في «الغفران» لا شيء يحدث، فيروز تغني وباسل خياط يكتب، بينما تقول سلافة معمار كل شيء بعينيها الواسعتين، في هذا العمل ما من حدث ينتظر، سألت نفسي وأنا أتابع الحلقة الأخيرة ماذا حدث طوال الأيام ال30 الماضية؟ لكن الجواب غاب، أحب شاب فتاة غابت، عادا ليلتقيا تزوجا، ولم تدرك أنها تحبه قبل أن يكتشف أن حبها لم يكن صادقاً، انتهت الحكاية، لا تنتظر شيئاً آخر تابع التفاصيل الصغيرة واستسلم كل شيء سيقودك للنهاية بانبهار مطلق. في مسلسل «الغفران» يجبرك المخرج حاتم علي على احترام حوار بسيط جداً حول طريقة غسل الثياب، هذا الحوار يتحول بطريقة غير مفهومة إلى لغة رومانسية تتعرف عليها للمرة الأولى، لم نعتد على التفاصيل الصغيرة، نبحث دائماً عن الظلم عن البكاء المبرر وغير المبرر عن إخوة يتنازعون إرثاً، وابن يعذب والديه جوعاً وظلماً وهجراً، لكننا لم نكتشف يوماً قيمة النظرات ولا الكلمات الصغيرة ولا ترجمة أغاني فيروز حياة يومية ولا مشهد صباح اليوم الأول في العلاقة الزوجية. لم يفهم إلى اليوم منتجونا كيف أن الإيحاء البسيط يوصل المعنى ويعزز القيمة الفعلية للحدث من دون أن يجرح حضورنا أو يقلل من احترامنا لما نشاهد أو لمن يقضي أمام التلفزيون الساعات نفسها معنا، في «الغفران» تدرك للمرة الأولى أن حياتك بأكملها تفاصيل صغيرة جداً لا تبهر أحداً، لكنها تشكلك وتحدد علاقتك، منها يتحول النص الصغير إلى صورة ضخمة. في «الغفران» رجل لم يبك على رغم كل ما حدث، بكى للمرة الأولى على ما لم يحدث، قبل المشهد الأخير تجبرني عادتي على انتظار حدث ضخم كأنني أترقب انفجاراً لن يكون مبرراً في مشهد الأحداث، لم تسر الأمور على هواي، ففي المشهد الأخير أيضاً لم يحدث شيء صمت الأبطال لتتحدث أعين فقط، وبكى رجل لم يبك قبلاً كما صوره نص أشتهي من باب الفضول القاتل قرأته. في «الغفران» حتى شارة العمل تأتي فارغة إلا من موسيقى مبهرة يسبقها صوت باسل خياط يردد بيتاً للمتنبي قال فيه: «نصيبك في حياتك من حبيب/ نصيبك في منامك من خيال»، لم يغن الشارة فنان مشهور بأجر سداسي الخانات اكتفى منتجوه بموسيقى بني عليها العمل كاملاً، وعلى أساسها تأتي من خارج المشاهد في كل حلقة صورة لعازف بيانو يقدم مقطوعة العمل التي لا تشبه شيئاً سواه. في «الغفران» وحينما يصمت الأبطال تتحدث كاميرا حاتم علي، خصوصاً وهي تنتقل بنعومة لا تجرح انتباهك لتصور كل التفاصيل الصغيرة، فتنطق الصورة من دون صوت مسموع تتحدث زوايا المكان ونظرات الأعين وحركات اليدين، يعرف جيداً «علي» كيف يشرح لك ما حدث من دون أن يصوره أو ينطق به لسان البطل يكفي أن يحرك الكاميرا بطريقته الخاصة لتعرف بالضبط ماذا كان يعني بهذا المشهد. «الغفران» لم يكن عملاً ضخماً ولم يسوق على هذا الأساس، «الغفران» صورة مخرج أقنع نفسه قبل التصوير بأن الكاميرا والأعين الناطقة والتفاصيل المهملة هي المشهد الكامل في عين مشاهد يبحث عن نفسه بين فضائيات مزدحمة بما لا يشبهه. [email protected]