دعا المشاركون في مؤتمر «سمات الخطاب الإسلامي» الذي نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في القاهرة برئاسة الدكتور يوسف القرضاوي ورعاية الأزهر الشريف الى إبراز منظومة القيم الإسلامية في الفقه السياسي تدعيماً لممارسة سياسية راشدة تواكب تطلعات الجماهير وآمالها نحو حياة سياسية جديدة، مطالبين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتقديم وثيقة «دستور» تمثل المبادئ والقيم الإسلامية في علاقة الراعي بالرعية ومعالم الحكم الرشيد والاهتمام بعلم مقاصد الشريعة، والبحث في أثره في القضايا الفقهية المعاصرة وضوابط إعماله في الاجتهاد الفقهي والأصولي والفكري، وأيضاً التوسط في قضية التمذهب الفقهي بين من يغالي فيجعله واجباً شرعياً، وبين من يهمله أو يرفضه مؤكداً القاعدة الفقهية والدعوية القاضية بأنه لا إنكار في المختلف فيه، ولا حكم بالبدعة لرأي قال به عالم ثبت. وأوصى المؤتمر الدعاة بضرورة الوعي بأنهم ليسوا قضاة ولا ولاة على الناس، والوعي كذلك بنسبية مجال العمل الدعوي والاجتهاد الفقهي والفكري، على رغم قطعية الإسلام نفسه وشموليته، كذلك ضرورة التفرقة بين ما يطلق عليه «حوار الأديان» الذي قد يحمل في طياته نيات وأجندات استعمارية، وبين «حوار أهل الأديان» الذي يبحث عن أسس مشتركة للتعايش والتعاون. وألقى الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كلمة القرضاوي في افتتاح المؤتمر وأكد فيها على طبيعة الخطاب الإسلامي السلمية، وعلى أهمية «عصرنته» مع الحفاظ على ثوابته مشدداً على ضرورة أن تتحقق فيه شروط منها البصيرة والحكمة والموعظة الحسنة والترحيب بالحوار وأهمية فقه الأولويات في هذه المرحلة وفقه التجديد والإصلاح. وأوضح أن على الدعاة والحركات الإسلامية بيان ما هو من أولويات هذه المرحلة، ولا سيما في مجال التنمية وتحقيق مطالب الشباب في التقدم والرفاه. وأشار الدكتور حسن شافعي رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر، ممثلاً الإمام الأكبر أحمد الطيب في كلمته الى «دور الأزهر والعلماء في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الشعوب العربية والإسلامية، وذلك من حيث الحفاظ على نبع العلم الشرعي الصافي والالتفاف حول مظلة الأزهر الجامعة التي تركز على مبادئ الإسلام وتعلو على التفاصيل السياسية والحزبية»، ناصحاً العلماء الشباب بأخذ العلم الشرعي من أهله لا من الكتب وحدها. ولفت عصام البشير الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأمين المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في كلمته الى «أن من الخطأ في ميزان الإسلام انشغال التيارات الإسلامية بالتنافس السياسي بعد الثورات على حساب الدور الدعوي والخيري، مؤكداً أهمية التعريف الدقيق للمصطلحات ومراعاة الظروف التي تتعلق بالشريعة وتطبيقها في واقع الناس ومشدداً على ضرورة الإعداد التربوي والفكري للمجتمع، وفقاً لهدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي اهتم ببناء الساجد قبل بناء المساجد. شاركت في المؤتمر نُخبة من العلماء والدُعاة من مصر، السعودية، السودان، الإمارات العربية المتحدة، تونس وتركيا إضافة إلى عدد من ممثلي الحركات والجماعات الإسلامية. وتناولت أبحاث المؤتمر الرئيسة وتوصياته المحاور التالية: محور الخطاب الإسلامي والمرأة، محور الإسلام والآخر، محور الخطاب الإسلامي الدعوي، المحور الفقهي والسياسي والتنموي. ومن الدراسات التي نوقشت في المؤتمر «الخطاب الدعوي المعاصر: مشكلات ومقترحات» للدكتور سعيد إسماعيل صيني من السعودية، وأشار فيه إلى إن الخطاب الدعوي تطور من حيث وسيلة التعبير بصورة واضحة، وذلك بتسخير وسائل التقنية الإلكترونية، ومع هذا فهو يواجه مشكلات جوهرية وثانوية عديدة، يعود بعضها إلى المسلمين أنفسهم، وبعضها يعود إلى الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المسلمون. وبرأي صيني هناك فهم يجانب الصواب للمصطلحات الثلاثة: الجهاد، والولاء، والبراء التي وردت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية مرات كثيرة لتحدد نوع العلاقة بين المسلمين وغيرهم، فهذه المصطلحات هي التي تحدد الإطار والمبادئ الإسلامية للتعامل عبر الأديان أو الحضارات أو الدول المختلفة. فقد وقعت هذه المصطلحات الجوهرية ضحية لتأثر طرق فهم نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية بالظروف السياسية والاجتماعية التي سادت في عصور الازدهار الإسلامي، وبظهور الدولة الإسلامية كقوة عظمى، لها ثقلها السياسي قروناً عديدة. فنشأت النظرة الدونية إلى الآخر. ومن المشكلات غير «الشرعية» قصور الفهم في متطلبات الدعوة ولا سيما في العصر الراهن الذي يحتاج إلى الكفاءة الإدارية والعمل الجماعي والتعاون والتنسيق المتقن بين الجهود المتنوعة والمتفرقة. وفي دراسته عن (الإسلام والآخر) نبه الدكتور محمد عمارة الى عدة حقائق تتألق بها عظمة الإسلام وإنصافه وعدله وإنسانيته، وهي حرص الإسلام على عدم التعميم والإطلاق في الحكم والتقويم للآخر – كل آخر – فعلى رغم الذي قاله غير المسلمين في الإسلام وصنعوه بالمسلمين، يدعو القرآن الكريم إلى عدم التعميم في الحكم عليهم. كذلك الحال مع الغرب الحضاري، ويشير عمارة الى أنه يجب أن نميز في الغرب بين: الإنسان الغربي، وهنا لا مشكلة بين الإسلام وبينه بل إنه يفتح قلبه وعقله لقضايانا العادلة بل ولدين الإسلام إذا نحن نجحنا في تبليغ الدعوة وإقامة الحجة وإزالة الشبهة عن قضايانا وعقائد ديننا، والعلم الغربي - وبخاصة منه العلوم الطبيعية والدقيقة والمحايدة - وكذلك الخبرات والنظم التي حققت الحضارة الغربية فيها تراكماً معرفياً هائلاً وعظيماً... فلا بد من طلب هذا العلم، والسعي لتحصيل هذه الحكمة، التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها لأنها مشترك إنساني عام، أما المشكلة - كل المشكلة - فهي مع المشروع الغربي، الذي يريد إلغاء المشروع الإسلامي... أي الذي يريد إلغاء الآخر الحضاري للأمم والشعوب غير الغربية... وفرض النموذج الحضاري الغربي علي العالمين. واستعرض الدكتور وائل عبد المتعال شهاب نجم عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين «ضوابط الخطاب الفقهي للأقليات المسلمة - رؤية معاصرة» لافتاً الى ان الخطاب الفقهي للأقليات بحاجة ماسة إلى دراسات علمية جادة تهدف إلى ترشيده وتوجيهه إلى ما يحقق مصالح الجاليات المسلمة بما يتناغم مع الشريعة السمحة ويتوافق مع مقاصدها العليا، اذ ينبغي أن يتسم الخطاب الفقهي للأقليات بالضوابط التالية: مراعاة التيسير ورفع الحرج، الحرص على وحدة الجالية المسلمة ونبذ الفرقة، حسن إدراك الواقع وموجبات تغيير الفتوى مراعاة القوانين السائدة، عدم التعصب لمذهب فقهي، الحرص على المصلحة في ضوء فقه الموازنات ومآلات الأفعال، طرح البدائل المشروعة للمحظورات وتحري الوضوح وعدم الضبابية. كما يجب على الهيئات والمؤسسات - الحكومية والغير حكومية - المعنية بالخطاب الفقهي للأقليات المسلمة دعم الخطاب الفقهي الوسطي بكل الوسائل المتاحة ومنها: تكوين هيئات ولجان فقهية متخصصة تضم علماء شريعة معروفين بفقههم الوسطي وخبراء من تخصصات متنوعة كخبراء اجتماع واقتصاد وسياسة وقانون وغيرهم، عقد دورات تدريبية لتدريب الأئمة والخطباء بالمراكز الإسلامية بالغرب والشرق، ضرورة إنشاء كليات ومعاهد وأقسام خاصة بجامعة الأزهر والجامعات الإسلامية العالمية لدراسة صناعة الفتوى وأدواتها باللغات الأجنبية وتوفير الدعم الكافي لتلك الكليات والأقسام لتأهيل الأئمة والفقهاء المبتعثين من البلاد الإسلامية للأقليات بالشرق والغرب، تشجيع الموسرين من المسلمين على دعم المشاريع الداعمة للخطاب الفقهي للأقليات بالإنفاق عليها وحبس الأوقاف لها.