمْثُل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك امس امام المحكمة الجزائية في باريس في اطار الفصل الأخير من الفصول المتلاحقة لقضية الوظائف الوهمية في بلدية باريس التي ترأسها بين عامي 1977 و1995، لكن تدهور اوضاعه الصحية حال دون حضوره الى قاعة المحكمة وتسبب بجدل حول غيابه. وطلب جان فييه، وهو احد المحامين المكلفين الدفاع عن شيراك، من رئيس المحكمة دومينيك بوهت، أن يتيح لهم تمثيل موكلهم غيابياً، استناداً الى الرسالة التي وجَّهها شيراك الى هيئة المحكمة يوم الجمعة الماضي مقرونة بتقرير طبي يفيد أنه يعاني من نقص حاد في الذاكرة ومن تراجع مهم في قدرته على التفكير وتقدير الأمور. وأكد فييه لرئيس المحكمة أن شيراك، وهو اول رئيس جمهورية سابق يلاحَق قضائياً في فرنسا "لن يحضر الجلسات اذا سمحتم بذلك، وسيحضر اذا طلبتم ذلك"، وأنه لم يَسْعَ أبداً الى التهرب من مسؤوليته او تأخير سير المحاكمة. ورأى المدعي العام ميشال مايس، أن الطلب المقدم من شيراك يمكن قبوله، فيما اشار بوهت الى أنه سيحدد موقفه لاحقاً من احتمال انعقاد المحاكمة التي تستمر حتى 23 ايلول الجاري. ومن المحتمل أن يدعو رئيس المحكمة الى إخضاع الرئيس السابق الى اختبارات طبية جديدة للتحقق من اوضاعه، على رغم التقرير المقدم الى المحكمة الذي أعده البروفيسور اوليفييه ليون-كاين، وهو من كبار الاختصاصيين في الأمراض العصبية، وهذا ما طالب به المحامي جيروم كارسينتي الذي يمثل الهيئة المناهضة للفساد امام المحكمة، قائلاً إن إعداد تقرير طبي من قبل اطباء متخصصين لدى القضاء سيتيح التوصل الى تقرير شفاف حول حال شيراك الصحية. وإضافة الى التقرير الطبي الجديد، بوسع رئيس المحكمة القبول بغياب شيراك عن الجلسات والمضي في محاكمته، كما بوسعه أيضاً تعليق الدعوى وإغلاق الملف الذي يتناول ممارسات مضت عليها عقود في حال ثبوتها. وتعذرت مقاضاة شيراك بتهمة دفع اجور 27 من المنتمين إلى "حزب التجمع من اجل الجمهورية" الذي كان يتزعمه، من موازنة بلدية باريس من دون أن يعملوا لديها، بسبب الحصانة الرئاسية التي كان يحظى بها بين عامي 1995 و2007 لدى طرح هذه القضية علناً. وكان الموعد الذي حدد في آذار (مارس) الماضي لبدء المحاكمة قد أُرجئ، نتيجة التماس قدمه المحامون المدافعون عن شيراك، ما أدى إلى إرجائها الى الآن لتصطدم مجدداً بعقبة أخرى مردها هذه المرة الى التدهور السريع الذي اصاب صحة شيراك (78 سنة)، الذي كان تعرض عام 2005 الى جلطة في الدماغ. وطغى موضوع التدهور الصحي للرئيس السابق على الموضوع الفعلي للمحاكمة، وهو الوظائف الوهمية، وسارعت وسائل الإعلام الفرنسية على اختلافها الى ايراد شهادات لأطباء اختصاصيين بهدف استيضاح طبيعة المرض الذي يعاني منه الرئيس السابق، الذي اصبح منذ مغادرته الحكم من اكثر الشخصيات شعبية لدى الفرنسيين. ويشكل هذا التطور موضوعاً مثيراً للألم لذوي شيراك والمقربين منه، خصوصا وأنه كان يُعِدّ نفسه لمواجهة القضاء وكشف الحقيقة عن الوظائف الوهمية امام الفرنسيين، ما دفع افراد اسرته الى إعداد التقرير الطبي الذي قدمه الى المحكمة الجزائية، لتجنيبه الظهور علناً في حال من الضعف الذهني الفائق. وأثار وضع شيراك نوعاً من التفهم العام في الوسط السياسي الفرنسي لم يَحُلْ دون صدور بعض المواقف الناقدة لعدم معاملته كأي مواطن عادي.