تشهد مصر ارتفاعاً شديداً في معدلات الإصابة بالسرطان، إذ يضاف سنوياً حوالى 110 آلاف مريض إلى قائمة المصابين بذلك المرض، وفق السجل القومي للأورام. كذلك حدث تغيير في خريطة السرطان مصريّاً. فبعد أن كان سرطان الرئة يعتبر الأول في الإصابات بين الرجال، أصبح سرطان الكبد يتصدر القائمة، بنسبة تزيد على ثلث المصابين بأورام خبيثة. ويرجع ذلك إلى انتشار الإصابة بفيروسات الكبد، خصوصاً فيروس الكبد من النوع «سي». واستضافت القاهرة أخيراً، أعمال «المؤتمر الدولي الثالث لأورام الجهاز الهضمي والكبد». ووفق أمينه العام الدكتور هشام الغزالي، أستاذ علاج الأورام في كلية الطب في جامعة «عين شمس»، ناقش المؤتمر ما يزيد على 40 بحثاً. وشملت أعماله 40 محاضرة وثلاث ورش عمل لتدريب الأطباء الشباب على استخدام موجات ال»ميكروويف» في علاج أورام الكبد، وإجراء جراحات المناظير لأورام القولون والمستقيم، وتفاصيل في عملية زراعة الكبد. وأوضح الغزالي أن المؤتمر استضاف الأساتذة هانز شمول رئيس «الجمعية الأوروبيّة لأورام الجهاز الهضمى والكبد»، وأوليفر بولو، أستاذ جراحة الكبد وزراعته في فرنسا، وأنطونيو لاكويستا، أستاذ الأشعة التداخلية في أسبانيا. وقدّم بولو شرحاً عن وسائل حديثة في جراحة الأورام وزراعة الكبد في فرنسا. وعرض لاكويستا مستجدّات استعمال الأشعة التداخلية في علاج أورام القولون. ولاحظ الغزالي ارتفاع نسب الشفاء عالميّاً من سرطان القولون مع تطور العلاج باستخدام الأشعة التداخلية، لافتاً إلى أن المؤتمر ناقش أنواعاً مبتكرة من العلاجات الموجهّة التي أدت إلى ارتفاع نسب الشفاء في أورام القولون، حتى عندما يكون انتشاره في الجسم بنسبة 90 في المئة. وأشار الغزلي إلى أن المؤتمر ناقش أحدث طرق علاج أورام المستقيم، وكيفية تقليص حجم أورامه قبل العمليات الجراحية لتحسين نتائجها على المدى البعيد. كما قدّمت في المؤتمر عروضاً عن استعمال العلاجات الموجّهة في علاج أورام المعدة. ونظراً إلى ارتفاع نسب الإصابة بأورام الكبد في مصر، خصّص المؤتمر حلقات نقاش لمعرفة طرق زيادة معدلات الشفاء منها، سواء بزراعة الكبد أم تقنيات الأشعة التداخلية أم العلاجات الموجّهة. وأضاف الغزالي أنه يتوجّب إجراء فحص جيني لكل المرضى المصابين بأورام القولون، كي حتى يتسنى اختيار العلاج المناسب لكل مريض ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الشفاء. كما ناقش المؤتمر أنواعاً حديثة من الأدوية التي تثبّط عمل أحد الجينات المسؤولة عن إمداد الورم بالأوعية الدموية اللازمة لنموّه. السجل القومي للأورام في السياق عينه، أفاد الدكتور حسين خالد، أستاذ طب الأورام في جامعة القاهرة بأن السرطان مشكلة عالمية وقومية، بل يعتبر السبب الثاني للوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية. وأشار إلى غياب الإحصاءات الدقيقة المتّصلة بالسرطان في مصر، حتى عام 2008. وفي تلك السنة، جرى توقيع اتفاقية بين وزارات الصحة والتعليم العالي والاتصالات لإنشاء سجل قومي للأورام في مصر. واستطاع السجل أن يشمل لحد الآن خمس محافظات مصرية. ووفقاً لإحصاءات السجل القومى للأورام، هناك قرابة 150 حالة جديدة سنوياً لكل 100 ألف نسمة، ما يوازي 110 آلاف حالة جديدة سنويّاً في مصر. وتتوزّع تلك الأرقام بالتساوي بين الرجال والسيدات. وبالنسبة إلى الرجال، يأتي على رأس القائمة سرطان الكبد (33 في المئة)، تليه سرطانات المثانة البولية والرئة والجهاز الهضمي. وعند السيدات، يأتي سرطان الثدي في المرتبة الأولى، تليه سرطانات الكبد والغدد اللمفاوية والجهاز الهضمي. وناقش المؤتمر استخدام موجات ال«ميكروويف» الحرارية كعلاج مساعِد للعلاج الكيماوي، في تقليص حجم الأورام المنتشرة. وفي هذا الصدد، تحدّث البروفسور سوايب يلسن، رئيس «الجمعية التركيّة لعلاج وبحوث السرطان، عن عقارين موجّهين، بمعنى أنهما يستهدفان الخلايا السرطانية ويتجنّبان الخلايا السليمة، أضيفا حديثاً إلى قائمة أدوية علاج سرطان القولون عندما يكون منتشراً في الجسم. وحصل الدواءان على موافقة الجمعيتين الأميركية والأوروبية لأدوية. وساعدا على الوصول إلى تحسن اكلينيكي ثابت في علاج أورام القولون المنتشرة، بما يقارب ال80 في المئة. لكل فرد علاجه وبيّن الدكتور محمود المتيني، أستاذ جراحة الكبد وزراعته في كلية طب «عين شمس»، أن علاج أورام الكبد أصبح يعتمد على ما يعرف حديثاً بالبروتوكول العلاجي المتعدّد. ويشمل البروتوكول الجراحة، والأشعة التداخلية، والعلاج الكيماوي والأدوية الموجّه. ويعطي البروتوكول إمكان «تفصيل» العلاج بحسب حال كل مريض على حِدة، استناداً إلى حال المريض وعمره ومدى انتشار الورم وحجمه، وأماكن وجوده وغيرها. وتحدّث الدكتور أسامة حتة، أستاذ الأشعة التداخلية في كلية طب «عين شمس» عن دور تلك الأشعة في علاج أورام الكبد. «تتيح الأشعة التداخلية علاج أورام الكبد بدل استئصالها. ومثلاً، من المستطاع تحديد مكان الورم بالأشعة الصوتية ثم توجيه موجات حرارية عبر إبرة تُدخَل إلى منتصف الورم. وعندما ترتفع الحرارة داخل الورم إلى قرابة 60 درجة مئوية، تموت خلايا الورم في أقل من نصف ساعة»، وفق حتّة. وأضاف أن العلاج بموجات ال»ميكروويف» يطبّق على الأورام التي يكون حجمها أقل من 5 سنتيمترات. وعندما يكون الورم في حجم أكبر من ذلك، يحقن دواء كيماوي داخله. وأشار إلى نوع جديد في علاج الأورام يعتمد على حقن حبيبات دقيقة في الشرايين المغذّيَة للورم تعمل على غلقها ما يساعد على ضموره واضمحلاله. وأوضح أن الحبيبات تقدر على إطلاق موجات أشعة محدودة المدى، ما يؤدي إلى تدمير الورم السرطاني.