تبدو الشام جنة من الهدوء والوداعة، لا شيء يؤرق ناسها، بغض النظر عن مشاكلهم الشخصية، سوى العدوان على غزة. هكذا بدا الحال في المسلسل، ولعل التصوير انتهى قبل بدء الأحداث في سورية أو لعله خيار. فإلى الآن، لم تشر المسلسلات السورية إلى ما يجري في البلاد، وإن حدث فمجرد إشارات ضبابية. بيد أن اهتمام مسلسل «الغفران» بحدث «خارجي»، وتصويره سورية المتضامنة مع «الغير» يثير الفضول حول الطريقة التي ستتعاطى معها الأعمال السورية الجديدة التي ستعرض في رمضان مع حدث «داخلي»، كما أن إظهاره سورية «الأمس» الوادعة يعطي انطباعاً غريباً ببلد لم يعد هو، وكأن المسلسل يجري في ماض اندثر، أو في حاضر لا علاقة له بالبلد. في «الغفران» الذي كتب له السيناريو حسن سامي يوسف وأخرجه حاتم علي وتعرضه «ام بي سي» حالياً، يبدو السوريون مصدومين بما جرى في غزة. البطل (باسل خياط) يتسمر أمام شاشة «الجزيرة» منهاراً أمام مجازر العدو الصهيوني، والناس يتجمعون في مشهد (مركب ومفتعل) وهم يحملون لافتات منددة يفوق عددها عددهم ويقفون بصمت أمام شموع مشتعلة للتعبير عن استنكارهم وتضامنهم. أما سورية، فتبدو كما قد لا نراها في ما بعد ويظهر ناسها كما قد لا يظهرون بعد اليوم. في المسلسل المشغول بالغرام وصدماته الداخلية، كل شيء ساكن ظاهرياً وشوارع دمشق كأنها ليست هي الآن بل جزء من حلم. بدا المكان خلفية لا تضيف للحدث، لكنه أعطى هذا الإيحاء الخاص، وهو امر جاء بالتأكيد مما يجري حالياً في سورية، بأن هذه الأمكنة تبدلت اليوم وانتهت سكينتها وأن هؤلاء الذين يتحركون فيها لن يكونوا أنفسهم بعد اليوم... ثمة احساس بأن المسلسل يصور عالماً آخر بات نائياً، وأن كل شيء سيكون مختلفاً بعد الآن عن هذا الواقع الذي صوره. قد يكون الأمر مجرد انطباع شخصي تعطيه «الدراما» السورية ما قبل (آذار) مارس 2011... إنما ثمة انطباعات أخرى، أقل شخصية، عن العمل. كالحديث عن هفوات وقع فيها مثلاً ومنها الأعمار المعلنة لشخصياته الرئيسية التي لا تبدو مطابقة للواقع، كذلك تكرار استخدام معلمة الصف للهاتف الجوال اثناء الحصة الدراسية وأمام تلاميذها الصغار. ولكن ربما تكون تلك «الهفوة» بالذات مطابقة للواقع السوري. على أي حال يثير العمل، مهما كان زمن إنتاجه، سؤالاً عن مدى قدرة المسلسلات السورية الاجتماعية التي عرفت بواقعيتها الشديدة في الاستمرار في تجنب ما يجري في البلد من أحداث دامية، وإن كانت ستهرب من أحداث الحاضر بإسقاطها على الماضي أو باختيار ما يحدث في مكان آخر غير سورية مثل غزة مثلاً أو ليبيا سبيلاً للخروج من المأزق. لننتظر فإن رمضان لناظره قريب.